الغرب واستئصال الاسلاموية

  المحامية نالين عبدو *

في دراسة أجرتها منظمة بر تسلمان(1) على ألفي مسلم في ألمانيا تبين أن اغلبهم متمسكون بدينهم ومتسامحون مع معتنقي الديانات الأخرى ؛ وقد أشادت ريتا سوسموث الرئيسة السابقة للمجلس الحكومي للهجرة والاندماج  بنتائج هذه الدراسة قائلة (أنها ستغير الصورة النمطية  للمسلمين المعروفة  بالغلو الديني) وهذا ما يدفعنا للتساؤل التالي هل المسلمون في كل أنحاء العالم مدانون وما أسباب ذلك ..؟
في الواقع تمكن خلال الأعوام العشرين الماضية دعاة الفكر السلفي الوهابي من تكوين خلايا تسعى لتجنيد آلاف الشباب وتحويلهم إلى ديناميت بشري قابل في أي لحظة على تحويل أي بقعة من العالم إلى شلالات من الدماء واللحم الآدمي المتناثر تحت شعار الجهاد ومهاجمة مصالح الكفار بالرغم من إن هؤلاء المتطرفون لا يمثلون إلا القلة القليلة من المسلمين في العالم البالغ تعدادهم مليار نسمة إلا أنهم شوهوا سمعة الإسلام واقترنت كلمتي التطرف باسم المسلمين عامة وانتشر مفهوم الاسلاموفوبيا الذي هو أحدى تداعيات الحدث السبتمبري عام2001/ وتجسيد للخوف والذعر من المسلمين والرموز الإسلامية وان كان الإسلام في نظر الغربيين الدين الذي انتشر وتوسع بالحربة وحد السيف منذ بداياته وحتى آخر فتوحاته. اليوم وبتزامن قانون مكافحة الإرهاب البريطاني مع القوانين الصارمة التي سنتها دول الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية يبدو أن الدول الغربية تعيد حساباتها بشان أبناء الجاليات المسلمة المنتشرة على أراضيها منذ النصف الثاني من القرن المنصرم الذين بدؤا  يلمسون إجراءات تمييزية حانقة إزاءهم فالتعامل معهم في الأماكن العامة والمطارات مشوب بالحذر والكثير من المنح الدراسية للطلبة المسلمين أوقفت وكذلك الامتعاض من المسلمات المحتجبات والرسوم المسيئة للنبي محمد دون غيره من الأنبياء؛ ومؤخرا مؤتمر مناهضة الأسلحة في مدينة كولونيا غرب ألمانيا  للحد من ممارسة المسلمين حرياتهم الدينية..
 في سياق متصل الكاتب الأمريكي فرنسيس فوكوياما يرى محدودية للأثر الممكن أن تتركه الاسلاموية في الغرب بقوله (لقد ولى زمن الغزو الثقافي للإسلام انه يستطيع استعادة بلدان فلتت منه لفترة ولكنه لا يقدم ابدآ الإغراءات لشبيبة برلين طوكيو وباريس …) قوله هذا قد لا يتماشى مع الاستعداد والتأهب الغربي للتهديد الناجم عن وجود هؤلاء المهاجرين والذي يعزى لجملة من العوامل؛ منها الازدياد الديمغرافي للمسلمين الذي قد يهدد النسيج ألاثني والاجتماعي للدول الأوروبية  التي تحتضن مئات  آلاف من اللاجئين  الفلسطينيين والعراقيين والأكراد ومسلمي القوقاز عدا عن مئات الآلاف من العمال المغاربة المقيمين في فرنسا والمعروف إن معدلات النمو السكاني عند هذه الشعوب المسلمة مرتفعة مقارنة بغيرهم هذا الامر بحد ذاته يراه البروفيسور الأمريكي صموئيل هنتنغتون بحد ذاته قوة  للمسلمين؛ ولعل دراسة المهاجرين من الناحية السيكولوجية توضح أيضا دواعي القلق الغربي منهم فالمهاجرين منهم من ينخرط ويندمج مع محيطه الجديد وقد لا يحرص على تعليم أبناءه المولودين في المهجر لغتهم الأم ولا حتى تلقينهم تعاليم دينهم؛ ومنهم من لا يتأقلم مع غربته التي تترك في نفسه انعكاسا سلبيا حيث تراوده أحاسيس مريرة بأنه هجر وطنه وبنتيجة ذلك بعضهم يقع في مستنقع الجريمة والمخدرات والنوادي الليلية وبعضهم الآخر يتشبث أكثر بمنبته الثقافي وجذوره ويتعمق في أمور دينه وهنا    يأتي دور التطور التكنولوجي الذي افرز وسائل الإعلام والاتصال الحديثة والتي أفادت منها الجماعات الإرهابية حيث وظفتها لخدمة أغراضها الدعائية وحشد الأنصار عبر المواقع الالكترونية والفضائيات التي تروج لثقافة الموت وفكر الانغلاق ويتسنى للمغتربين بسهولة التعرف على نهجهم ومسلكهم والتواصل معهم والتفاني لأجل أهدافهم وربما هذا ما يجعل الكثيرين يربطون بين التطرف والعولمة التي هي ثمرة الطفرة العلمية في مجال الاتصالات 000والحقيقة مع تصاعد حركات الإحياء والانبعاث الإسلامي هناك أيضا تنامي لتيارات علمانية داخل العالم الإسلامي حتى في أكثر الدول أصولية كمصر والسعودية وباكستان كذلك كان الحضور الإسلامي  هاما وفاعلا في مؤتمر حوار الأديان الذي تم التأكيد فيه على التعايش السلمي والتفاعل الايجابي بين كل شعوب الأرض…لتفنيد حجج وذرائع الغرب التي أسلفتها ليس أمام المسلمين المغتربين وسواهم  إلا تأكيد الطابع السلمي المتسامح لعقيدتهم؛ وسد المنافذ أمام توسع الشبكات الإرهابية  باختلاف مسمياتها عن طريق وسائل الإعلام القادرة على تقديم الفكر البديل لفكر الغلو والتشدد ؛وكذلك  تعديل  مناهج التربية والتعليم بحيث تحض أكثر على نبذ العنف كما يتم حاليا في السعودية.. وأخيرا الدكتور محمد الهواري 2 * عضو الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ويقطن في المهجر منذ خمسين عاما يقول: ( المسلمون المغتربون بحاجة لقيادة شمولية وعليهم  أن يسعوا لخلق مؤسسات  ومراكز اقتصادية وتنموية خاصة بهم؛ وان تتجاوز نشاطاتهم إطار الشؤون العبا دية ….) انتهى 

الهوامش
 1- الدراسة حملت عنوان (رصد الديانات:2008_الممارسة الدينية الإسلامية في ألمانيا
2- الدكتور محمد الهوا ري في حديث لمحطة م ب س

* كاتبة حقوقية مهتمة بالقضايا الفكرية والاجتماعية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…