حكاية عن جدي الهاواري

وليد معمو
حكى جدي رحمه الله  ذات مرة ، أنه كان عسكرياً في الجيش العثماني ، في سيناء مصر ، بين مدينتي  العريش والإسماعيلية .
وقال : أن الجيش كان متهالكاً وقتها ، ولم يكن يصلهم من التموين ما يسد الرمق … وعليه قرر مع بعض رفاقه الفرار سيراً على الأقدام كل إلى بلده في بلاد الشام ، وهو يقصد بلده عفرين ، في جبل الكورد… 
وهكذا خرجوا خمسة من الوحدة العسكرية ، متفقين أن يمشوا في الليل وأن يناموا في النهار تجنباً لكمائن البدو الرُّحل وليس خوفاً من دوريات الجيش العثماني .
فالبدو كانوا يبقرون بطون الجنود الفارين أن أمسكوا بأحدهم … لإخراج الليرات الذهبية ، التي من المحتمل أن يكون الجندي قد خبأها في معدته ، عن طريق البلع… 
ومن ضمن اتفاق الرفاق الفارين ، كان هناك بندٌ يقضي بأن ينزل أحدهم كل يوم وبالتناوب  ، إلى أقرب قرية مجاورة لمسيرهم لأجل شراء الغذاء والإتيان بالماء … 
وإن تأخر لليل ، ولم يعد  ، هذا يعني أنه قتل ببقر البطن من قبل البدو … 
وهكذا خرجوا من سيناء باتجاه فلسطين ، وسوريا  ، وبعد أسبوع تأخر أحد رفاقهم حتى الليل  ، أي مات بشق البطن… لأجل الذهب رحمه الله !!.
فتابع الباقي المسير الليلي … بحزن شديد ، ولا حول ولا قوة لهم .
وقال جدي : أنهم قطعوا نهراً كبيراً – ويُرجَّح أنه نهر الأردن – ونجوا من الغرق بالعبور من فوق الجسر  ، بعد إنتظار طويل  ، في عاصفة مطرية ، وتحت جنح الظلام  ، حيث غابت الحراسة عن الجسر بسبب المطر… 
وأردف قائلاً وصلت أنا ورفيق لي فقط إلى جبل حوران ، والباقي ماتوا بذات الطريقة في المسير … وتابع قائلاً : وفي حوران وقعنا بين يدي دورية للجيش العثماني لسوء الحظ ، وكانت الدورية ثلاثية ، وبعد جدال طويل وحاد بين عناصر الدورية ، أخلوا سبيلنا تجنباً لحمل وزر قتلنا رمياً بالرصاص ، كإعدام ميداني !!.
وقال : تابعنا المسير إلى أن وصلت قريتنا  بحمد الله  ، بعد مسير أربعين يوما ،ً أي مسير أربعين ليلة شتوية طويلة … 
كان هذا قبل عام 1920 ، وكان يكرر هذه القصة على مسامعنا في كل فرصة وبتفاصليها الدقيقة .
وذات مرة اقترحنا عليه أن يؤدي مناسك الحج في الديار المقدسة ، وهو رجل تقي وورع… لم يترك فرض صلاة .
رفض الفكرة وقال لا أريد أن استذكر بقر بطون رفاقي … في الجنوب ،  لن أذهب إلى الحج ولو أوتوا به إلى حدود القرية… أي قريتنا .
في وقتنا الحاضر ، ونخن نعيش هذه الأيام العصيبة ، يبدو أن المنطقة لم تمر بعصر مشرق ، خالي من بقر البطون وقطع الرؤوس لأجل الذهب !!.
رحم الله جدي وأمواتكم … مع الأمل بوصول منطقتنا إلى الإكتفاء من سفك الدماء.
عفرين في   19- 12 – 2016. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…