محمد علي شمس الدين (لبنان)
كلما أوغل الشاعر السوري الكردي الأصل سليم بركات في البعد عن الأرض العربية، تراه أوغل في العربية اللغة، مستعيضاً عن كثير من الانتماءات باللغة، بل لعله اليوم شاعر الغواية اللغوية بامتياز، يلعب معها في رواياته ودواوينه لعباً غريزياً أصلياً على رغم احترافه الأكيد، ودأبه على تفلية التراث والقاموس تفلية متقصية، وإقدامه على استخراج أكباد الكلمات، لا سيما تلك المتعلقة بالنباتات والأشجار والمعادن، من جوف مصادرها، ليعود فينشرها في كتاباته… وقد دأب الشاعر على ذلك باكراً، من أول ديوان صدر له في بيروت بعنوان «كل داخل سيهتف لأجلي وكل خارج أيضاً» عن منشورات «مواقف» بتقديم احتفالي به من خالدة السعيد، حتى الكتاب الأخير له الصادر عام 2008 عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» بعنوان «شعب الثالثة فجراً من الخميس الثالث».
والغــواية اللغويـــة لدى سليم بركات، تفوق في تصوري أي مغامرة لغوية سابقة عليها من سعيد عقل لحدود أدونيس… لأنه يحملها من حدود النحت المعماري واللعب والتوليد اللغوي، الى تخوم جديدة قائمة بين الترصيع والهذيان، بين الفنتازيا والانفلات الغريزي للغة كوحش، فتراه أحياناً يكاد يكون قاموسياً ترصيعياً يذكرك بعهد الزخرف اللغوي لبعض شعراء ما قبل النهضة، وتراه في أحيان أخرى مزّق هذه الشبـــاك وانطلق كوحشي ومبتكر ويلامس الهذيــان اللغوي كأعلى مرتبة مــــن مراتبها. وبين هذين الحدين هو الذي يقول: «معهم العرّاوات يضربون بها سور الأصل الثالث، معهم الجلاهق تقذف ببنـــدق الأسفار، نظم المفقود مدوّن الأعالي بزنجفَر على حدوات الجياد… … رواهش قطعتها المشاقص خطفاً…» (ص 15 وص 20)، يقول أيضاً: «يغمسون سميـــدهم في قطر التفاحة الهاذية، تفاحة الشـــيء عارياً كشقيقاته، ويستلقون على مشارف المعاني منذورين لقيلولة كقيلولة الغابة، وإغفاءات كهياج النمور في الشباك» (ص 19) أو «بشفاعات المحدود انتدبوا العاديين على البزرة مرهقة من إجـــلال الله لبستان المهجور همو احتالوا لله على البستان مناصفة» (ص 82).
ولعل اللعب الشكلي يتجلى في الجملة الآتية: «قهرمانٌ خوخةٌ خرودٌ رمحها الكرزُ بقدمٍ من كِهانة السُكّري» (ص 65)، أما اللعب اللغوي والإيقاعي الملغز والمحكَم حتى في انفلاته، فتمثله الجملة الشعرية الآتية: «خطأ أن يصفح قُمْري النخل عن العالي مختلاً كالوقت بطبع العالي فيه نزيل هواجسه» (ص 86). فكما لا توصَفُ هذي الفوضى فإنها توصَفُ هذي الفوضى.
بالطبع إنها كتابة وعريّة ولكنها منسّقة ومهندسة مثل غابة، وبدئية ولكنها شبيهة بطفولة تبدأ بعد الشيخوخة. وهي كتابة لا يُستغنى بها عن القاموس لفضّ مشاكل الكلمات من مثل الرِمّن والزنجفر «معتدلين في الرمّن بزنجفر يقينهم» أو «بزرة القاقُلّة» أو «غماليج يعترفون للنساء بما تعترف النساء الغماليج للنساء» (ص 40)… الى ما هنالك من كلمات أيقظها الشاعر من سباتها الدهري وحركها في مغامرته، وكأنه رعوي أو بدوي يستعمل أدواته دونما حَرَج في المدينة الإلكترونية… ولولا قدرته على اجتراح الغامض المبهج لوقع أسير بل صريع هذه الفِعلة.
سيكون من اللافت أن سليم بركات الذي كتب حتى اليوم، ونشر 11 ديواناً و14 رواية وسيرتين، تتداخل في أعماله طقوس روائية وشعرية… ونكاد لا نعرف حدود هذه من تلك، ففي السرد تطغى اللغة، وفي اللغة يحتشد الإخبار، ومع هذا لا اللغة تبقى بريئة ولا السرد يروي أو يدلّ أو يخبر. لذلك فإن كتاب «شعب الثالثة فجراً من الخميس الثالث»، يظهر عملاً إبداعياً حائراً. فالعنوان الطويل للكتاب، عنوان إخباري يشير الى شعب وتوقيت بعينه محدد من ناحيتين: الثالثة فجراً من الخميس الثالث. وهذا الشعب هو شعب هذا التاريخ. لكن الجملة التي تحمل شكل التحديد والإخبار، تنتهي الى عكس شكلها… حتى لكأنها تؤرخ لما لا يؤرّخ له. وعلى رغم عناصرها الواقعية المحددة فهي سريالية. ومثل هذه العناوين بجمل طويلة مع التفاصيل، اعتاد عليه سليم بركات من بدايات أعماله الشعرية والروائية. هناك مثلاً «للغبار، لشمدين، لأدوار الفريسة وأدوار الممالك» شعر و «بالشباك ذاتها بالثعالب التي تقود الريح» (شعر)، أما في الرواية فنقرأ «الفلكيون في ثلثاء الموت، عبور البشروش»، و «دلشاد فراسخ الخلود المهجورة»، … والمفردات والإشارات الكردية المتناثرة في نصوص سليم بركات، سواء كانت لأشخاص مثل دلشاد وشمدين، أو لأماكن مثل «بحر هيلا كريتوثنيس» أو «صحراء لوكهين»…
فضلاً عن الأوصاف والإشارات الأخرى في النصوص، تشير الى أحوال وأسماء وعادات جماعة… ولكنها غامضة، أو زاحلة في الأحوال والأوصاف. فالشاعر من بداية كتابه «شعب الثالثة فجراً…» يتحدث عن جماعة، ويخبرنا عن أحوالها بصيغ متعددة، فهو يبدأ كتابه بالجمل الثلاث الآتية: «لن يتوقفوا هنا، لن يتوقفوا في أيما مكان. كثيرة عرباتهم…» (ص 7) هم إذن جماعة رحّل بل منذورون للرحيل «جوّابو زهر جوّابو ذهب تيه… معهم فيلة المكان السادس معهم مرايا الطهاة» (ص 8)…
ويتوالى الإخبار عن هذه الجماعة بمثل هذه الصيغة الغامضة. إنهم رحالة في التيه، كبدو أو كغجر… يضيف «لا سماء فوقهم» «لا جهات…»، بل لعلهم رعاة «عدَمٌ حطب في مواقدهم» (ص 16)، ثم يزداد تعريفاً بهم «كرحيل» (ص 13)… ويفصّل في وصف عاداتهم وطعامهم وأنواع أطعمتهم «صباحٌ شرائح مدخّنة من ردف الخنزير على المائدة. ظهيرة كبد نيئة على المائدة. مساء حبّار وطرّيخ مملحان على المائدة…» (ص 33). لكن هذه التفاصيل وسواها، وبعضها دقيق ومحدد بالأرقام والأسماء والأماكن، لا تنتهي الى التحديد والتأريخ، فالوصف خدّاع، فجماعة سليم بركات، الموصوفة في كتابته، تنتهي لتغدو جماعة التيه، ذات طقوس السحر، وبلغة طقوسية يصفها هي كجماعة طقوسية. نجد ذلك في أكثر من مقطع نثري أو موزون من كتاب بركات. فما هو «شعب الثالثة فجراً من الخميس الثالث»؟
يكتب بركات: «اجتازوا أخدود الجوهر، في أيديهم السبعة الأرقام السبعة الخوف، الذي يريهم بلا خوف البوابة الى المُشكلِ الرحيم، في أيديهم الثمرات السبع الدافئة مقتطفة من شجر الأربعاء على مداخل الحدائق الى الساعة الثالثة فجراً من حلم الأربعاء».
إنها كتابة سرية تستعاد هنا والآن، تستند الى خصائص الأرقام: الرقم سبعة، الرقم ثلاثة، الأربعاء… وهي جميعها كالثالثة فجراً من الخميس الثالث… حتى لكأننا أمام رسالة من رسالات إخوان الصفا تستعاد اليوم. ذلك أن إخوان الصفا كتبوا رسائلهم الفلسفية وشحنوها بالرموز والإشارات وخصائص الأرقام والأسماء، في زمن الخوف من الخلافة، وحرصاً على دمائهم من سيف السلطة والسلطان، إذا ما تمّ تصريحهم عن معتقداتهم الفكرية والدينية والسياسية… لقد كانوا جماعة سرية انقلابية تغييرية، واستخدموا الرموز كشيفرة للتخاطب والتفاهم في ما بينهم، كما أن بناءهم بمجملهم، بناء فلسفي سياسي وديني في آن. والسبب في ذلك كله، هذا المزيج من الخوف والرغبة في التغيير والثورة ضد السائد والسلطة بأشكالها كافة: السياسية والاجتماعية والدينية.
يكاد يقع سليم بركات في كتابه «شعب الثالثة فجراً من الخميس الثالث» في الخوف المؤدي الى الرمز والموغل في الطقوسية، والمثقل بإشارات الأيام والأرقام… حتى لكأنه في هذه الأيام من القرن الحادي والعشرين، وعلى خريطة ممزقة، ومطارداً في ذاته أو في موضعه من مكان الى آخر، وبعيداً من بلده، وفي غابة سكوغوس في السويد، تستيقظ في ذات سليم بركات عوامل الخوف والثورة، التي كانت دفعت من أكثر من ألف عام خلت، جماعة إخوان الصفا الى كتابة رسائلهم الفلسفية ورموزهم الحاملة خصائص الأعداد والعناصر… ولو أردنا أن نجتهد في التفسير، ونحاول في فقه النص محاولة لا ندّعي أن الشاعر قصد إليها على وجه الدقة والتحديد، فإننا نرى أن الشاعر في وصفه لما «حدث» لهذه الجماعة، أراد أن يقسم الوقت الى وقتين: وقت كمون وسرّ، ووقت ظهور وعَلَن. وأن «النصف الثاني مما لم يكن زمناً» هو وقت الكمون والسر… يخدم هذا التفسير، ما يلي من جملة الشاعر «حدث ما لم يكن إلا رقاداً في الجمرة المعذبة»، هكذا إذن هو وقت الرقاد والرماد للجمرة… إنه وقت السر والكمون… في انتظار العلن والظهور.
من أجل ذلك، يظهر أحياناً شعر سليم بركات، أو على الأقل الشعر الموزون على أساس التفعيلة منه، كشعر السيميائيين، فعلى رغم الغواية الإيقاعية، مضافة الى الغواية اللغوية، تظهر إشارات تكاد تكون فقهية، في السياق الشعري. إنها في النتيجة محاولة قراءة في نص ثري متعب غامض وخاص.
ولعل اللعب الشكلي يتجلى في الجملة الآتية: «قهرمانٌ خوخةٌ خرودٌ رمحها الكرزُ بقدمٍ من كِهانة السُكّري» (ص 65)، أما اللعب اللغوي والإيقاعي الملغز والمحكَم حتى في انفلاته، فتمثله الجملة الشعرية الآتية: «خطأ أن يصفح قُمْري النخل عن العالي مختلاً كالوقت بطبع العالي فيه نزيل هواجسه» (ص 86). فكما لا توصَفُ هذي الفوضى فإنها توصَفُ هذي الفوضى.
بالطبع إنها كتابة وعريّة ولكنها منسّقة ومهندسة مثل غابة، وبدئية ولكنها شبيهة بطفولة تبدأ بعد الشيخوخة. وهي كتابة لا يُستغنى بها عن القاموس لفضّ مشاكل الكلمات من مثل الرِمّن والزنجفر «معتدلين في الرمّن بزنجفر يقينهم» أو «بزرة القاقُلّة» أو «غماليج يعترفون للنساء بما تعترف النساء الغماليج للنساء» (ص 40)… الى ما هنالك من كلمات أيقظها الشاعر من سباتها الدهري وحركها في مغامرته، وكأنه رعوي أو بدوي يستعمل أدواته دونما حَرَج في المدينة الإلكترونية… ولولا قدرته على اجتراح الغامض المبهج لوقع أسير بل صريع هذه الفِعلة.
سيكون من اللافت أن سليم بركات الذي كتب حتى اليوم، ونشر 11 ديواناً و14 رواية وسيرتين، تتداخل في أعماله طقوس روائية وشعرية… ونكاد لا نعرف حدود هذه من تلك، ففي السرد تطغى اللغة، وفي اللغة يحتشد الإخبار، ومع هذا لا اللغة تبقى بريئة ولا السرد يروي أو يدلّ أو يخبر. لذلك فإن كتاب «شعب الثالثة فجراً من الخميس الثالث»، يظهر عملاً إبداعياً حائراً. فالعنوان الطويل للكتاب، عنوان إخباري يشير الى شعب وتوقيت بعينه محدد من ناحيتين: الثالثة فجراً من الخميس الثالث. وهذا الشعب هو شعب هذا التاريخ. لكن الجملة التي تحمل شكل التحديد والإخبار، تنتهي الى عكس شكلها… حتى لكأنها تؤرخ لما لا يؤرّخ له. وعلى رغم عناصرها الواقعية المحددة فهي سريالية. ومثل هذه العناوين بجمل طويلة مع التفاصيل، اعتاد عليه سليم بركات من بدايات أعماله الشعرية والروائية. هناك مثلاً «للغبار، لشمدين، لأدوار الفريسة وأدوار الممالك» شعر و «بالشباك ذاتها بالثعالب التي تقود الريح» (شعر)، أما في الرواية فنقرأ «الفلكيون في ثلثاء الموت، عبور البشروش»، و «دلشاد فراسخ الخلود المهجورة»، … والمفردات والإشارات الكردية المتناثرة في نصوص سليم بركات، سواء كانت لأشخاص مثل دلشاد وشمدين، أو لأماكن مثل «بحر هيلا كريتوثنيس» أو «صحراء لوكهين»…
فضلاً عن الأوصاف والإشارات الأخرى في النصوص، تشير الى أحوال وأسماء وعادات جماعة… ولكنها غامضة، أو زاحلة في الأحوال والأوصاف. فالشاعر من بداية كتابه «شعب الثالثة فجراً…» يتحدث عن جماعة، ويخبرنا عن أحوالها بصيغ متعددة، فهو يبدأ كتابه بالجمل الثلاث الآتية: «لن يتوقفوا هنا، لن يتوقفوا في أيما مكان. كثيرة عرباتهم…» (ص 7) هم إذن جماعة رحّل بل منذورون للرحيل «جوّابو زهر جوّابو ذهب تيه… معهم فيلة المكان السادس معهم مرايا الطهاة» (ص 8)…
ويتوالى الإخبار عن هذه الجماعة بمثل هذه الصيغة الغامضة. إنهم رحالة في التيه، كبدو أو كغجر… يضيف «لا سماء فوقهم» «لا جهات…»، بل لعلهم رعاة «عدَمٌ حطب في مواقدهم» (ص 16)، ثم يزداد تعريفاً بهم «كرحيل» (ص 13)… ويفصّل في وصف عاداتهم وطعامهم وأنواع أطعمتهم «صباحٌ شرائح مدخّنة من ردف الخنزير على المائدة. ظهيرة كبد نيئة على المائدة. مساء حبّار وطرّيخ مملحان على المائدة…» (ص 33). لكن هذه التفاصيل وسواها، وبعضها دقيق ومحدد بالأرقام والأسماء والأماكن، لا تنتهي الى التحديد والتأريخ، فالوصف خدّاع، فجماعة سليم بركات، الموصوفة في كتابته، تنتهي لتغدو جماعة التيه، ذات طقوس السحر، وبلغة طقوسية يصفها هي كجماعة طقوسية. نجد ذلك في أكثر من مقطع نثري أو موزون من كتاب بركات. فما هو «شعب الثالثة فجراً من الخميس الثالث»؟
يكتب بركات: «اجتازوا أخدود الجوهر، في أيديهم السبعة الأرقام السبعة الخوف، الذي يريهم بلا خوف البوابة الى المُشكلِ الرحيم، في أيديهم الثمرات السبع الدافئة مقتطفة من شجر الأربعاء على مداخل الحدائق الى الساعة الثالثة فجراً من حلم الأربعاء».
إنها كتابة سرية تستعاد هنا والآن، تستند الى خصائص الأرقام: الرقم سبعة، الرقم ثلاثة، الأربعاء… وهي جميعها كالثالثة فجراً من الخميس الثالث… حتى لكأننا أمام رسالة من رسالات إخوان الصفا تستعاد اليوم. ذلك أن إخوان الصفا كتبوا رسائلهم الفلسفية وشحنوها بالرموز والإشارات وخصائص الأرقام والأسماء، في زمن الخوف من الخلافة، وحرصاً على دمائهم من سيف السلطة والسلطان، إذا ما تمّ تصريحهم عن معتقداتهم الفكرية والدينية والسياسية… لقد كانوا جماعة سرية انقلابية تغييرية، واستخدموا الرموز كشيفرة للتخاطب والتفاهم في ما بينهم، كما أن بناءهم بمجملهم، بناء فلسفي سياسي وديني في آن. والسبب في ذلك كله، هذا المزيج من الخوف والرغبة في التغيير والثورة ضد السائد والسلطة بأشكالها كافة: السياسية والاجتماعية والدينية.
يكاد يقع سليم بركات في كتابه «شعب الثالثة فجراً من الخميس الثالث» في الخوف المؤدي الى الرمز والموغل في الطقوسية، والمثقل بإشارات الأيام والأرقام… حتى لكأنه في هذه الأيام من القرن الحادي والعشرين، وعلى خريطة ممزقة، ومطارداً في ذاته أو في موضعه من مكان الى آخر، وبعيداً من بلده، وفي غابة سكوغوس في السويد، تستيقظ في ذات سليم بركات عوامل الخوف والثورة، التي كانت دفعت من أكثر من ألف عام خلت، جماعة إخوان الصفا الى كتابة رسائلهم الفلسفية ورموزهم الحاملة خصائص الأعداد والعناصر… ولو أردنا أن نجتهد في التفسير، ونحاول في فقه النص محاولة لا ندّعي أن الشاعر قصد إليها على وجه الدقة والتحديد، فإننا نرى أن الشاعر في وصفه لما «حدث» لهذه الجماعة، أراد أن يقسم الوقت الى وقتين: وقت كمون وسرّ، ووقت ظهور وعَلَن. وأن «النصف الثاني مما لم يكن زمناً» هو وقت الكمون والسر… يخدم هذا التفسير، ما يلي من جملة الشاعر «حدث ما لم يكن إلا رقاداً في الجمرة المعذبة»، هكذا إذن هو وقت الرقاد والرماد للجمرة… إنه وقت السر والكمون… في انتظار العلن والظهور.
من أجل ذلك، يظهر أحياناً شعر سليم بركات، أو على الأقل الشعر الموزون على أساس التفعيلة منه، كشعر السيميائيين، فعلى رغم الغواية الإيقاعية، مضافة الى الغواية اللغوية، تظهر إشارات تكاد تكون فقهية، في السياق الشعري. إنها في النتيجة محاولة قراءة في نص ثري متعب غامض وخاص.
الحياة
09/10/2008
09/10/2008