الحسكة: مراكز ثقافية بلا ثقافة

محي الدين عيسو

مسكينة المراكز الثقافية في محافظة الحسكة لا يزورها أحد إلا في المناسبات الرسمية والاحتفالات الحزبية، أما النشاطات الثقافية فتكاد تكون نادرة وإن وجدت فلا يقبل عليها أحد، المسؤولون عن هذه المراكز يضعون اللوم على الجمهور الذي لا يهتم  بالندوات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تقيمها المراكز دائماً، حيث أن المراكز الثقافية في محافظة الحسكة تعاني من ضعف في الحضور الجماهيري للأنشطة الثقافية التي تقيمها المراكز، وأن المواطنين لا يبالون بالموضوعات التي تطرحها هذه المراكز

حيث يقول الأستاذ “خلف الساير” رئيس المركز الثقافي في منطقة رأس العين بأنه في الحقيقة الإقبال على حضور الأنشطة في مركز رأس العين تحديداً ليس بمستوى الطموح، أنشطة تمتلئ الصالة وأنشطة دون النصف وأنشطة لا يتجاوزون العشرين حاضراً، وهذا يعود لعدة أسباب منها مقاطعة شريحة من المجتمع المركز الثقافي لأسباب تتعلق بثقافة الشريحة، ووضعها الاجتماعي والسياسي، وكذلك البحث عن لقمة العيش، فالبعض يعللون عدم حضورهم الأنشطة بوجودهم في مكان عملهم الإضافي، كما أن الأخوة الذين يعملون في التعليم، وفي ساعة الأنشطة يكونون مع طلابهم في الدورات الخصوصية، وآخرون يرون أنهم ليسوا بحاجة إلى الثقافة وارتياد المراكز لأنهم – وكما يعتقدون – مشبعون ثقافة ( متجاهلين بأن العلم المستقر هو الجهل المستقر)، وأيضاً فأن القيادات في كل المواقع والمفاصل على مستوى مدينة رأس العين باستثناءات محدودة لا يحضرون ولهم أسبابهم، ولا تنسى وسائل الاتصال والتثقيف تلفاز انترنت أثرت سلباً على الحضور، ولكن بالمقابل ثمة شباب ورجال يرتادون المراكز ويحضرون الأنشطة، ويشاركون في الحوارات، وكل حسب اهتمامه الشخصي وتكوينه الفكري، وتحصله العلمي.
الكاتب “حسان أيو” يجد أن الشباب السوري عموما يتجه نحو الأصولية ولا يهتم بالمراكز الثقافية وأن الكثيرين من شباب المحافظة لا يعرفون أن هناك مركز ثقافي في منطقتهم لأنها مراكز حكومية لها دور دعائي، لا دور ثقافي وفكري، حيث يتم تجاهل المواضيع المهمة وهذا شيء مؤسف، وكذلك فأن سبب الطلاق بين المواطن والمراكز الثقافية تتلخص: بالمعاناة المعيشية  وظهور وسائل الثقافة والإعلام للوجبات السريعة وهي الفضائيات والانترنت وغيرها ، وكذلك غياب طرح الموضوعات الفكرية الجادة وغياب الموضوعات الاجتماعية والتربوية والاقتصار على الشعر والأدب وغيرهما، بالإضافة إلى أنه من يدير المراكز الثقافية شبه أمي  بالإضافة إلى غياب الإعلان عن النشاطات الثقافية وأخيراً  وهو الأهم غياب الحالة الديمقراطية وحرية التعبير.
بينما يقول الصحفي “محمود عبدو” عن غياب الحضور الجماهيري عن المراكز الثقافية في المحافظة بأن المحاضرة التي كثيرا ما لا يتجاوز عدد حضورها  أصابع اليد الواحدة الوافدين بدافع ليس ثقافي على الغالب ” خجل من المحاضر, أقرباء, أصدقاء, والكثيرين من ذويه ” إضافة لنوعية الاختيار للمحاضرين والمحاضرات وسويتها وهي بما عليه الآن لن تضيف للشأن والتوعية العامة شيئا ما لم تكن هناك مشروعية ثقافية وهدف من المُعطى الثقافي ككل وفاعليته المرجوة وفائدته الحقيقية وليس بأرقام وهمية وملئ الجداول بأسماء محاضرين وعروض كتب لا يسمع بها أحد وأن الحديث في الشأن الثقافي حديثٌ ذو شجون وأسى قديم, لا يمكن فعلاً مقاربة الوضع والحراك الثقافي في المراكز الثقافية بالمحافظة دون التحليل والبحث, أو وصف دقيق للضعف الذي تشهده اللوحة الثقافية ككل, وتراجعهُ لصالحِ جملة مسائل مادية, إضافةً لسيادة المفهوم التجاري عوضا وبديلا حرفيا للمفهوم الفكري العقلي الإبداعي والخلق الثقافي, وهو المشهد الذي تكتنفه جملة منغصات العمل والحرية والشللية المقيتة ومعادلة ” حكلي لحكلك ” نقديا والتوريث الأدبي والثقافي بين أجيال متقاربة “صلة قربى أو مشاركة المكان أو اللغة واللهجة ”
ماذا تقدم هذه المراكز
يقول ” الساير” بأن المراكز الثقافية تعمل بكل طاقاتها، وبكل إمكاناتها، لتحديث وتطوير العملية الثقافية والارتقاء بالثقافة عملاً بتوجيهات السيد الرئيس بشار الأسد والسيد وزير الثقافة يوجه ويصدر التعاميم والتعليمات، ويلتقي الكوادر الثقافية في المحافظات لرفع الشأن الثقافي. وأنشطة المركز متعددة : أي مركز ثقافي لديه مكتبة فيها كل العناوين التي ترضي كل الأذواق، وفيها أمات الكتب التراثية، وفيها كتب أدبية وثقافية وسياسية وفلسفية وعلم النفس وقانون وقصص وروايات ودراسات، وباب الإعارة مفتوح للجميع، وتوجد قاعة مطالعة مجهزة بكل الخدمات وفيها صحف، ولدينا مقاهي انترنت للاستقطاب الشاب، ومعاهد ثقافية شعبية لإقامة دورات متعددة، ومنافذ بيع كتب من إصدارات وزارة الثقافة، بالإضافة إلى المحاضرات والأمسيات والندوات وحلقات الكتب، وجلسات التراث، والحفلات التي تتزامن مع المناسبات الوطنية. وسعر بيع الكتاب أقل من التكلفة بكثير لأن هدف وزارة الثقافة نشر الثقافة للجميع وليس الربح المادي .ونحن في المراكز الثقافية نقدم وجبات فكرية وأدبية وثقافية وسياسية، وهذه الوجبات لا تكون دائما بمستوى جيد، لأن المستويات الفكرية والثقافية ليست بسوية واحدة والبرامج مهما أعدت لها لا بد من وجود تفاوت في النوعية.
آلية عقد الندوات والمحاضرات
 حول آلية عقد الندوات والمحاضرات يقول “الساير” بأن كل شخص نبيه في موقع ما، يرغب بتطوير آلية العمل وتنشيط الموقع بآليات عمل جديدة ومتطورة، وبه يكبر الموقع الذي يتبوأه، ولا يتورم هو على حساب هذا الموقع. وفي الثقافة الكل يعمل للتطوير والتحديث، والتواصل مع مجتمعاتنا لخلق جيل يتفاعل مع الثقافة، وينفعل فيها، ليكون ثمة تأثير في الفكر للوصول إلى الهدف، وهو تحقيق الفائدة والمتعة والنفع الاجتماعي. والآليات يعمل بها حسب واقع المنطقة الثقافي والسياسي والعلمي.
بينما يجد ” محمود عبدو” بأن المركز باعتباره واجهة ” ولو شكلية ” والممثل الرسمي” الحكومي ” لأي فعل ثقافي مفترض لذاك المشهد المريض, فهو المكان الأفضل لممارسة القصور الثقافي بمقابل مادي, لذا المنبر المركزي” دلالة منبر المركز وليس لمركزية الثقافة وانحسارها فيه ”   يفتح صدره لكل  الأقلام الغير الجديرة في حين نجد الكثير الكثير من مثقفينا ينأون بأنفسهم عن هذا الأجواء في مشاغلهم الإبداعية وكتاباتهم مع ما يحدث فعليا من إبعاد أو تهميش متعمد لأقلام بعينها وفئات كاملة دون أي سبب سوى انسجاما مع الانغلاق الفعلي الذي تسبح فيه هذه المراكز وهذه الثقافة, ويرتبط نشاطه ودوره الفعلي في شخصية الشخص المسؤول ” وهنا فهو رئيس المركز ” فهو المعني الأول والأخير في تحسين الصورة الثقافية والبحث عن وسائل الجذب وتشكيل لجان من أصدقاء للمركز همّهم الثقافة أولا وأخيرا وتتوقف عليه عملية التوفيق بين الجميع لإعطاء مشهد ثقافي معافى يجد فيه الكل صورتهم وحضورهم دون أي تمييز أو محاباة أو مجاملة لفئة دون غيرها أو لكاتب دون سواه ولأسباب كثيرة
وتمنى ” الساير ” للارتقاء بالثقافة أن ينتقى رؤساء المراكز الثقافية ممن يتوافر فيهم الوعي السياسي والثقافة الشاملة والحنكة الإدارية والنزاهة لأنها الأساس ( الثقافة نظافة )، وأن يعطى رؤساء المراكز الثقافية حرية مطلقة ( لأنهم الطليعة الواعية ) لإقامة أنشطة متعددة فيها دسامة فكرية وثقافية وأدبية وتراثية ودينية تأسر الجميع وتربطهم بالمراكز، وان تعمل وزارة الثقافة للحصول على الموافقة اللازمة لرفع أجور التعويض للمشاركين في الأنشطة، مع لحظ جلسات التراث والمسرحيات غير المأجورة في التعويض،وأن تتعاون وزارة الثقافة مع وزارة التعليم العالي واتحاد الكتاب العربي، وجمعية العاديات لطبع كتيب فيه أسماء كتاب وأدباء وشعراء وأساتذة جامعات يرغبون بمشاركة في المراكز مع عناوينهم وأرقام هواتفهم، وأن يسمح لرؤساء المراكز الثقافية بصرف الموازنة المقررة أصولا ضمن الوحدات الإدارية بدون التقيد بالبنود بل حسب حاجة المركز.
ختام الكلام
تحتاج المراكز الثقافية في محافظة الحسكة إلى إعادة الثقة بينها وبين المواطن من جهة، والمثقفين والكتاب من جهة أخرى حتى تكون فعلا منابر إعلامية يستفاد منها المواطن، وصروح حضارية في سبيل رفع الوعي السياسي والثقافي لأبناء المحافظة الذين لا زالوا يطمحون لغد أفضل .
——–

سورية الغد

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…