ذكريات قيادي

عباس عباس

فيما كان من زمن الشقاوة، تجاوزت هامتي في بعض من سنينه طول قامتي، وارتقى ذؤابة خشمي افق المسموح به، لشاب كردي صُلبَ بحكم العرق والسيادة!…..
تمادى بي الخيال الى اللانهائيات من احلام اليقظة!…فكنت بحكم ما انا عليه من مهابة وعنجهية متكلفة، قدوة لرزمة غير قليلة من شباب الكرد الحالم بالسؤدد والعزة، ضمن تجمع قومي طري، في اغرب دستور منكر ليس للنقيض فقط ، انما للوجود البشري عموماً!…..
حلمت وانا ارسم نفسي كاردينالاً لمجموعة مصلوبة كاليسوع، ارتل امامهم في كل صلاة، ايات من سيرة اعتى المتمردين على قانون الغاب!….. هوشي مينه…..تشي غيفارا….. غريفاس….. والبرزاني مصطفى…و…و…….
ثواراً كانوا المثل الأعلى لطبقة منسية مسحوقة، لها ذكرها على هامش التاريخ، نُكل بهم بتهمة تجاوز رؤى اليسوع!…تجاوزوا عمق آلامه بأحلام اليقظة!…وكان ذاك البلسم السحري الوحيد لتجاوز آلام كل بؤساء المسكونة!….وايضاً العقوبة الأبدية، أن نحلم ونحن نسير حُفاة عُراة على الجمر!….
الأحلام معفية من الرسومات في كل بقاع العالم، الا في وطني!…هذا اذا ما تم الاعتراف بانتمائي الى وطن!…. عفواً…… الأصح هو…. السماح لكردي بالانتماء حتى في الحلم لأية غابة
منسية!.. يعتبر من رابع المستحيلات، لذلك دعونا من الانتماء أو عدمه، فليس هنا بيت القصيد!…
لكننا حلمنا بالانتماء لوطن كثيراً ما اختلفنا على ترسيم صورته الحقيقية!…. وطنٌ كلما تباعدت الأسلاك الخانقة له، كلما كبرت أحلامنا، فتتعاظم خلافاتنا مع المنكر والنكير!…. والشاطر من ينفذ من بين ايديهم بأقله ألماً!…. وكنت أظن بنفسي منهم!…. الا أن كثيراً ما كانت الشطارة هي الوبال!… لذا كانت سقطتي الأولى اثقل مما يتحمله بعيرٌ بشطارتي!….. ففي سهوة مني وفي لحظة نشوة الانتماء الى العرق الأنقى أو الأشجع كما توهمنا، اقترفت معصيه!…. وأنا ماثل بين يدي المنكر والنكير، اعترفت بعد أن التوت رقبتي بين أيدي الجلادين، بأني حلمت ولم أدفع ما يترتب علي من الرسوم!….. أو هكذا اتهمت، وبعد ذلك خيرت بين الأعتقال الأبدي أو ان أسلخ جلدي برغبتي!… وكما نعلم، لسلخ الجلود طرق وعبر!…… فأخترت أسهل وأنجع الطرق!.. فما أدراكم ما السلخ؟!…
السلخ حتماً لايعني التغير، الحرباء تغير لون جلدها متجاوبة مع الطبيعة، وهو مطلب وقائي لأستمرارية الحياة، وكذلك الأفعى، سعياً منها لابدال القديم المهترئ بالجديد المغري!…. أما السلخ فهي نتيجة حتميه للذبح، وهي عملية غير مؤلمة بعدها، على الرغم من قساوتها في اللفظ والمعنى، وكما تقول العرب، الشاة المذبوحة لايهمها السلخ!…الا أن السلخ الذي أعنيه، مغايرٌ ومؤلمٌ حتى العظم!…السلخ السياسي أو الأجتماعي، والأصح وباعتباري كردياً،  فالسلخ لحيٍ، وهو الغاءٌ لانتماء أو سلخ من العرق حتى يصبح الأنسان أحداً أخرغير نفسه!… وهذا كان المطروح أمامي وأنا ماثل بين يدي المنكر والنكير!…. وقبلت به على مضض، فماذا كان وماذا جرى لكردي جريمته العظمى، أنه لم يدفع رسم حلمه، لزبانية مرعوبين من أحلامه!…..
الخطوة كانت مدروسة بعناية فائقه، فالخبرة وتكرار التجربة، توفر الكثير من الوقت في التلقين!… لذا لُقنت الأسلوب والطريق الأنجع لتنفيذ المهام، بمدة زمنية قياسية!… فما هي المهمة المطلوبة من كردي، فضل السلخ على الحجر الأبدي!….
– كما هو معلوم لنا، أنت سياسي وتتقن فن القيادة بشكل مثالي!…
ابتسامتي فضحت اعتزازي!…
– شهادة أعتز بها!…
– ولكنك تتضيع مهارتك في سخافات تزعجنا!…
– حمقٌ مني!…..  
– الكثير من العقول النيرة، ضائعة بين  التجمع القومي المتطرف، والأممية الخيالية المضيعة للطاقات الشابة!…. 
حِرت في الإجابة، لذا هززت برأسي مثل راقصة هندية!… ولما رأيت الشرارة في عينيه، قلت:
– لعدم وجود قيادة حكيمة!…
ابتسم مع عينين جاحظتين:
– القيادة موجودة، انما تحتاج الى العزم!….
– انا شخصياً لا أثق بأية منها!….
– الا اذا كنت من بينهم!…
– من بينهم؟!…..أنا؟!….
وانتهت المقابلة، ولتضليل فقط وحسب الاتفاق بيننا، بقيتُ عدة ليالٍ بضيافتهم، وفي يوم الافراج وحسب الاتفاق ايضاً، رسم على وجهي بعضاً من الخطوط الحمر، بقفى يد أحد الزبانية الموهوبين في فن الضرب، للاثبات على عمق مأساتي!….
ولم ينتهِ أشهر الخريف الثلاثة، حتى كان الانشقاق من نصيب التجمع القومي، وأنا أهز برأسي ككوبرا هندية، تهز كيانها طرباً، في لحظة انسلاخ الجلد!…

———————
* أديب وباحث كردي من كردستان سوريا, يعيش في المنفى

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…