علي جعفر
صدر للكاتب السياسي الكوردي علي مسلم في الآونة الأخيرة كتاب تحت العنوان المنوه به أعلاه، في مدينة استانبول بتركيا. و هو عبارة عن دراسة سياسية و اجتماعية و اقتصادية لبقعة من جغرافية غرب كوردستان، قد تكون صغيرة بحجمها و مساحتها، لكنها تكتسب أهمية استثنائية عمد أعداء الكورد منذ الحكم العثماني، مروراً بالأنظمة الحاكمة في دمشق، خاصة حزب البعث العنصري، و وصولاً إلى داعش إلى تشويه و تغيير ديمغرافيتها، من خلال زرع جيوب تركية و عربية فيها، ترافقاً مع تهجير و تشريد أهلها من خلال وسائل و ممارسات متنوعة.
تنبع أهمية هذه الدراسة من كونها الأولى، على حد علمنا تتناول هذه البقعة من الجغرافيا الكوردستانية (السورية ) التي طالها النسيان من قبل ممن يفترض أنهم أصحابها الحقيقيون، و أعني بهم الكورد بحركتهم السياسية. وتعتبر هذه المنطقة امتداداً طبيعياً يصل بين منطقتي كوباني و عفرين. كما هي حال منطقة ( Girê Sipî ريه سبى – تل أبيض ) التي هي الأخرى حلقة وصل بين منطقتي الجزيرة و كوباني.
و قد جهد المؤلف على تعداد و تصنيف العشائر و القرى الكوردية، كما وقف على جوانب مهمة من الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية لكورد تلك المنطقة. و بحكم وجود مدن و قرى عربية متداخلة في تلك المنطقة، فإن الأنظمة الحاكمة ربطت القرى الكوردية ادارياً بالمناطق العربية، إضافة إلى اتباعها سياسات عنصرية تجاهها، و منها سياسة تهجير الكورد من أماكنهم التاريخية، الأمر الذي – بالإضافة إلى إهمال الحركة السياسية الكوردية لتلك المنطقة – أدى إلى ضعف الشعور القومي لدى سكانها، و بالتالي إلى تعرضهم للتعريب و الانصهار، و التشريد أكثر من كورد المناطق الكوردية الأخرى.
لقد وقف المؤلف بشيء من التفصيل على تاريخ الوجود الكوردي قديماً و حديثاً في سوريا و بلاد الشام. و استشهد في بحثه هذا بمصادر و وثائق تركية، و أبحاث كتبها باحثون ترك و عرب و غيرهم. كما أرفق المؤلف بحثه بعدة رسائل كان قد بعث بها أهل المنطقة لمسؤولي النظام، بما فيهم الرئيس السوري، معرضين في تلك الرسائل ما يتعرضون له من ظلم و سياسات عنصرية، مطالبين بانصافهم و وضع حد لتلك السياسات، لكن دون جدوى.
من جهة أخرى أرفق المؤلف بحثه بالدراسة القيمة التي قامت بها ( اللجنة الكوردية لحقوق الإنسان في سوريا ( الراصد ) بخصوص المرسوم العنصري ذي الرقم ( 49 ) الصادر في عام ( 2008 ). و وثائق تاريخية دولية متعلقة بالوجود التاريخي الكوردي، و بحقوقهم القومية المشروعة.
إنه بحث جدير بالاهتمام و القراءة، ما أحوجنا نحن الكورد اليوم و أكثر من وقت مضى إلى مثل هذه الأبحاث التي تتناول جانباً من التاريخ الكوردي.
نود هنا القول، إن الوثائق و المستندات التاريخية، أسماء و حضارات المواقع الأثرية، الجبال، الوديان و الأنهر و…، لها من الأهمية لتثبيت ملكية أية أرض ما في حالات النزاع بين جهتين تختلفان على أحقية التمليك. لكن الصحيح أيضاً، ما يرجح كفة الميزان في وقتنا الحاضر هو وجود السكان في تلك المنطقة. و من هنا نستطيع أن نفهم مدى المحاولات المستميتة للسلطات الحاكمة في تركيا، لمنعها توصيل هذه المناطق الحدودية الكوردية ( السورية ) بعضها ببعض. كما يسهل علينا معرفة محاولات النظام السوري الحالي و تنظيم داعش الإرهابي في محاربتهم للوجود الكوردي في هذه المنطقة و المناطق المحيطة الأخرى، مثل منبج و جرابلس، و السفيرة، و أعزاز و تل عرن و تل حاصل و غيرها.
يذكر أن تقديم الكتاب جرى من قبل الدكتور أحمد محمود خليل، الذي له مؤلفات عديدة فيما يخص التاريخ الكوردي القديم، و كان آخرها كتابه الموسوم: ( كردستان أولاً – استراتيجيات التحرير )، الذي نشر مؤخراً، بالإضافة نشر نسختها الكوردية التي ترجمت من قبل الباحث حيدر عمر. و قد أصاب د. أحمد خليل عين الحقيقة عندما يكتب في المقدمة التي قال فيها: ” …. إن تواريخ الأمم و تراثها هو جذوعها و جذورها، و الأمة التي تجهل تاريخها معرضة – آجلاً أم عاجلاً – إلى ضياع هويتها، و استلاب شخصيتها، و انصهارها في الأمم الأخرى… “.
5. 1. 2016