قراءة في الترجمة الكردية لملحمة جلجامش التمايز اللغوي بين المفهوم والمصطلح (الحلقة الخامسة والأخيرة)

برزو محمود

في هذا القسم أتناول دراسةً ومناقشةً ورأياً عدداً من الكلمات التي لا تقع ضمن الأخطاء اللغوية في المستوى النحوي أو البنائي، بل أنها تثير إشكالية في طبيعة المفاهيم التي تتطلب مصطلحات تعبر عنها بدقة بعيداً عن الغموض. وجدير بالذكر أن النقاط الواردة في الباب الثاني “التمايز اللغوي” كنت قد تحدثت فيها في مقالي الأول، لكنني عدت إلى البث فيها بهدف توضيح بعض الجوانب التي أثارها بعض القراء والمثقفين بعد أن أطّلعوا عليها. ففي الباب الأول سنتوقف عند ثلاث مصطلحات كردية أو ثلاث تسميات وردت في الترجمة الكردية لملحمة جلجامش، وهي كالتالي:

أولاً: evînkar : “البغي” ص 38 و 75 وغيرها
Nêşîrvano! keçeke evînkar bi xwe re bibe û here.
وأيضاً “rehbika evînkar” مقابل كاهنة حب.
يستعمل المترجم مصطلح جديد وهو: “evînkar”  وأحياناً “rehbika evînkar” كمقابل لعبارة “كاهنة حب” الواردة في ترجمة السواح، والتي تقابل “البغي” لدى طه باقر. السؤال هو هل ” evînkar ” تصلح لهذه المهمة أعني هل المصطلح بتكويناته اللفظية قادر على تمثيل مفهوم البغي والباغية؟ حقيقةً لا أوافق بتاتاً على المقابل الكردي الذي وضعه أو استعمله الأستاذ دحام. فهذا الإجراء مرفوض لأسباب كثيرة أهمها أن “evîn” كلمة كردية تدل على مفهوم الحب بكل معانيه الجميلة، وبأي حق نسخّر هذا المعنى السامي لمفهوم سلبي مثل “البغي” وخاصة بالنسبة لمجتمعنا الكردي، إذ لا نرى أي انسجام وتوافق بين مفهومين متنافرين أصلاً في المستوى الإجتماعي والأخلاقي. أما اللاحقة “kar” لا تفيدنا بشيء، ولا تتمتع بأي قدرة في تحويل المعنى الايجابي إلى معنى سلبي، بل تؤكد مفهوم الايجابية والمعنى السامي كعمل يؤديه الحب. ولكن من الواضح أن المترجم لجأ إلى إستعمال الطريقة الحرفية في وضع مصطلحه “evînkar” وذلك تحت تأثير مفاهيم خاصة بالثقافة العربية ولغتها التي تبيح “ممارسة الحب” بالمعنى الجنسي للكلمة، وعلى هذا الاساس استعمل المترجم لفظة “kar” مع الحب evîn تمثيلاً لمعنى الممارسة، بينما مفهوم الحب المتمثلة في كلمة evîn لا تنتمي إلى الثقافة الكردية من الوجهة الجنسية كما هو حاصل في الثقافة العربية، وهذا ما يُبطل من صلاحية مصطلحه. ويمكن تفسير الأمر بصيغة أخرى وهي أن الإختلاف الثقافي يلغي التماثل اللغوي. أما السؤال والبحث عن المقابل لكلمة “البغي والباغية” ، يمكنني هنا أن نقدم مجموعة من الكلمات التي غالباً ما تستخدم في وسط إجتماعي معين، وهي:
 

dêlejin, dêlik, qehb, qehbik, qûnde, quzde, qûndek, quzdek   
إلا أن الكلمات المذكورة أنفاً بسبب استعمالها اللامهذب وغير المقبول اجتماعياً وما تحمله من معنى سلبي مكروه على الصعيد الاجتماعي لا تُحظى بالقبول. وثمة كلمات أخرى أكثر أدباً في التداول الاجتماعي والكتابي وهي “dawênpîs” المستخدمة في الكتابات السورانية ويمكن كرمنجتها الى “dawpîs” في حال ابتعدنا عن السوْرَنة، أو كلمة “jintolaz” الكورمانجية. ومع هذا، أعتقد أن الكلمات الثلاثة الأخيرة هي أيضاً لا تلبي المفهوم المطلوب، وبالتالي لا تُصلح كمقابل للمصطلح الوارد في سياق الملحمة نظراً لدلالاتها الجانبية وخصوصيتها في الثقافة العربية والسومرية. إذاً ما الحل لهذه الإشكالية؟ في حال تعذر إيجاد المقابل الكردي يمكننا اللجوء إلى اللغات الأخرى، وهذا أمر مشروع ومطبق في كافة اللغات الأخرى، وهنا أقترح كلمة انكليزية وهي “harlot” التي تتوافق مع الكردية دلالياً ومورفولوجياً إذ يمكن تصريفها وفق البناء اللغوي الكردي إلى مورفيمين: الصفة “har” وتدل على حدة الهيجان السلبي المرتبط بحالة معينة، ومن معانيها أيضاً أنها تطلق كصفة للشخص أو للفتاة أو للمرأة في حالات عديدة، منها حالة الشبق الجنسي. أما كلمة lot  هي الأخرى تعبر عن حالة انفعالية تظهر على شكل حركات شبيه بالرقص تعبيراً عن فرحه وسروره. من هنا نجد أن المزج والتركيب بين الوحدتين تولدان دلالة جديدة تقابل نفس معنى “harlot” الانكليزية أي البغي أو المومس أو بنت هوى، وهي الكلمة التي استعملها المترجم الانكليزي مورين جلري عندما يقول:

Go, set off to Uruk,
tell Gilgamesh of this Man of Might.
He will give you the harlot Shamhat, take her with you.
اما روبرت تمبل يستعمل كلمة تختلف لفظاً ومعنىً وهي hierodule التي تعني “عبد في خدمة هيكل” كما وردت في قاموس المورد للبعلبكي. 

ثانياً: مصطلح الحكمة pendeyarî
O يستخدم المترجم “pendeyar” مقابل الحكيم و”pendeyarî” مقابل الحكمة، التي تدل على المعرفة العقلية القادرة على التمييز بين الصواب والخطأ. وعلى ما أظن أنها أستخدمت من قبل كتاب كرد أخرون أيضاً، لكن المشكلة ليست هنا بل ما نريد أن نطرحه هو: هل المقابل الكردي “pendeyar” قادر مورفولجياً ودلالياً على تمثيل مفهوم “الحكيم والحكمة” ؟ الكلمة كما أشرت الى ذلك أنها من النوع المولد حديثاً وهي مشتقة من الجذر pend”  أي القول المأثور ، النصيحة، العبرة”  واللاحقة yar . وهي صياغة سليمة من حيث البناء. والكلمة ترتكز في بنائها على جذر القول المأثور “pend” وفق القياس الدلالي للكلمة العربية “الحكمة” والحكم بمعنى أقوال مأثورة. ولكن السؤال هنا هو هل هذا التماثل يستطيع أن يؤدي ما هو مطلوب على مستوى اللغة الكردية؟ علماً توجد كلمات كردية قريبة جداً من المفهوم المطلوب مثل: “aqilmend و aqilmendî” وأيضاً “şareza و şarezayî” وأيضاً ” “jîrو”jîrî”. أما في الانكليزية نلتقي بكلمة “proverb” المكونة من ” pro  و verb”  وهي كلمة لاتينية من “proverbium” كمقابل للحكم والأقوال المأثورة، أي ما يُنقل شفاهاً. أما الكلمة التي تقابل “الحكيم”  في الانكليزية هي “wise” ويشتق منها “wisedom” أي الحكمة.  لو تأملنا في المفهوم الواحد وما يقابله من مصطلحات ترد في اللغات الثلاث، نلاحظ اختلافاً واضحاً في تخصيص المفردة الاصطلاحية. السؤال هنا هو هل الجذر pend”” قادر على تمثيل مفهوم “الحكمة والحكيم” دلالياً؟ لنعود إلى المفردات التي تنتمي إلى هذا الحقل الدلالي وهي:
1. “şareza” متقن، ملم، خبير، عارف، أهل الخبرة حسب قاموس كيو موكرياني والاسم هو: “Şarezayî” وتتعلق بالحكمة التخصصية في معرفة الخطأ من الصواب في أمور الحياة، وهي قريبة من الخبير والخبرة الذاتية والإلمام في أمر ما. ثمة من يرى أن ” şareza و şarezayî” أكثر تمثيلاً لمعنى الحكمة بالرغم مما تتمتع به ” pendeyar وpendeyarî ” من وقع صوتي جميل، وصياغة صرفية سليمة؟
 
2. “jîr و jîrî ”
Jîr”” عاقل، حكيم، فهيم، فطين، ذكي،
Jîrî”” عقل، حكمة
هذه الكلمة برأيي تشير إلى معنى الاجتهاد والذكاء إلى جانب الحكمة، لكن معظم كتاب اللهجة السورانية يستخدمون في كتاباتهم هذه المفردة، jîr ، كمقابل لـ الحكيم و “jîrî” مقابل الحكمة، وكان قد تبناها المجمع العلمي الكردي في سبعينات القرن الماضي. أما موقفي من ” jîr وjîrî ” كمقابل لـ الحكمة يميل الى الرفض، بسبب ما تحمله هذه الكلمة من معاني أخرى مثل “الذكي والذكاء، والإقتدار الذهني” وامكانياته الفاعلة المرتبطة بنشاطه البدني والعقلي. فقد يكون الشخص “jîr ” دون أن يكون حكيماً. فالشخص الذكي ربما في موقف ما لا يكون حكيماً، أي لا يتصرف بتعقل كالحكيم، صفة jîrî  تميل إلى الذكاء أكثر من ميلانها إلى الحكمة.

3. hişmend”   و hişmendî” تتكون من الاسم hiş واللاحقة “mend-” على قياس “dewlemend و aqilmend” . اللاحقة تشير إلى معنى الملكية والتملك وصاحب، أما hiş تعني الوعي ومنها “hişyar” واختصاراً يقال “şiyar ” أي الواعي، المتيقظ … الخ بالرغم مما تحمله هذه الكلمة من معاني عديدة تتعلق بالعقل والوعي إلا أنها  

  4. الكرد في اللهجة الكورمانجية يستخدمون كلمة “aqilmendî” للدلالة على الحكمة وعندما نقول فلان اقلمند أي أنه حكيم، وأعتقد أن “aqilmendî” بما تتصف به من مقومات دلالية وتداولية، لماذا لا نثبتها؟ وما العيب فيها؟ فكلمة “aqil” رغم أصلها العربي إلا أنها مستخدمة في الكردية وفي كافة اللهجات، وبالتالي لا ضير من تكريدها بحذف حرف العين من بدايتها.
على كل حال، ورغم أنني أرى أن هذه الأخيرة أكثر دقة من الكلمات السابقة، إلا أن هذه المسألة تتطلب مناقشة أوسع ودراسة مستفيضة تحيط بكافة جوانب الكلمة الكردية للوصول إلى الحل الأنسب في وضع المصطلح الكردي الأصلح. 

ثالثاً:  كلمة “dartiraş” أم “dartaş” ص 74
يستعمل المترجم كلمة “dartiraş” “ص 74 ” كمقابل لكلمة “نجار” وهي صحيحة ترجمةً وصيغةً، وهي من النوع المركب وتتألف من الاسم “dar” وجذر الحاضر “tiraş” مشتقة من المصدر “tiraştin” أي النحت، الحلاقة. ولكن هناك صيغة أخرى أقل طولاً من الأولى وهي “dartaş” وتتكون مورفولوجياً من الاسم “dar” و”taş ” جذر الفعل الحاضر من المصدر” taşîn” بنفس معنى الفعل السابق. من المعلوم في علم المصطلح هو اختيار البنية اللفظية ذات المقاطع الصوتية القليلة والقصيرة في حال وجود أكثر من كلمة تؤدي المعنى المطلوب. بناء عليه أرجّح كلمة “dartaş” ذات المقطعين على “dartiraş” ذات المقاطع الثلاث.  

القسم الرابع: المصطلح والتمايز اللغوي

التمايز اللغوي
 ما نعنيه بالتمايز اللغوي هو اجراء تغيير جزئي في بنية الكلمة أو تبديلها بواحدة أخرى للحصول على صيغة جديدة أو كلمة جديدة تفي بدلالة محددة تعبر عن مفهوم أومصطلح معين بهدف تفادي الخلط اللغوي في تسمية المفاهيم العديدة.
أولاً: “اليوم/النهار” و”الشمس”
يرى إبراهيم محمود: “”في مجمل النص، يتم الخلط بين ما يخص “اليوم” و”الشمس”، ولا أظن أن ذلك بخاف على المترجم، لكنه يترجم الاثنين بـ”roj”، كما في الصفحتين “94- 186″، في النص العربي، والمقابل كردياً، في الصفحتين “37- 88 “. وما يثير الاستغراب أن الاستاذ دحام رفض هذه الفكرة بحجة أن السياق اللغوي يكفل هذه المهمة.
في الحقيقة أن التمايز اللغوي لفظاً ومعنىً بين مفهومين مختلفين مثل الشمس والنهار، أي ضرورة إيجاد المقابل اللغوي الخاص بكل مفهوم على حدة، هي فكرة سليمة يتناولها علم المصطلح باستمرار، وقد طرحها المجمع العلمي الكردي في سبعينات القرن الماضي حيث خصص كلمة xor الكردية كمقابل لـ “الشمس”، وكلمة “roj” كمقابل لكلمة “النهار”. وعلى هذا الاساس أستعملوا  “xor” في تركيب “xorhilat” المستخدَم من قبل كتاب اللهجة السورانية كمعادل لـ “الشرق”. رغم تقديرنا واحترامنا لمكانة المجمع العلمي وجهوده الجبارة في خدمة اللغة الكردية إلا أنه في رأيي لم يتوفق في اختياره لهذا المصطلح، للأسباب التالية:
1.                      من الملاحظ أن كلمة “xor” لا تنسجم صوتياً وتصريفياً مع مباني اللغة الكردية، وخاصةً في حالة الإمالة، إذ تظهر بصيغة غير مستصاغة، ويمكن ملاحظة التمييز بينهما عند قراءة المثال التالي:

اله الشمس xudakê xorê
xudakê rokê
2.      كلمة xor  لا تدخل في نطاق المشترك بين الكردية والفارسية، بل هي فارسية حصرياً، ولا تستخدم في السورانية، ولا في الكورمانجية.
ويبدو لي أن تأثير اللغة الفارسية على تفكير البعض من أعضائه وعدم الإكتراث باللهجات الأخرى وخاصة الكورمانجية قد أدى إلى تخصيص مصطلح xor الذي لا يصلح أن يُستعمل في الكردية للأسباب المذكورة أنفاً. من هنا نجد أن الأفضل لنا هو البحث عن مفردة كردية لتحل محل المصطلح المطلوب، ويمكن عرض المفردات المنتمية إلى الحقل الدلالي لـ “roj”، ومن ثم نبدأ بدراسة هذه المفردات المطروحة للبث في أمر صلاحية كل واحدة منها، وبعدها يمكننا اختيار ما هو أنسب، وذلك في اطار الجهد الجماعي والقرار الجماعي الذي نفتقر اليه على الدوام نتيجة الذهنية المتخلفة والعقلية الفردية المستبدة بثقافتنا ولغتنا.
حقيقةً نجد أن كلمة “roj” لها متغيراتها المستمدة من جسمها وهي:  “rok” و “ro” وثمة مفردة أخرى هي “tavik” ، علماً أن أحد الكتاب أقترح “tavik”، وواحد أخر اقترح كلمة “rok” كمعادل لـ الشمس، والاقتراح الاخير من وجهة نظري سليمة إلى حد ما، إلى جانب أن “rok” كلمة تُستخدم باستمرار في اللهجة الكورمانجية كمعادل لـ الشمس بالرغم أنها تُستعمل في نفس الوقت كمقابل لـ النهار إلا أنها تفي بدلالات أخرى مثل الشمس وأيضاً ضوء الشمس. باعتقادي لو بدلنا “xorhilat” بـ “rokhilat” أو “rohilat” ستحظى بتأييد أكبر. علماً أنه بوسعنا أن نذكر مفردة أخرى مختصرة من “roj” . وكلمة ro تأتي بمعنى النهار كما في التركيبات  îro الكورمانجية و “emro” السورانية وترد في الجمل مثل:
Wê royê ez hatim
Ev bû du ro ez li vir im.
Ez çend royan li wir mam.
Ez bi ro nikarim werim ba te:
Emro dinya germ e.

أما كلمة “tavik” الدارجة في اللهجة الكورمانجية وتحديداُ في منطقة أليان وديريك لا يُستعمل كمقابل لـ “الشمس”، أنها تعني أشعة الشمس وليس الشمس. ومن الممكن أن نجد صورتها في الجزء الثاني من كلمة “hetaw” السورانية تعني شمس وأشعة الشمس وتستعمل في عبارة “hetawbirdin” أي ضربة الشمس “taviklêdan”. وهنالك كلمة أخرى وردت في قاموس مهاباد لـ كيو موكرياني وهي “huwêr” أي الشمس التي تبدو لي أنها صيغة أخرى لكلمة “xor” الفارسية إذ تحول الصوت h إلى x وهذا التبدل الصوتي ظاهرة فونيتيكية تحصل في اللغات الهندوايرانية إذ نجد كلمات أخرى من هذا القبيل في نفس القاموس مثل: “hûwêj” أو “huwêj” نفس، شخص التي تتحول إلى “xwêj” ثم إلى  “xwê” و “xwe” . وهنالك كلمة “huwêtin/huwêtin” بمعنى النوم التي تحولت إلى “xewtin” في الكردية الحالية. لدى التمعن في هذه الكلمات يتضح لنا أن الصوت h في بداية الكلمات الثلاث تتغير في اللغات الهندوايرانية إلى الصوت x وهي خاصية صوتية حدثت في مجرى التطور الصوتي للغات الايرانية.  فالكلمة الأولى هي “xor” والثانية هي “xwêj” وثم إلى “xwe” أما الثالثة فهي الأن “xewtin” .
أما رأيي في اختيار المصطلح الاصلح للمفهومين المذكورين نحتاج إلى قرار جماعي يتوصل اليه أهل الاختصاص والمثقفون معاً. ولا ضير في استعمال كلمة “roj” كمقابل لـ “الشمس” و “اليوم/النهار” لأن السياق كفيل بإحداث التماييز الضمني بين المفهومين.

ثانياً: الله و الإله
وفي سياق التماييز اللغوي يمكننا ملاحظة مثال أخر من نص الترجمة الكردية لملحمة جلجامش وهو أن المترجم يستعمل لفظة “xweda”  كمقابل لمفهومين مختلفين: الإله “اله الحب أو اله الشمس… الخ” واسم الجلالة الله، وهي اللفظة التي نتداولها كردياً في الحديث اليومي. أعتقد أنه من الضروري أن نميز لغوياً بين هذين المفهومين، اذ نخصص Xweda أو Xuda مقابل الله اسم الجلالة، كما هو الحال في الاستعمال اليومي، ونخصص كلمة “xudak” المتداولة في الوسط الشعبي  أو “xudawend” المستخدمة في اللهجة السورانية أو “homa” الزازية كمقابل لكلمة الإله: المعبود، وكذلك توجد كلمة أخرى هي “hormiz” أو “hirmiz” أو “hurmiz”  ويستعمل كأسم للذكور.
وأرى أن اختيار كلمة “xudak” وتخصيصها كمعادل لمفهوم الإله ربما تكن أفضل من المصطلحين الأخرين  بإعتبارها متداولة في الوسط الشعبي في اللهجة الكورمانجية، كأن نقول مثلاً:

xudakê rokê إله الشمس
xudakê evînê إله الحب
xudakê bayê إله الرياح
ثالثاً:  البراري:”çolan”  الفلاة: “çolistan” 
في “باب الالتباس وعدم الدقة” يرى ابراهيم محمود أن مفردة  “çolan” ، وهي جمع، غير دقيقة وخاصة عندما توضع مقابل ثلاث مفردات في الصفحة ” 196، ف : 7-14-15″، وهي التالية: القفار- البراري- الفلاة، وكما هي واردة في النص المترجم “ص 94″ ففي البراري، من البر، ثمة” çol”، أما إزاء القفار، من القفر، وكذلك الفلاة فثمة “çolistan”. أما الاستاذ دحام في رده على الاستاذ ابراهيم محمود يبدي رأيه قائلاً: “”أود هنا أن أقف عند صيغة “çolistan”  التي أجدها غير دقيقة، فاللاحقة “istan” تفيد معنى المكانية للإسم الذي تتصل به، نحو: “daristan”  مكان الشجر “الغابة” و “mûristan” مكان النمل. وكلمة “çol”  ذاتها تعني البر والفلات، وهما “مكانان”. فما فائدة اللاحقة المكانية في اتصالها بالمكان نفسه ؟! وماذا تزيد في المعنى وماذا تنقص منه ؟!”” 
تعليقاً على رأي الكاتب الأخير في الفقرة أعلاه أرى من الأفضل أن لا نتسرع في اطلاق أحكام مورفولوجية قد لا تتوافق مع واقع لغتنا، حيث نجد فيها كلمات أخرى من النمط المقترح من قبل الناقد ابراهيم محمود، بالتأكيد لن نلتقي بأمثلة عديدة من هذا النوع، إلا أنه يمكن أن نسوق هنا مثالين على ذلك:
المثال الأول: kwêstan المستخدمة في اللهجة السورانية، وتتكون من kwê أي الجبل “الدال على المكان” واللاحقة المكانية stan . ومجموع الوحدتين تشيران الى “المنطقة الجبلية”. فهل يمكن إلغاء kwêstan بسبب الجمع الحاصل بين مكانين حسب تحليل الاستاذ دحام؟!
المثال الثاني: وهي “goristan” المكونة من “gor” ذات الدلالة المكانية و”istan” اللاحقة المكانية ، ومجموع الوحدتين تشيران الى المكان الذي يضم عدداُ من القبور، وهي منطقة خاصة بالقبور فقط. من هنا نجد أن مفهوم المكان بحد ذاته يتصف بالشمولية التي تستوعب مفاهيم أخرى، وثمة مكان كبير يستوعب أمكنة صغيرة كما هو الحال مع “gor” و “goristan” .
وإذا تأملنا في اللاحقة “stan” ، نجد فيها معاني ودلالات عديدة، من قبيل الموطن، المنطقة، المساحة، الاحتواء، والاتساع … الخ. فمثلاً كلمة “تاريستان tarîstan” ” الكردية التي سمعتها من الكبار يستخدمونها بمعنى الظلام في حالة الشدة والحلكة اذ تضفي على المكان المظلم خصوصية معينة، لا شيء سوى الظلام. وهي كذلك مع كلمة”çolistan” إذ تؤدي اللاحقة دلالة على أن  الموجود في هذا المكان بكل جغرافيته هو “البر” فقط، أي المنطقة الخاصة بالبر وبهذا تعبر عن ” الفلاة” بالمعنى الشمولي للكلمة. من ناحية ثانية، تبدو  كلمة “çol” ذات بنية صوتية قصيرة المدى والمساحة، إذ تفتقر الى تلك الشحنة التعبيرية الكامنة في  “çolistan” نظراً لما تحمله اللاحقة stan  من صوت هارموني وجرس موسيقي شبيه بالوحدات الصوتية في اللغة الكردية مثل الكلمات: zozan, kwêstan, germiyan, çiyan, geliyan, biyaban, tarîstan,  … الخ. بناء على ما تقدم أرى أن ما أقترحه الاستاذ ابراهيم يؤدي  الدلالة المطلوبة شكلاً ومضموناً. ولكن لا ننسى أن كلمة “çol” كما أستخدمها الأستاذ دحام كمقابل للمفاهيم الثلاث في الملحمة صحيحة ولا تدخل في باب الخطأ اطلاقاً. الجانب الثاني هو أننا لسنا مخولين بالمطلق بتكوين مباني من هذا النمط كيفما أتفق ذلك، أعني لا نسمح للعشوائية أن تتسرب إلى ذهننا في تشغيل اللاحقات الكردية ولصقها بالمفردات البسيطة حسب الرغبة والاعتباطية، كأن نقول مثلاً xanîstan أو geracistan … الخ. بل ينبغي أن تستند العملية على قاعدة لغوية والتذوق السليم للغة. ومما لا شك فيه أن النقاش والجدل في هكذا مواضيع يهدف إلى إغناء الجانب اللغوي ليس إلا، وخاصة في هذا المرحلة.

رابعاً: اسم الملحمة Gilgamiş أم Gilgamêş
ثمة تمايز غير مبرر يبدأ بتغير اسم الملحمة أو بالأحرى تكريدها من Gilgamiş إلى Gilgamêş . المعتاد عليه هو أن غالبية اللغات تصيغ الكلمة الاجنبية لفظاً وكتابة وفق مقاييسها اللغوية أي حسبما تتفق مع نظامها الصوتي والكتابي. فالعرب يلفظون الجيم الفارسية جيما عربية فتصبح جلجامش، أما في الكردية لا نحتاج الى مثل هذا التحويل العربي لأن الكردية تلفظ الجيم الفارسية في نظامها الصوتي وبالتالي نلفظها Gilgamiş بطريقة قريبة جداً الى لفظ معظم الشعوب الأخرى. من هنا لا أجد ضرورة أن نسوقها بالصياغة الواردة في الترجمة الكردية اذ تتحول Gilgamiş إلى Gilgamêş كما لو أننا نسقط تحليلنا الايتيمولوجي على الاسم. وهذا أمر غير مقبول لأن هذا الطرح يفتح الباب على مسائل كثيرة كأن يطرح الواحد منا مثلاً كلمة (الكاردوخ) و(الكاردوخيون) بدلاً من (الكورد) و(الأكراد)!! بحجة الإتيان بالأصل، وهذا أمر غير معقول وغير مقبول!! لذا أرى من الأفضل إستخدام الصيغة المتداولة، وهي Gilgamiş  وليست Gilgamêş .

ثمة تمايز غير مبرر يبدأ بتغير اسم الملحمة أو بالأحرى تكريدها من Gilgamiş إلى Gilgamêş . المعتاد عليه هو أن غالبية اللغات تصيغ الكلمة الاجنبية لفظاً وكتابة وفق مقاييسها اللغوية أي حسبما تتفق مع نظامها الصوتي والكتابي. فالعرب يلفظون الجيم الفارسية جيما عربية فتصبح جلجامش، أما في الكردية لا نحتاج الى مثل هذا التحويل العربي لأن الكردية تلفظ الجيم الفارسية في نظامها الصوتي وبالتالي نلفظها Gilgamiş بطريقة قريبة جداً الى لفظ معظم الشعوب الأخرى. من هنا لا أجد ضرورة أن نسوقها بالصياغة الواردة في الترجمة الكردية اذ تتحول Gilgamiş إلى Gilgamêş كما لو أننا نسقط تحليلنا الايتيمولوجي على الاسم. وهذا أمر غير مقبول لأن هذا الطرح يفتح الباب على مسائل كثيرة كأن يطرح الواحد منا مثلاً كلمة (الكاردوخ) و(الكاردوخيون) بدلاً من (الكورد) و(الأكراد)!! بحجة الإتيان بالأصل، وهذا أمر غير معقول وغير مقبول!! لذا أرى من الأفضل إستخدام الصيغة المتداولة، وهي Gilgamiş  وليست Gilgamêş .

وفي سياق التماييز اللغوي يمكننا ملاحظة مثال أخر من نص الترجمة الكردية لملحمة جلجامش وهو أن المترجم يستعمل لفظة “xweda”  كمقابل لمفهومين مختلفين: الإله “اله الحب أو اله الشمس… الخ” واسم الجلالة الله، وهي اللفظة التي نتداولها كردياً في الحديث اليومي. أعتقد أنه من الضروري أن نميز لغوياً بين هذين المفهومين، اذ نخصص Xweda أو Xuda مقابل الله اسم الجلالة، كما هو الحال في الاستعمال اليومي، ونخصص كلمة “xudak” المتداولة في الوسط الشعبي أو “xudawend” المستخدمة في اللهجة السورانية أو “homa” الزازية كمقابل لكلمة الإله: المعبود، وكذلك توجد كلمة أخرى هي “hormiz” أو “hirmiz” أو “hurmiz”  ويستعمل كأسم للذكور.وأرى أن اختيار كلمة “xudak” وتخصيصها كمعادل لمفهومالإله ربما تكن أفضل من المصطلحين الأخرين  بإعتبارها متداولة في الوسط الشعبي في اللهجة الكورمانجية، كأن نقول مثلاً:

O يستخدم المترجم “pendeyar” مقابل الحكيم و”pendeyarî” مقابل الحكمة، التي تدل على المعرفة العقلية القادرة على التمييز بين الصواب والخطأ. وعلى ما أظن أنها أستخدمت من قبل كتاب كرد أخرون أيضاً، لكن المشكلة ليست هنا بل ما نريد أن نطرحه هو: هل المقابل الكردي “pendeyar” قادر مورفولجياً ودلالياً على تمثيل مفهوم “الحكيم والحكمة” ؟ الكلمة كما أشرت الى ذلك أنها من النوع المولد حديثاً وهي مشتقة من الجذر pend”  أي القول المأثور ، النصيحة، العبرة”  واللاحقة yar . وهي صياغة سليمة من حيث البناء. والكلمة ترتكز في بنائها على جذر القول المأثور “pend” وفق القياس الدلالي للكلمة العربية “الحكمة” والحكم بمعنى أقوال مأثورة. ولكن السؤال هنا هو هل هذا التماثل يستطيع أن يؤدي ما هو مطلوب على مستوى اللغة الكردية؟ علماً توجد كلمات كردية قريبة جداً من المفهوم المطلوب مثل: “aqilmend و aqilmendî” وأيضاً “şareza و şarezayî” وأيضاً ” “jîrو”jîrî”. أما في الانكليزية نلتقي بكلمة “proverb” المكونة من ” pro  و verb”  وهي كلمة لاتينية من “proverbium” كمقابل للحكم والأقوال المأثورة، أي ما يُنقل شفاهاً. أما الكلمة التي تقابل “الحكيم”  في الانكليزية هي “wise” ويشتق منها “wisedom” أي الحكمة.  لو تأملنا في المفهوم الواحد وما يقابله من مصطلحات ترد في اللغات الثلاث، نلاحظ اختلافاً واضحاً في تخصيص المفردة الاصطلاحية. السؤال هنا هو هل الجذر pend”” قادر على تمثيل مفهوم “الحكمة والحكيم” دلالياً؟ لنعود إلى المفردات التي تنتمي إلى هذا الحقل الدلالي وهي:1. “” متقن، ملم، خبير، عارف، أهل الخبرة حسب قاموس كيو موكرياني والاسم هو: “Şarezayî” وتتعلق بالحكمة التخصصية في معرفة الخطأ من الصواب في أمور الحياة، وهي قريبة من الخبير والخبرة الذاتية والإلمام في أمر ما. ثمة من يرى أن ” şareza و şarezayî” أكثر تمثيلاً لمعنى الحكمة بالرغم مما تتمتع به ” pendeyar وpendeyarî ” من وقع صوتي جميل، وصياغة صرفية سليمة؟  2. ” ” Jîr”” عاقل، حكيم، فهيم، فطين، ذكي، Jîrî”” عقل، حكمة هذه الكلمة برأيي تشير إلى معنى الاجتهاد والذكاء إلى جانب الحكمة، لكن معظم كتاب اللهجة السورانية يستخدمون في كتاباتهم هذه المفردة، jîr ، كمقابل لـ الحكيم و “jîrî” مقابل الحكمة، وكان قد تبناها المجمع العلمي الكردي في سبعينات القرن الماضي. أما موقفي من ” jîr وjîrî ” كمقابل لـ الحكمة يميل الى الرفض، بسبب ما تحمله هذه الكلمة من معاني أخرى مثل “الذكي والذكاء، والإقتدار الذهني” وامكانياته الفاعلة المرتبطة بنشاطه البدني والعقلي. فقد يكون الشخص “jîr ” دون أن يكون حكيماً. فالشخص الذكي ربما في موقف ما لا يكون حكيماً، أي لا يتصرف بتعقل كالحكيم، صفة jîrî  تميل إلى الذكاء أكثر من ميلانها إلى الحكمة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…