بونات عائلية

لقمان ديركي

وهي بونات توزع لكي يمضي المواطن وقتاً مع عائلته، قبل أن يشتكي فلاسفة المجتمع من تفكك المجتمع، هي بونات تقدمها الحكومة للآباء الذين يتناطحون مع الأقدار ليل نهار لتأمين ما يسد رمق الصغار، فيأكل الأولاد ويشربون، وإلى المدرسة يذهبون، وعلى مقاعد العلم يتعلمون، وإذا كان من حديقة بجانب البيت فإنهم فيها مع رفاقهم يلعبون، ويتشاجرون، ويتصالحون، وينجحون، ويرسبون، ولكلام الماما يسمعون، أو لا يسمعون، ويطنشون ويطيلسون ويهتمون وينفذون، ولكن شيئاً واحداً لا !!
يفعلونه هو أنهم بحضرة الوالد لا يلتقون، لذلك اخترع التقويم يوم الجمعة، واخترع الجمعة والسبت، وطبعاً السبت والأحد، ولا شك في أن الحلاقين وقّتوا عطلتهم يوم الإثنين، وذلك لأن عملهم يزدهر في عطلة نهاية الأسبوع، وكل هؤلاء يستغلون العطلة لمشاهدة العائلة والتمتع بشؤونها، أو حل أمورها العالقة، لكن حتى هذه العطلات لم تعد موجودة، فالمواطن تبعنا يحب العمل، وإذا ما كان في عمل بيخترع عمل، وإذا كان عاطل عن العمل بيطلع لبرّة وبيدوّر على عمل، أما الذي يعمل فالراتب لا يكفيه حتى العطلة الأولى من الأسبوع الأول من الشهر، فتراه في الصباح أستاذاً جامعياً يناقش الطلاب في أمور العلم بكامل مهابته ورقيه ومظهره، وبعد الظهر يركب بهالتكسي ويوصّل اللي بيسوى واللي ما بيسوى، وبيتحدث مع اللي بيسوى واللي ما بيسوى، أحاديث من تلك الأحاديث التي تذخر بها تكسياتنا، عن الغلاء، عن شرطة المرور، عن مجلس الشعب، عن مؤسسات الدولة، وبعد جس النبض بينه وبين الزبون يغمِّق صاحبنا بالحديث ويفش خلقه وخلق الزبون، ويعطيه الزبون أقل مما يجب لكنه يبلعها لأنه حكى.. وما كان لازم يحكي، واللي ما بتعرفه بتجهله، والناس مخباية بتيابها، وتيابها غالية وبدها هديك الحسبة، وتيابهم أغلى، وشناطيهم واقلامهم وصدرياتهم وإلخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخ..خخخخخخخخخخخز.. غفوة ورا الدركسيون لعشر دقايق بعد صندويشتي الشاورما أفضل من الرجعة عالبيت والغدا والقيلولة، اقتصر يا زلمة، واختصر أوقات الراحة والأكل قد ما فيك لإعطاء العمل حقه من الوقت، كي يعطيك حقك من المصاري، أما بالنسبة للأولاد فيكفيك فخراً أنك تعود إلى البيت ليلاً فتجدهم نائمين، تربت على وجوههم اللطيفة وتنام وأنت تحلم بزمن يصبح فيه راتبك بدوام واحد قد راتب واحد بدوامين، بس .. مو أكتر من هيك أحلامك، مو مشان شي، لكن أنت مربي الأجيال لا تجد وقتاً تربي فيه أبناءك، لذلك ترى أن أولاد الأساتذة ليسوا بالضرورة نسخة عن أولاد الأساتذة ببلاد برة وبعيد، لا .. لا لمسات من الأستاذ على أولاده، لا تأثيرات، بل حتى أن اللمسة الليلية على وجوههم ليست لمسة أستاذ جامعة، إنها لمسة شوفير تكسي معتَّر أرهقته زواريب المدينة الفوضوية وأوتوستراداتها القاتلة، حتى أن صاحبي أبو علي ابتكر موعداً للقاء أولاده بنصاص الليالي موعد عودته، فهم ينامون في التاسعة مساء، ويستيقظون في الثانية بعد منتصف الليل ليلعبوا مع الوالد لساعتين وينام الجميع، طبعاً هذا الوقت يسرقه الوالد الحنون من نومه، فهل من بونات للجلوس مع العائلة قليلاً.. ولولساعتين كل يوم، لأننا إذا لم نفعل ذلك سنصل إلى اليوم الذي يمر فيه الأب في الشارع فلا يعرف ابنه، وأكثر من هيك تفكك ما في، وناولني هالمفك من عندك يا ابني، هيك بشوفك وبتشوفني.

 جريدة بلدنا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…