نقد الآخر ومديح الذات ضمناً .. «بصراحة، إلى المنجرح بالكتابة: هوشنك أوسي»

ابراهيم محمود
لا يخفى مدى انجراح الشاعر والصحافي الكردي هوشنك أوسي ” المقيم في بلجيكا ” وشكواه ” الكردية ؟ ” من كرده: ممن هم في خانة النقاد، وذلك في مقاله المعاد نشره في موقع ” ولاتي مه، 17-12-2016 “، حين يشير صراحة إلى أن مجموعته الشعرية ” قلائد النار الضالة: في مديح القرابين ” والمطبوعة على نفقته الشخصية، كما ذكر، لم تنل حقها من الاهتمام النقدي. سوى أن قراءة  مقاله الأقرب إلى رؤية انطباعية، كما هي وضعية شكواه، تكشف عن قدر كبير من مديح الذات. وإذا كانت الشكوى تحيل على ذات يجري تجاهلها من ” أهل الحرف نقدياً “، فإنها في وجهها الآخر تكيل مديحاً صريحاً للذات.
والشكوى واردة، والمديح الذاتي أحياناً وارد، لكن ما كتبه أوسي في قرابة ألف وثلاثمائة كلمة، ومن المفتتح إلى المختتم، يشكّل إعلاء من شأن الذات، ونقد موجَّه إلى كل المعنيين بالنقد، وتحديداً ممن يريدون نجومية في وضعيات خاصة كردياً، كما هو المومأ إليه في القسم الأخير من شكواه، وأن الذي طبعه ونشره ولم يحظ بالنقد المتوخى، سوف يأتي يوم يظهر فيه الناقد القادر على إظهار أهمية مجموعته تلك أولاً، وسوء سلوكيات النقاد المتجاهلين لها ثانياً.
وأورد هذا المقطع مما كتبه ” الهدف الوحيد الذي ازعم أنني حققته من وراء هذا الكتاب، أنني عبّرت عن مرحلة معيّنة من تجربتي الحياتيّة والشعريّة، وأزحت عن صدري حجراً من حجارتها، وليس بالهمّ الكبير لدي إن بقي النقد والنقّاد في تجاهلٍ لهذا الحجر – الديوان. وبصراحة، كل كتاب شعري أو نثري أصدرته أو سأصدره لاحقاً، ثمة ثقة شبه أكيدة لدي، تقاربُ اليقين، قوامها؛ إن ما أكتبه هو بمثارة رسالة أضعها في قنينة وأرمي بها في عرض البحر، وسيأتي اليوم الذي يلتقطها ناقد ما، دأبه محاولة اكتشاف المجهول والجديد، ولا يغريه تكرار ما قيل من مديحٍ وتوثين في الجزر الفخمة التي تطفو على سطح بحر الشعر. “، حيث أعتبره شاهداً على ما أفصحت عنه.
ولعلّي لا أخفي موقفي مما قاله صديقي الشاعر والصحافي، وهو أنه محق من حيث المبدأ فيما باح به جرّاء إيلام نفسي، لا أعتقده وحده في ذلك، إلا أنني من ناحية أخرى أجدني مفصحاً ربما عما لم يرد أوسي تحديده، وخصوصاً فيما يمكن تسميته مجازاً بـ” الساحة الثقافية الكردية “، وآلية النقد السائدة، وهو يعلم جيداً، بنية التجربة النقدية ” أم ليست كذلك؟ ” تلك التي قمت بها سنة 2004-2005،على الأقل، ونشرت حلقات كثيرة الكترونياً وكيفية التعامل معها،  وحوربت من قبل الكم الأكبر من الكتّاب الكرد أنفسهم، بتحالف بغيض من أطراف حزبية كردية مع التشهير، ودون أن يكون من يدخل في هذه المعمعة أو يتابع ” المسيرة النقدية ” التي لا تعرَف بابراهيم محمود أو سواه، سوى أنني دفعت ثمن ذلك غالياً، وحتى الآن، وفي إقليم كردستان بالذات، وممن ما زالوا مقيمين في ” روجآفا ” كما تُسمى في حمّى هبّة المشاعر الكردوارية، ولست نادماً على كل كلمة كتبتها، والقلة القليلة ممن حاولوا الكتابة في هذا المضمار، وتوقفوا .
وعلي أن أصارح الصديق الشاعر والصحافي أوسي مجدداً بلغة المتسائل: هل حاول النقد في تعامله مع الآخرين، ليبث شكواه بالطريقة هذه ومعها كيل المديح لذاته؟ سأسمّي نفسي في السياق، لتأكيد علاقة معينة: لقد تعرضت لعشرات الكتّاب الكرد هنا وهناك في ” روجآفا ” وغيرها، لأسال كم عدد الذين تعرضوا لبعض من أعمالي، وأوسي من بينهم؟ ما أكبر فرح بعض من كتبت عنهم، حتى وأنا أنتقده النقد الحاد لأسباب نفسية لا تخفى على نباهة أوسي، طبعاً ليكثف ” هجاء “، وليعلي شأنه في محيطه وأبعد، وبطريقة هابطة هبوط مفهومه الثقافي والأسماء أكثر من أن تذكر. هل تواضع أوسي قليلاً في معرض تناوله لأعمال معينة لي ومنذ سنوات ؟ لم أسمع بذلك، وثمة آخرون وبات لهم شأن، ينتظرون دائماً أن تكتب عنهم وفي اتجاه واحد: جان دوست، هيثم حسين، خالد حسين…أسماء أقدّرها، ولكنها لا تخفي أنانية مسجَّلة، وهذه لها سهم معتبر وجلي الأبعاد في ذات أوسي بالذات، والذي يتحدث عن ” حجره ” الشخصي، وهو مقذوف إلى كل من يتنفس نقداً من الكرد ويصيبه في رأسه الإصابة المباشرة، كونه أهمله.
دهوك، في 17-12-2016 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…

المهندس باسل قس نصر الله
حين زرتُ المقابر المسيحية لأول مرة – ولسببٍ لا أذكره اليوم – كنتُ في العاشرة من عمري. هناك، بدأتُ أمارس ما كنتُ أظنه معرفة بالقراءة … فصرتُ أقرأ أسماء الموتى على القبور، أتهجّى الحروف واحداً واحداً، وأربط أسماء العائلات بأسماء أصدقائي المسيحيين. وكنتُ أعود إليهم أسألهم عن تلك الأسماء، عن الذين…

أحمد مرعان

رحلةُ سقوطِ الوعي بين بريقِ المصلحة وبهتانِ الحقيقة؛ كان المثقفُ أيامَ النقاءِ والتضحيةِ نبضَ الوعي الجمعي في جسدِ الأمة، وصوتَ العقلِ حين تسكتُ الأصوات، يسيرُ في الدروبِ المظلمةِ حاملًا شعلةَ النور بالفكرِ والوعي، بقدسيةِ إعلاء كلمةِ الحق، ينيرُ بها القلوبَ والعقولَ قبلَ الطرقات، مغامرًا بنفسِه إلى السجونِ والمعتقلات، وربما يكونُ ضحيةَ فكرِه ورأيِه، يؤمنُ…

هند زيتوني| سوريا

كي تتحدّث مع الأموات بإمكانك الذهاب إلى مدينة المنجمّين الشهيرة في كاساديغا بولاية فلوريدا الأمريكية هناك يستطيع الوسيط أو الـ (Medium) أن يجعلك تتصل بالأرواح، أمّا إذا أردت أن تستمع لحديث الشاعرات اللواتي تربّعن على عرش الموت، فما عليك إلاّ أن تقرأ كتاب “بريد السماء الافتراضي”. هناك الموت لا يعني التلاشي ولا…