سوريا من الاضطهاد السياسي إلى الكارثة الإنسانية

جان كورد
عدت من السفر لأجد نسخةً جميلة المنظر كما ترونها أعلاه من الطبعة الأولى لهذا الكتاب القيّم مهداة لي من الأخ الأستاذ إدريس عمر، فكم أسعدت به وبقراءته لأنه يأتي في الوقت المناسب، حيث أن سوريا التي كانت تعتبر مهد الحضارات البشرية قد تحولت فعلاً من بلاد “الاضطهاد السياسي إلى الكارثة الإنسانية”.  
يتألف الكتاب، الذي ألفه الأستاذ إدريس عمر كرسالة علمية لنيل الماجستير في العلوم السياسية، وقدّم له الدكتور الخبير آزاد أحمد علي من 320 صفحة من الحجم الكبير، وتشرّف الأستاذ حيدر عمر بمراجعته اللغوية، في حين قام الأخ الفنان والكاريكاتوريست يحيى السلو بتزيين الغلاف بهذا الشكل الجميل. وتم طبع الكتاب في مصر الجديدة بالقاهرة، لدى المكتب العربي للمعارف، ويمكن إيجاده تحت رقم الإيداع 2016/ 3224 ، وتحت الترقيم الدولي: ISBN.978-977-276-982 
يقول الدكتور آزاد أحمد علي في تقديمه للكتاب بأنه “نتاج تجربة ومعاناة وقراءة وتأمّل من داخل السجن، من داخل سوريا وفي المهجر. إنه بحث يحترم القارىء فيتواصل ويتفاعل معه عبر سرديات مطولة للخطوط العامة للمشهد التاريخي لتحولات السلطة في سوريا. إنه كتاب جدير بالقراءة.”  
أعتقد أن الدكتور آزاد ضليع بما يجري في سوريا والحالات التي مرّ بها النظام الحاكم وتحوله من مجرّد نظام شمولي فاسد ولا يأبه لحقوق الإنسان وسلاحه الاضطهاد السياسي وممارسة سياسة السلب والنهب لثروات البلاد إلى نظامٍ تسبب بإدخال البلاد في حربٍ تطورت إلى كارثة إنسانية، بل تعتبر أحد أشنع الحروب البشرية.  
قسم المؤلف كتابه الأنيق إلى أربعة فصول، وهي 1. نشوء الدولة السورية 2. سمات الاستبداد السياسي من عام 1963 إلى نهاية حكم حافظ الأسد 3. توريث الحكم واستمرار الإرهاب السياسي 4. من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة، إضافة إلى ذكر العديد من المصادر والمراجع والملحقات، وقد أوضح الكاتب بدقة الأسماء والأحداث والقضايا التي عالجها فيما كتبه.  
يقول الكاتب في مقدمة كتابه الشيّق هذا : “لقد كان اختياري موضوع الاضطهاد السياسي في سوريا بناءً على قناعتي التامة أن جذر المشكلة السورية وعدم استقرارها تمخضا عن تنامي الاضطهاد السياسي بكافة أشكاله، بسبب تدخل الجيش في الحياة السياسية واستيلائه على السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية المتتالية منذ ما بعد الاستقلال.”  
هذه الحقيقة التاريخية هي التي كانت وراء عودة المؤلف إلى التاريخ السياسي السوري ما بعد الاستقلال من دون أن يجعل بحثه كتاباً في التاريخ، بل استمر بجدية وصبر في استقراء واستشفاف تلك الأحداث، ليجعلها تمهيداً لا بد منه لما يجري الآن في سوريا، وفي الواقع ليس تمسك الجيش بالسلطة هو السبب الوحيد لدخول سوريا في ظل نظام الأسد وحزب البعث في هذا النفق المظلم، بل هو استعانة نظام حزب البعث بالعديد من الأجهزة المخابراتية التي جعلت الجيش غير ذي أهمية، وتسخيره شرائح سياسية عديدة تحت مسمى “الجبهة الوطنية التقدمية” لإجهاض قيام أي معارضة حقيقية له، واستخدام العنف الوحشي في قمع الانتفاضات ضده، إضافة إلى الاضطهاد السياسي العام وكبت الحريات الإعلامية والتنظيمية. وثمة أسباب وعناصر إقليمية ودولية ساعدت في استمرارية الفكر الشمولي وسياسة الاستفراد بالسلطة، وكذلك للتحول الكبير من “ثورة سلمية” إلى حرب شاملة وشرسة اليوم في سوريا، ومن ذلك عدم تضامن المجتمع الدولي بشكل فعال مع الشعب السوري الذي صار الضحية في هذه الكارثة الإنسانية التي لا يعلم أحد إلى أين ستقود المنطقة. 
الكتاب جدير بالقراءة، فهو سلس في لغته العربية التي يجيدها الكاتب وكأنها لغته الأم، وهو مشحون بالكثير من المعلومات عن الحياة السياسية في سوريا، من قبل استيلاء البعثيين على الحكم في عام 1963 وما بعده، وهناك فقرة خاصة متعلقة بالنظام والموقف من القضية والحركة الكوردية يمكن الاستفادة منها في تفهم ما يجري حقاً في المنطقة الكوردية في شمال البلاد.
سلمت يداك يا أخ إدريس على أمل دراسات ونجاحات أخرى على هذا الطريق.
13‏ تشرين الأول‏، 2016 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…