ساعة قامشلو

إبراهيم اليوسف
 
شدِّي الرحال في دمي
ما استطعتِ
وما استطعتُ
وكأننا منقطعان منذ سحابة سوداء
كفى جفلة باهتة…!
كفى انتكاساً من صفرة عرجاء
هلا ترجل أي منا عن ظهرالسهو
لا تقولي عني تأخر…!
لا تقولي عني  استبكر اللعاب
أو استبق الخطى في الأوبة
كان علي أن أغدو كما صورتي هذه
خلف جفونك المسدلة كخريطة…..!
خاصرتك باحت بما لم تخفه من خاتم أخير
والحساسين كانت تتلاشى  هباباً في الأفق
لا تشفع لها أعشاش ولا فراخ منتظرة
كتابك فتحته
على صفحة نيسان
أعرف أين أصبت
وأعرف أين أخطأت
مازالت أرغفتك في صرَّة أمي
وهي تظللني في المغتربات
مازالت صورتك في ابتسامتها
معلقة الأثير والوعود
ها أنا الآن
لا أهادنني
كما عهدت لهفتي وآلامي
كما تحيله إلي أرصفتك
لم أذوِ على داليتك  كعنقود ملحاح من حلم
ولم اسم إلا في سجلاتك فحوى أزل أو أكثر
نشيدك حليبي المعلن
 بكائي المتواصل
أصابع مربيتي الحنون
أفتح فمي على مسغبة قديمة
دم واقعي
وأنين متخيل
أرضع من ثدي غيمتك اللغة
ما فتئت تناولك روحي في هزائمها المتتاليات
متكئة على أريكة الجبل البعيد
في ذروة الاعتراف
لا تقولي لأحد لم يسمع
لا تقولي لأحد لم أناده
كل ذلك كان على حين غرَّة
أعرف الكثير من أخطائي الآن
لقد تركتك وأنا أتابع جفلتك أمام منظر القناص
في أعلى مئذنة المدينة
هو يكرِّر نفسه في إملاء عسير
يكرِّر بحَّتك في صوت المؤذن
ما من أحد تردد
ما من أحد ردد سفاهة الذبول
كل شيء في ذلك  الوقت كان كماعليه
دمك كان يمطر في كراريسي
وتنهض في الألوان صور الأطفال في قمصان الذعر
حنو الأمهات والآباء
استنفار الأخوة
رحت أسير في حاراتك
الابن الذي احتضنته ذاته
حمم النار كانت تأكل ما في ساعة يدي من بهجة
استعدت التواريخ اثنتي عشرة سنة كاملة
ما دمت أحتفظ برائحة بارودها
وقمصان الدم
وعويل الأمّهات
دمك لم يتوقف قيد هدنة
دمك لم يهادن قيد قبلة
هل لدي سوى هذه الإفادة؟
ربما أقول: بلى…!
ربما أقول: لا…..!
سيان، الأنين، مادامت المقبرة فاغرة شدقي الانتظار
لم أستدرك الرصاص الخاطىء
لم أستدرك الرصاص المصيب
كلهم بدوا في تلك اللحظة تحت شالك
ينسجون ملحمة مختلفة من مفردات معاجمهم
ثمة ما أدونه عني في مشهد الرجاء
ثمة ما أدونه علي في مشهد الرجاء
ثمة مهرج في أوج اللغو
يستعرض أصداءه الملونة
بهرجاته
بهلوانياته
خديعته نفسها
لن أغفل عنك رمشة روح حارة
أرصفتك تنتفض في جبلة الهباب
دم وبارود
أشلاء
بيت يكاد ينفض آخر من استعصى على اللعبة
شارع يستعيد الظلال الغاربة منذ مباغتة مجنونة
حي  غضاري  يرمي أثقاله ونياشينه على غير هدى
مدينة تتضاءل في كاميرا المصور التلفزيوني
لاضير، يا ملكتي، لاضير…
كثيراً ما لاح لي المشهد
وأنا بين يديك أو ناء
كل شيء في دورة عارضة
لم أحتج إلى نظارتين لأراك
ولا إلى بوصلة لئلا أتوه
ليس بيننا هذا البون من وجوه الغرباء
المشهد هو نفسه
القاتل هونفسه
أنا نفسي
وأنت نفسك
ليس بيننا ما يعكر الصدى من جدران
شدي الرِّحال إلي في هذه الاستراحة بين حربين عابرتين
كما كانت تقتضيه صكوكنا الطفلة من قبل…!
شدي الرحال إليك..!
وانهضي في دمي
لست من يتأخرعنك
لستِ من تنامين على الرَصيف الغريب..!.
22-4-2016
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

أحمد الصوفي ابن حمص يلخص في تجربته الفنية الخصبة مقولة ‘الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح’، وهو كثير الإنتماء إلى الضوء الذي يحافظ على الحركات الملونة ليزرع اسئلة محاطة بمحاولات إعادة نفسه من جديد.

يقول أحمد الصوفي (حمص 1969) في إحدى مقابلاته : “الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح”، وهذا القول يكاد ينبض في…

عبد الستار نورعلي

في الليلْ

حينَ يداهمُ رأسَك صراعُ الذِّكرياتْ

على فراشٍ مارجٍ مِنْ قلق

تُلقي رحالَكَ

في ميدانِ صراعِ الأضداد

حيث السَّاحةُ حُبلى

بالمعاركِ الدُّونكيشوتيةِ المطبوخة

على نارٍ هادئة

في طواحينِ الهواء التي تدور

بالمقلوبِ (المطلوبِ إثباتُه)

فيومَ قامَ الرَّفيقُ ماوتسي تونغ

بثورةِ الألفِ ميل

كانتِ الإمبرياليةُ نمراً..

(مِنْ ورق)

بأسنانٍ مِنَ القنابلِ الذَّرية

ومخالبَ مِنَ الاستراتيجياتِ الدِّيناميتية

المدروسةِ بعنايةٍ مُركَّزَة،

وليستْ بالعنايةِ المُركَّزة

كما اليوم،

على طاولته (الرفيق ماو) اليوم

يلعبُ بنا الشّطرنج

فوق ذرى…

حاوره: إدريس سالم

إن رواية «هروب نحو القمّة»، إذا قُرِأت بعمق، كشفت أن هذا الهروب ليس مجرّد حركة جسدية، بل هو رحلة وعي. كلّ خطوة في الطريق هي اختبار للذات، تكشف قوّتها وهشاشتها في آنٍ واحد.

 

ليس الحوار مع أحمد الزاويتي وقوفاً عند حدود رواية «هروب نحو القمّة» فحسب، بل هو انفتاح على أسئلة الوجود ذاتها. إذ…

رضوان شيخو
وهذا الوقت يمضي مثل برق
ونحن في ثناياه شظايا
ونسرع كل ناحية خفافا
تلاقينا المصائب والمنايا
أتلعب، يا زمان بنا جميعا
وترمينا بأحضان الزوايا؟
وتجرح، ثم تشفي كل جرح،
تداوينا بمعيار النوايا ؟
وتشعل، ثم تطفئ كل تار
تثار ضمن قلبي والحشايا؟
وهذا من صنيعك، يا زمان:
لقد شيبت شعري والخلايا
فليت العمر كان بلا زمان
وليت العيش كان بلا…