أستاذ المقال الصحافي غسان تويني

  سيامند إبراهيم

      من لم يقرأ لعميد الصحافة اللبنانية الأستاذ غسان تويني فلا يمكن له أن تذوق وعرف قلماً, وقامة صحافية لم يأت بمثله في الصحافة اللبنانية, فهذه الشخصية اللبنانية الرفيعة أدار أكبر وأعرق مؤسسة صحافية لبنانية, وهي دار (النهار),  وهي أكبر, وأقوى, وأكثر الصحافة العربية رصانة, وقوة, ومصداقية, جريدة (النهار) وقفت بقوة أمام عاتيات الزمن العربي الموحش, ولقد كتب فيها أقوى الأقلام المصرية مثل (محمد حسنين هيكل), (مصطفى أمين)
وكل هذه الريادة (للنهار) وسمو مكانتها, واستقطابها لهذه الأقلام العريقة في الصحافة تعود للموهبة   (غسان تويني) الذي قال فيه نقيب الصحافة المصرية (مكرم احمد محمد) :” كان ولا يزال أستاذ في أدب المقال, أحياناً يكتب نثراً هو الشعر.. جميع كتاباته تنطلق بعمق الفكر,  وحضور العقل, ورحابة الحوار, وسعة الأفق”. أما أنا الذي قرأت له مئات المقالات, وقرأت الكثير من مقالاته في مجلد طبع في الثمانينيات من القرن الماضي, فوجدت في مقالته المتعة في الأسلوب, والفرادة المميزة التي تخصه في عرض الأفكار والجرأة في الطرح والنقد والرؤية العلمية والمنطقية في عرض أفكاره بأسلوب ساحر, ولم أقرأ ولم أستسيغ في عالم الصحافة العربية قلماً كقلمه الرشيق الممتع, وهو حالة نادرة لا يشبهه أحد في الوطن العربي. ويقول عن أسلوبه في كتابة المقالة:” يمتلك غسان تويني قدرة هائلة مذهلة على صك التعبيرات البلاغية تشعر أنه يمتلك ناحية اللغة كشعراء الكوفة .. وتسري على قلمه ولسانه بنفس العذوبة”(1) .
        وفي حوار معه في جريدة العربي المصرية فتح غسان قلبه وقال” رضعت الحبر مع حليب أمي, ويستعرض في هذا الحوار علاقاته مع الصحافة المصرية وخاصة صديقه اللدود محمد حسنين هيكل, الذي يكن له كل الحب والاحترام والتقدير, كم تمنى لو تجري بينهما مناظرة تلفزيونية لكن هيكل يرواغ في كل مرة ويتهرب. وعن علاقاته وأين تعرف على هيكل فيقول الأستاذ تويني:” عندما زار هيكل لبنان بدأت بخناقة فقد كان من أجندة هيكل في هذه الزيارة التعرف على الصحافي الذي يهاجم عبد الناصر في مقالاته وعندما سمع وجهة نظر تويني, وعرف أنه قلم شريف وليس مدفوعاً من أحد, وأنه يحترم عبد الناصر رغم اختلافه في الكثير من القضايا فسر كثيراً, وفي الفترة التي ساءت علاقة هيكل بالسادات وطرد من الأهرام, فقد عرض غسان تويني على هيكل العمل في النهار, وقبل هيكل, ويقول عنه صديقه غسان:” هيكل حالة متفردة في الصحافة العربية” وبالفعل فالمجد الذي وجده هيكل لم يشهده أي صحافي في العالم, فهو يملك أضخم أرشيف في العالم بل إن أرشيفه الذي جمعه بالإضافة إلى الوثائق التي جمعها لا توجد في أكبر جهاز استخبارات عالمية, وينتقل إلى صديقه الآخر (علي أمين) وبكل تواضع يقول عنه:” كان من أقرب الصحافيين المصريين إلى قلبي, فقد عاش في بيتي, وجلس هنا بيننا في النهار أثناء فترة خروجه من مصر, وكان حزيناً ومكتئبناً, وكان يشعر بأنه يأتي إلى هنا ليشم رائحة الحبر والمطابع التي حرم منها في مصر, ويعترف أستاذ المقال غسان تويني أن مدرسة  علي ومصطفى أمين  تأثير على الصحافة اللبنانية, وخاصة في تجربتهما في صحيفة (الأنوار) , ويسهب في كلامه عنهما بقوله:” فقد كانوا يعدون بعض المناشيتات فقد كان اللبنانيون يعدون مناشيتات فاقدة الجاذبية, مملة فغضب مصطفى وقال أريد مناشيت كحجم حذائي, وهو كان ذو حذاء ضخم وفهم الحاضرين قوله, وشرح لهم أن يكون المناشيت مكثفاً ولا يتعدى أكثر من ثلاث أو أربع كلمات, ويقول الأستاذ غسان تويني وكان هذا جديد على الصحافة اللبنانية, ويقول:” الصحافتان المصرية  واللبنانية بينهما تأثير متبادل قوي, الشوام هم الذين أسسوا الصحافة المصرية, والمصريين كان لهم تأثير على الصحافة اللبنانية”  ويدخل في ذكرياته عن عالم الصحافة المصرية وعلاقاته مع العديد من الرؤساء, ويتذكر طفولته وروحه المتمردة منذ الشباب, فقد طرد من مدرسة عنطورة الثانوية, ومن الكلية الثانوية في الجامعة الأمريكية, وأبلغوا والده بأن ولده لا يصلح للدراسة, وقد كان يقضي كل وقته في المطالعة والقراءة والشعر والروايات, وكان يكره كتب الدراسة, وخاصة كتب الرياضيات والفيزياء, وكان يضبط متلبساً وهو يقرأ كتب الشعر وهم يراجعون كتب الرياضيات. ويقول أنه كان شغوفاً بالسياسة وقد انضم إلى الحزب الشيوعي قبل أن يتركه وينضم إلى الكتائب, رغم أن والده كان من خصوم حزب الكتائب اللبناني(2).
وقال الأستاذ غسان تويني :” فقد كنت صحافياً بالمصادفة وسياسياً بالهواية كما قالوا عني”
فقد كان غسان يدرس الفلسفة في جامعة هارفارد الأمريكية..وجاء في إجازة إلى بيروت بالصدفة, ولم تكن في نيته أن يرث مهنة الصحافة عن والده, بل كانت كل خططه تتجه نحو إكمال دراسته العليا والحصول على الدكتوارة في فلسفة إيمنويل كانط والاستقرار في أمريكا والتدريس في جامعتها. وقد كان للقدر رأي آخر فقد توفي والده سنة 1947-  وقد ظن أن هذا العمل الصحافي لن يدوم سوى أشهر ويعود إلى أمريكا, لكن مهنة السلطة الرابعة شدته بقوة وأصبح سيد الأقلام ورائدها على مدى ستين سنة” (3).
غسان تويني رغم مشاغله السياسية في البرلمان اللبناني ورغم المصائب التي حلت به من اغتيال ابنه, وعبء مؤسسة النهار, وتقدمه في العمر فإن أصابعه المبدعة لا تتوان لحظة في ترك القلم وكتابة مقاله المثير الجميل, ولابد من الرجوع إلى آلاف المقالات التي كتبها في حياته في مختلف المجالات بحرفية وصدق واضع نصب أعينه رسالة الصحافة الخالدة, وثمة عبرة للصحافيين والكتاب الذين يتقوقعون على أنفسهم, ويعيشون في برج عاجي منغلق, الاعتراف بقدرات وتأثير الآخر الثقافي في مسيرة شعب ما, والإقرار بذلك لهو من شيم الكبار لا الصغار
——————–   
(1)  أيمن الحكيم في حوار استثنائي مع عميد الصحافة اللبنانية – جريدة  العربي المصرية – العدد 1113- 22 يونيو 2008
(2)  نفس المصدر
(3)  نفس المصدر

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…