على تلال غوتينغن

  عبد الرحمن عفيف

عدت شاباً بين الكروم
خطوط التراكتورات التي لم تترك
في شأنها
مائلة ومستوية وإلى الأرض
كالشعر والشاي
والشمس خلف التلال بدأت تسطع بعد قليل.
همهمة للنباتات
اضطجعت على أوراق نباتات
وألمانيا بين السكك بدون جبال
لنرتوي من الرومنطيقية الضجرة
على بئر التل الأكبر
مشمشة غير ناضجة
القطار العجول
لكن الساحر بين الأساطير
ينام الشعب الألماني ويأكل الجذور.

أرتوي من خجولة انفتحت
تحت خيالي
يا لي من نائم بين خيالي
طيلة العصر
من بعيد كان بيوتا
في الوادي الأخضر
وهنا وهنا بيتٌ أصغر
الأول بالقرميد
وحده تأمل السماء
كماء لم يشربه
وبقي للناس لتذكر الذكريات
في نوم
أحجار الأنتيكات القرمزية
فتاة عذراء منذ القيامة.

قال قلبي
أخذني هواء وضرب وجهي
تذكر عن ريلكه
وآخر عن نجار لهولدرلين
وصديقتي من يدي
من شقائق النعمان الباهظة
بين التراب والتل مثل جبل
وتل أكبر من جبل ولا أرى
ربما جمهورية ألمانيا الديموقراطية
وربما مقاطعة وثم فرنسا
وفلاح يقطع الطريق
وفتيات جميلات
كل فتاة في الصيف
يحكي أي طائر ويغرد حتى الصباح والحمامة في سقف
في أعلى التل.

يا حمامتي يا حمامتي
المرأة صديقتي المتعبة
من نظافتها والسقف يتكلم
في أثناء الصلاة قبل العصر
يوم الأحد بعصافير
وحناجر للشحارير
أجراس في الكنيسة
بغير مصلّين
ولو أنه السبت والأربعاء
أجمل الأيام
العطل الجمعة
والحمامة حمامة ويدي يد
أما يدك يا صديقتي
خلف محباتي
أمام محباتي انتشرت باللغة الألمانية
يفهمها حجر في الزاوية
وحمامة الزاوية وقصة في عام 1764.

أخذت حملي وسيكارتي ودخلت التل
كأنني الجرماني ولا علاقة لي بالجرمان
ولم أنس عصيري
أدخّن في مقبرتي
أغنّي على شرفة قبري أجمل الصداحات
بالتركية والكردية ولغة الكونغو
وفارس من الأندلس على رأسه بيضة
من نحاس أيضا كان إلى جنبي
في الحديد.

في غوتينغن مشى حافيا على العشب
في يده مظلة
وتبع صوت السياج جلجلة الباب
والنبات في الشباك والمزهرية
على درجات البيت الخشبي
والحياة الساكنة والقطة السوداء
والبيضة البيضاء والأفعى
بذيلها
جفّت في بقعها
لا نبات إلا سكت
ولا قمة إلا هدأت
ولا كوخ إلا صمت.

صمتي نومٌ
التل الأكثر بالأشجار
وتحتي الأزهار الأفيونية
ذوات التويجات
على شكل أنثى بضة
وحمراء وبقع السنابل لا تزال
في مرآة أرى تاريخ ألمانيا بغير جبال
ونمت في ذراع سوزانا
وعادت سوزانا من فرنسا
للحظات وتحدثت السنابل لقلبي
طارت فضة من شعرها
صاحت وركضت بين التلال
كنت في قبلة سوزانا
وخلف ظهرها
على جناح غامق ليمضي الوقت
ساعة تبعت الساعة
والثانية هي ثانية سوزانا
وأعطتني فمها
العصفور والشحرور والطائر الأبيض والأحمر
بسرعة صوت على المدخنة
بين ألمانيا وألمانيا
وكلها مستوية.

صديقي إلى جانبي
الغيمة هطلت بمطر
وانزعجت الصديقة من سوزانا
ومن شاعرة أحببتها ومن امرأة مارستها
ومن أنني لست معها
وفقط أثناء القبلة
ولكنك سوزانا وأنا هنا معك
في الحب الذي تدمر
وفي الحب الذي يستمر
جسدك جسد قبلة سوزانا
ونهاري جنسي مثل نهار التلال.

لا، لا
نتأمل في الغداء ونأكل بغير سمن
نفتح الباب ونمشي على التلال وفي جوانبها
نحن أكثر سعادة من الطيور
ومع ذلك لنا طاولة وشباك
لنا بيتٌ بدل العش
وأذرعنا الأجنحة
وبدل الطريق طريق
وبدل الحب الأول كامل ألمانيا
وفتيات ألمانيا ناضجات في الصيف
الرمان المتفتق في العصر الأشد
فوق التل
والآن نحن في جوانبه
هناك قريةٌ أخرى في البعيد وبيت
بيتٌ يغنّي فيه شاعر مجنونٌ على السقوف
ستهدأ على الذرى الريح
ولا نفحة ولا زهرة في الشتاء
نظل سعداء
بمشينا البطيء إلى التل والباب
والثانية والدقيقة ذاتها.

في تلال غوتينغن
زهرات الصيف القديم وزهرات الشتاء
الأول في عصر الحنتورات الالكترونية
وردة النعمان
وردة عبد الرحمن
وغوته في العباءة
لصديقتي القديمة
طالما تعود الأزهار في شبابها
أزهارٌ جدا على الدروب
وعلى تلال غوتينغن.
——-
جريدة النهار – الأحد 13 تموز 2008 – السنة 74 – العدد 23411

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…