د. آزاد أحمد علي
pesar@hotmail.com
بعد مرور أكثر من قرن على تأسيس الدراسات الرافدية، وبعد الرهان على حقيقة شعب فجر ينابيع الحضارة وأوقد جذوة الإبداع خاصة حقل الكتابة والإنتاج الفكري ـ الأسطوري. ماذا لو تأكد أن سومر لم تكن سوى افتراضاً، وأن لا وجود للسومريين أصلاً! وليس هناك أي دليل على وجود شعب سومري كان له مكانه في تاريخ المنطقة.
pesar@hotmail.com
بعد مرور أكثر من قرن على تأسيس الدراسات الرافدية، وبعد الرهان على حقيقة شعب فجر ينابيع الحضارة وأوقد جذوة الإبداع خاصة حقل الكتابة والإنتاج الفكري ـ الأسطوري. ماذا لو تأكد أن سومر لم تكن سوى افتراضاً، وأن لا وجود للسومريين أصلاً! وليس هناك أي دليل على وجود شعب سومري كان له مكانه في تاريخ المنطقة.
هذا التساؤل الكبير يثيره الباحث العراقي الدكتور نائل حنون في كتابه الجديد والمثير: “حقيقة السومريين”. يقع الكتاب في 422 صفحة من القطع الكبير، ويتوزع على ثلاثة أقسام وتسعة فصول.
جاء الفصل الأول تحت عنوان “حقيقة السومريين، السؤال الخطأ والحقائق المجهولة”.
وضمن هذا الفصل يتركز ثقل الافتراض العلمي للكتاب، هذا الافتراض المتلخص في أن العلماء اختلفوا أواخر القرن التاسع عشر حول حقيقة السومريين وانقسموا إلى فريقين،أحدهم يعتقد بوجود الشعب السومري، بدليل وجود اللغة السومرية. وتم التأريخ لوجودهم الفعلي قبل عصر اختراع الكتابة الأولى، أي بين أواخر الألف الرابعة وبداية الألف الثالث ق.م، أما الفريق الآخر فقد رأى أنه لا يوجد دليل واضح على وجود السومريين كشعب، وأن اللغة السومرية كانت لغة سرية من ابتكار البابليين أنفسهم وكانت هذه اللغة تستخدم لأغراض دينية وشعائرية.
كما شكل حل معضلة أصل السومريين أو موطنهم الأصلي، مشكلة إضافية أثقلت كاهل الأبحاث الأثرية والتاريخية. ويأتي هذا الكتاب في سياق استكمال السجالات العلمية حول الموضوع السومري، نشأة واصلاً وثقافة، ليتوصل الباحث إلى نتيجة يميل عبرها لصالح الاتجاه العلمي القائل بعدم وجود السومريين كشعب، وكمجموعة أثنية مستقلة أو ذات خصوصية. وإنما يؤكد على دعم الافتراض القائل بأن السومرية هي ظاهرة كتابية، فهي لغة كتابة إضافية، ولا وجود للسومريين كأثنوس مستقل ومتباين، وعلى الأرجح السومريين هم أنفسهم أسلاف الأكاديين مخترعي هذه اللغة التدوينية. يلخص الباحث فرضيته: “من خلال ما تقدم يتضح لنا إن الافتراض بوجود شعب سومري، يستدل على وجوده من وجود اللغة التي أطلق عليها اسم اللغة السومرية ومن أسماء الأعلام المصاغة بهذه اللغة، يثير من الأسئلة والإشكالات أكثر مما يجيب عليه. ويتضح لنا أيضاً انه لا توجد أدلة، سوى اللغة، على وجود السومريين باعتبارهم قوما عاشوا مع الأكاديين أو سبقوهم على أرض جنوب بلاد الرافدين. وحتى في مجال الكتابة أصبح جلياً إن الدراسات العلمية الرصينة لا تميل إلى قبول الرأي القائل أنها من اختراع السومريين. ومن هنا فأننا نميل بدليل ما تقدم، إلى الاعتقاد بعدم وجود شعب يختلف قومياً عن الأكاديين بهذا الاسم. وأما اللغة السومرية فلدينا ما يكفي من الأسباب التي تجعلنا نذهب إلى أنها لغة وضعت من قبل الأكاديين لغرض التدوين قبل أن يتمكنوا من ابتكار وسيلة لتدوين اللغة الأكادية نفسها. ونرى أن اللغة السومرية بالشكل التي وضعت فيه لم تكن قابلة للتحدث بها، كما سنوضح لاحقاً ولكنها ساعدت الأكاديين على التوصل إلى المقطعية، بعد المرحلتين الصورية والرمزية” ص 32
ويستند الباحث بافتراضه هذا على:
1- إن اللغة السومرية لغة منفردة ولا تعود إلى أي عائلة لغوية قديمة أو حديثة معروفة.
2- إن علم اللغة السومرية يقع بالأساس خارج العصر السومري أي استمر التدوين بها لقرون عديدة.
3- ظهرت في نصوص السومرية أسماء للهجات متعددة أو تفريعات للغة السومرية، وبعد التدقيق تبين إنها ليست لهجات وإنما طرق استعمال مختلفة للغة السومرية.
وبذلك يمكن التأكيد على أن السومرية لغة ابتكرت لترسم على الألواح أكثر من كونها لغة محكية أمكن اختراع الكتابة لها. ص36
4- النصوص السومرية تذكر أسماء للأقوام القديمة وإنها لا تتضمن ذكر السومريين كقوم….
وأخيراً يؤكد الكاتب على أن السومرية هي لغة كتابة اخترعها الأكاديون لغرض التدوين، لصعوبة التدوين بلغتهم الأصلية.
لا شك أن هذا الافتراض العلمي المثير يحرض على السجال والبحث، فان كان الأكاديون قادرين على اختراع لغة كتابة (أي السومرية) بالتوازي مع لغتهم فلماذا لم يتمكنوا من تعديل وتطويع لغتهم الأكادية نفسها لتكون هي لغة الكتابة.
وهل المجتمع في جنوب العراق في تلك الحقبة المبكرة من تاريخ البشرية كان مؤهلاً لهكذا سلوك معرفي/ علمي وثقافي متقدم ومركب؟
إضافة إلى هذه الفرضية المثيرة تضمن الكتاب دراسات وافية حول المكتشفات الأثرية المهمة في حوض حمرين شمال شرق بغداد، هذه الدراسات والتفاصيل استخلصها الباحث من الأعمال الحقلية، بعد القيام والمشاركة في حملات التنقيب الأثري، التي أسفرت عن اكتشاف ممالك ومدن مميزة مثل مدينة (مرد) القديمة وكذلك مدينة (ميتران) والتي تعودان إلى مرحلة الألف الثاني ق.م. هذه المدن والممالك كانت تحتوي على عمارة متقدمة وعمران منظم، و شكلت أساساً لإدارة واقتصاد متطور.
هذا وقد ختم الباحث كتابه بفصل خاص بالنظام المنهجي للتوثيق الأثري، وطريقة توثيق وأرشفة عمليات التنقيب الأثرية، وتسجيل المكتشفات، وكذلك ضبط تعقيدات العمل الأثري الحقلي.
مما جعل هذا الكتاب موسوعة مصغرة في علم الآثار ببلاد الرافدين، وأحد المفاتيح لدراسة النصوص المسمارية، واحد أهم الأبحاث العلمية الجادة والغنية والرصينة في الوقت نفسه.
ـــــــــــــــــ
وضمن هذا الفصل يتركز ثقل الافتراض العلمي للكتاب، هذا الافتراض المتلخص في أن العلماء اختلفوا أواخر القرن التاسع عشر حول حقيقة السومريين وانقسموا إلى فريقين،أحدهم يعتقد بوجود الشعب السومري، بدليل وجود اللغة السومرية. وتم التأريخ لوجودهم الفعلي قبل عصر اختراع الكتابة الأولى، أي بين أواخر الألف الرابعة وبداية الألف الثالث ق.م، أما الفريق الآخر فقد رأى أنه لا يوجد دليل واضح على وجود السومريين كشعب، وأن اللغة السومرية كانت لغة سرية من ابتكار البابليين أنفسهم وكانت هذه اللغة تستخدم لأغراض دينية وشعائرية.
كما شكل حل معضلة أصل السومريين أو موطنهم الأصلي، مشكلة إضافية أثقلت كاهل الأبحاث الأثرية والتاريخية. ويأتي هذا الكتاب في سياق استكمال السجالات العلمية حول الموضوع السومري، نشأة واصلاً وثقافة، ليتوصل الباحث إلى نتيجة يميل عبرها لصالح الاتجاه العلمي القائل بعدم وجود السومريين كشعب، وكمجموعة أثنية مستقلة أو ذات خصوصية. وإنما يؤكد على دعم الافتراض القائل بأن السومرية هي ظاهرة كتابية، فهي لغة كتابة إضافية، ولا وجود للسومريين كأثنوس مستقل ومتباين، وعلى الأرجح السومريين هم أنفسهم أسلاف الأكاديين مخترعي هذه اللغة التدوينية. يلخص الباحث فرضيته: “من خلال ما تقدم يتضح لنا إن الافتراض بوجود شعب سومري، يستدل على وجوده من وجود اللغة التي أطلق عليها اسم اللغة السومرية ومن أسماء الأعلام المصاغة بهذه اللغة، يثير من الأسئلة والإشكالات أكثر مما يجيب عليه. ويتضح لنا أيضاً انه لا توجد أدلة، سوى اللغة، على وجود السومريين باعتبارهم قوما عاشوا مع الأكاديين أو سبقوهم على أرض جنوب بلاد الرافدين. وحتى في مجال الكتابة أصبح جلياً إن الدراسات العلمية الرصينة لا تميل إلى قبول الرأي القائل أنها من اختراع السومريين. ومن هنا فأننا نميل بدليل ما تقدم، إلى الاعتقاد بعدم وجود شعب يختلف قومياً عن الأكاديين بهذا الاسم. وأما اللغة السومرية فلدينا ما يكفي من الأسباب التي تجعلنا نذهب إلى أنها لغة وضعت من قبل الأكاديين لغرض التدوين قبل أن يتمكنوا من ابتكار وسيلة لتدوين اللغة الأكادية نفسها. ونرى أن اللغة السومرية بالشكل التي وضعت فيه لم تكن قابلة للتحدث بها، كما سنوضح لاحقاً ولكنها ساعدت الأكاديين على التوصل إلى المقطعية، بعد المرحلتين الصورية والرمزية” ص 32
ويستند الباحث بافتراضه هذا على:
1- إن اللغة السومرية لغة منفردة ولا تعود إلى أي عائلة لغوية قديمة أو حديثة معروفة.
2- إن علم اللغة السومرية يقع بالأساس خارج العصر السومري أي استمر التدوين بها لقرون عديدة.
3- ظهرت في نصوص السومرية أسماء للهجات متعددة أو تفريعات للغة السومرية، وبعد التدقيق تبين إنها ليست لهجات وإنما طرق استعمال مختلفة للغة السومرية.
وبذلك يمكن التأكيد على أن السومرية لغة ابتكرت لترسم على الألواح أكثر من كونها لغة محكية أمكن اختراع الكتابة لها. ص36
4- النصوص السومرية تذكر أسماء للأقوام القديمة وإنها لا تتضمن ذكر السومريين كقوم….
وأخيراً يؤكد الكاتب على أن السومرية هي لغة كتابة اخترعها الأكاديون لغرض التدوين، لصعوبة التدوين بلغتهم الأصلية.
لا شك أن هذا الافتراض العلمي المثير يحرض على السجال والبحث، فان كان الأكاديون قادرين على اختراع لغة كتابة (أي السومرية) بالتوازي مع لغتهم فلماذا لم يتمكنوا من تعديل وتطويع لغتهم الأكادية نفسها لتكون هي لغة الكتابة.
وهل المجتمع في جنوب العراق في تلك الحقبة المبكرة من تاريخ البشرية كان مؤهلاً لهكذا سلوك معرفي/ علمي وثقافي متقدم ومركب؟
إضافة إلى هذه الفرضية المثيرة تضمن الكتاب دراسات وافية حول المكتشفات الأثرية المهمة في حوض حمرين شمال شرق بغداد، هذه الدراسات والتفاصيل استخلصها الباحث من الأعمال الحقلية، بعد القيام والمشاركة في حملات التنقيب الأثري، التي أسفرت عن اكتشاف ممالك ومدن مميزة مثل مدينة (مرد) القديمة وكذلك مدينة (ميتران) والتي تعودان إلى مرحلة الألف الثاني ق.م. هذه المدن والممالك كانت تحتوي على عمارة متقدمة وعمران منظم، و شكلت أساساً لإدارة واقتصاد متطور.
هذا وقد ختم الباحث كتابه بفصل خاص بالنظام المنهجي للتوثيق الأثري، وطريقة توثيق وأرشفة عمليات التنقيب الأثرية، وتسجيل المكتشفات، وكذلك ضبط تعقيدات العمل الأثري الحقلي.
مما جعل هذا الكتاب موسوعة مصغرة في علم الآثار ببلاد الرافدين، وأحد المفاتيح لدراسة النصوص المسمارية، واحد أهم الأبحاث العلمية الجادة والغنية والرصينة في الوقت نفسه.
ـــــــــــــــــ
- حقيقة السومريين، ودراسات أخرى في علم الآثار والنصوص المسمارية.
- الدكتور نائل حنون.
- دار الزمان ـ دمشق 2007
- عدد الصفحات 422