صدر مؤخراً العدد السابع و العشرون (س.3) من مجلة “أبابيل.نت” الإلكترونية المختصة بالشأن الشعري في عُموميته ضامّاً بين ثناياه جملةً وافرة من النصوص الإبداعية و النقدية التي توزعت ،كالعادة، على ثلاثة أبواب ثابتة كبرى، هي: عائلة القصيدة و أشجار عالية و قوارب الورق، تولّى أمْر تصميم لوحاتها و رسْمها الفنان السوري الكردي فؤاد كمو.
احتوى البابُ الأول على اثنتيْ عشْرة قصيدةً، نُـوردها مرتبة كالآتـي:
و اشتمل باب المجــلة الثانيُّ على عددٍ من النصوص الشعرية المترجَــمة إلى العربية من لغــات مختلفـة، و هــي قصيدتـا “كارنـاك” و “زرائـب” للشاعر الفرنسي يوجـين غيـلفيك (1907-1997) اللتان ترجمتْـهما آسية السخــيري. و عشرون قصيدة قصيرة للشاعر الياباني باشـو ماتسـوو (1644-1694) ،المعروف في تاريخ شعر الهايـكو بـ”الشاعر العظيم”، تقوم كـلٌّ منها على ثلاثة أسطر باستثنتاء الأخيرة منها التي تقع في أربعة أسطـر، و قد ترجمـها الكاتب و المترجِمُ العربي منيـر مزيد المقيم في رومانيا. و قصيدة “بــاربرا” للشاعر الفرنسي جاك بريفيـر (1900-1977) مترجمةً من قِبل ناريمان صالح، و قصيدة “عيـون رمادية” للشاعرة الغنائية الأمريكية سارة تيزديل (1884-1933) منقولةً إلى اللغة العربية بيَراع الدكتور عادل صالح، و أربــعُ قصائد للشاعر الروسي المعاصر إيــفان غولوبنيتــشي (1966-…) اختارَ مُترْجِمُها د. إبراهيم استنبولي عَنْوَنَتها جميـعاً بعنوان واحد مشتــركٍ نصُّـه “و قــدّم القرابين للآلهة المضْحكة”.
و إذا كان البــابان المتقدمان خاصّيْن بالإبداع الشعري سواء المؤلَّف من لدن شعراءَ بلغة العرب أو المترجَم إليها، فإن الباب الثالث قد أفْــرِدَ للنقد الشعري التطبيقي؛ بحيث حمل بين دفتيه ستّاً من المقالات و القراءات النقدية في بعض الإصدارات الشعرية الجديدة. تحدث نـذير جعفر في مقاله “محمد عمران.. الشاعر الذي لوّن حياتنا بأقواسِ قزحٍ” عن ابن الملاّجة محمد عمران (1943-1996) الذي يعد واحداً من شعراء سوريا الواقعيين المعاصرين الذين حملوا على كاهـلهم مهمة تجديد الشعر الـعربي فنياً و فكرياً، فارتادوا به عــوالمَ بِـكْراً متوسِّـلين بلغة مغـايرة تنْأى عن المُـباشَرة و الخَطابية. و قد كان الراحلُ مشجِّعاً لحركية الشعر الجديد طَوال المدة التي قضاها مسؤولاً عن ملحق صحيفة “الثــورة” الثقافي في سبعينيات القرن الماضي الذي كان – حسب كاتب المقال – “بـؤرة لمخـتلِف التـجارب و الـرؤى و الاتجاهات الفنية و الفكرية” داخل القطر السوري و خارجه أيضاً. و بتــوقف هذا المنبر الصحافي، استـأنف الراحل نشاطه و تشجيعَه مبادراتِ التجديد الشعري في مجلتي “المعرفة” و “الموقف الأدبي” المعروفتين. قـال محمد عمران في هذا الإطار معبِّراً عن هاجس التجديد الشامل الذي حمله بين ضُلوعه: “أنا أؤمن أن الشعر كالــحياة، ينبغي أن يتجدد باستمرار. و حين يحْدُث التجدد ينبغي أن يكون كلــياً في الشكل و في المضمون معاً. فلا روح جـديدة في هيْـكل قديم. الهيْكل و الروح معاً يجب أن يكونا جديديْن، و أن يَحْمِلا نبْض العصر و قضايا العصر”. و تطرق نذير في مقاله كذلك إلى لغة الكتابة لدى عمران، و إلى أبرز الموضوعات التي طغت على إبداعه الشعري، و لاســيما ثنائية الريف-المدينة و الاغتراب و الحزن في أبعاده المختلفة الذي يعد “مفتاح تجربته الشعرية”. و قدّم تمام تــلاوي قراءة شُمولية في ديوان الشاعرة السورية مــرام المصري “العودة” الذي يشكل العمل الشعري الرابعَ للمبدعة بعد أعمالها “أنـذرتك بحمامة بيضاء” (مشترك)، و “كرزة حمراء على بلاط أحمر”، و “نظر إليك”. و تضمن الديوانُ خمسَ عشْرة قصيدة نثرية مطوّلة مكتوبة جميعاً في ظرف شهر واحد تقريباً، مُرْفَقة بترجماتها إلى اللغة الإسبانية، و صدر العمل أخيراً عن دار إسكــريتو بإسبانيا. و قـارَب إبراهيم حسـو ،في مقاله “لقمان ديـركي في (لا غبار عليك): سـرْد الأحاسيس الشخصية”، الديوانَ المومأ إليه، الصادر عن دار ممدوح عدوان في 145 صفحة من القِــطْع المتوسط. و شـملت مقاربته هذه نصوص الديوان المنثورة من حيث صياغتُها الفنية و معانيها، مع تركيز خاصّ على إظهار تجليات حضور الأنثى و أبعاده فيها، و دلالة طغيان النفَس السردي على لغتها. و اختار علي جازو عَنْوَنَة دراسته بعبارة “صوت محمد دريــوس أو شعرية الحَـــوافّ المتهدّمة”، عالج فيها باكـــورة الشاعر السوري في مضمار القصــيد الموسومة بـ”خطّ صوت منفلش” التي صدرت مؤخراً (2008) عن الهيأة العامة السورية للكتاب، في 96 ص، حاويةً 20 قصيدة “هي بنت العين و اللسان” على حدّ تعبير جازو. و خلُـص الكاتب بعد مدارسة هذه القصائد إلى أنه “لا يمكننا الإمْساك بقصيدة دريوس من خلال تحديد سكوني قابض، فهي لا تُمَسّ إلا عبر حركيتها المدهشة و ميْلها المفرط إلى التحاور لا التجاوز، المنتشر لا المستقرّ، المخالَفة لا التآلف. و مع هذا، لا تني تعْرض نفسها لمُمْكِنات اللسان الشفوية – على تهاونها و لطفها – من سرعة التنقل و التهرب متجاوزة حبْس الكلمات داخل أنظمة نحوٍ يابس و (صحْو) كتيم، تكاد تيبّس على أيدي شعراء لم يخرجوا عن الكلام معتدّاً و بلا نبرٍ إلا بمقدار ما تلامس ألفاظهم شفاههم ! يمتزج التعبير مع الصوت، و الحوار – متصادياً مع نفسه – مع دكنة لحم اللسان و لحم الأرض. الصوت يتلملم و ينزاح لأن في الاثنين – تلمْلُماً و انزياحاً – حاجتَه إلى التكون جرعاتٍ سئمة و ضالة، و طريقتَه إلى النفاد عبر حوافّ تتهدم واحدة تلو أخرى”. و خصَّ عمر الشيخ دراسته بالحديث عن المجموعة الشعرية، التي صدرت العامَ الجاري عن دار “تــكوين” الدمشقية، للشاعر و الناقد و الصِّحافي العراقي محمد مــظلوم، بعنوان “بــازي النسوان”. و المجموعة هي السابعة في ريبرْتوار مظلوم، تتخذ شكل نشيد طويل يتناول الفحولة بقاموس خاصّ على نهْج الشاعر المتفرِّد. و قرأ دمّـــر حبيب، في آخر مقالات باب “قوارب الورق”، مجموعة “بَيْـتنا” للشاعر السوري حـسين مجيـب (2005) قراءةً ثيـميةً ركزت ،في المحلّ الأول، على تِـبيان تمظهُـرات الاغتراب النفسي و القلق الأنطــولوجي في قصائد المجموعة المنثورة التي عدّها الكاتب آثاراً مفتوحة على أكثر من تحليل و تخريج و تأويل. يقول: “لا تطــرق الأبواب عندما ستدخل مجموعة حسين مجيب.. كل الأبواب مفتوحة و حتى الجدران تمدّ شقوقها لتصافحكَ.. و هو ليس بيته وحدَه.. إنه (بـــيتنا)”. (بتصرف في الترقيم)