تلغراف(جنازة المؤخرة )

محمود عوّاد
 
1ـ لماذا المؤخرة :
بدهشةٍ فاقت بدايتها نَفضتُ يدي من كتاب جنازة المؤخرة للكاتب والروائي الســوري ابراهيم محمود , متسائلاً ونفــسي عـن خزينه التأويلي تجاه المطمور ثقافياً وشـراسة  قدرته على تصديره الصدمة المعرفية  مــن حيث اعتماده الحفر في موضوعةٍ يمكن عدّها منطقة مُلغومة بمحرمات حتى عولمية جديدة أحياناً. موضوعته الجريئة تحركت باللغة نحو ديالكتيك المعنى لتُعلن عن امكانية اللغة في استيعاب البذيء شـــــريــطة وضعها على نار كتابةٍ مضادة تخفت بالهدوء , تُثير حفيظة كــهان الجمال الزائف والمـطروح على حساب تحقير  المُغيّب بوصـفه اللقيـــــط الـذي يجب وأد ملامحه خشية تشكّله مهـــــماز لثقافةٍ تستدعي ضـرورة ملاحقتها,ذلك عـــند السـماح بتـداولها بين أذهان القراء والعامة من المتلقـــين, وإذا ماحصل هـــــذا ستنكشف المؤامرة ومدبرها الفعلي .ملاحظة : العربي كائن منزوع المؤخرة … 
2ــ المؤخرة سيدة السؤال الجسدي:
في كتابه استطاع الكاتب تحريك المقموع بفعل وعيٍ اشتد بضــــراوته اشراقاتٍ شعريّة تخطف بفضاءاتها الأخاذة إلى عوالمٍ منفلتة,وضعتني بذهول تقصيها الوعي على حافة مؤخرة الأسئلة لكأن سندباد قد هبــــــط على جزيرته بغتة,وكنت قد طـرحت بضعة أسئلةٍ تبحث عن إجابات من غير مُقبلات ,اجابات غير انتهازية . مـن تلك الأسئلة :ماهو الشكل الذي  سأبدو عليه من دون وجود المؤخرة ,كيف ستكون كتاباتي بدونها ,لماذا يحاول كل شيء تهميشها ,هل سأتعرف على البيان السوريالي بدونها,لو أفقت صباحاً ولـم أجــد مؤخرتي مكــــــانها بأية عاطفة سأُكمل المكالمة مع حبيبتي , بأي ثــقة سأُحاور الأصدقاء على الفيس بوك بلا مـؤخـرة, هل سيقبلني مارك صديقاً على شبكته العظيمة,لكــــن السؤال الذي شغلني بحيرته يكمن في بلوغ مؤخرة الوعي الذي سيمنحني فرصة كتابة نصوص تـوازي جنازة المؤخرة,مــــما لاشك فيه أن حلماً كهذا لايتحقق ما لم نُسارع إلى امــتلاك ثقافة تزاحم بمؤخرتها اللغوية وجودنا, شأنها شأن فـرنسا التي هـــــي الوجه التجسيدي لمؤخرات لوتريك ورينوار وأسئلتهما عــن الروح والجسد على سواء .
3ـ المؤخرة وشمولية الجمال المعرفي:
إن ما يجعل كتاب جنازة المؤخرة على جانب مـــــن الأهمية هو شمولية وعيه, وهذا يؤكد بلــوغه نشوة الجمال المنسابة بين صفحات كتاب “موجز تاريخ الأرداف ” لكنه بتبنيه الكــتابة المُـــشذّرة أو الشعرية جاء ليُبرهن اشـتغاله المغاير حـتى وأن اعــــتمد مرجعيات في بلورته الفــكرة من خلال تصـنيفها إلى أبـواب أشـبه ما تكون بالفــصلية , مقسمة مابـين مؤخــرة السياسي والفــــــــنان وغيرها من التقسيمات الـتي أنعشت معرفية النصّ .
4ــ نماذج من الكتاب: 
* السعداء بمؤخراتهم من هم ياترى ؟ الطفل سعيد بمؤخرته لأنه يعيش كليانية جسده. صاحب الحمّام حامل ذاكرة ضخمة ,تؤرشف لمؤخرات الآخرين ,ومؤخرته من بينها. *يتمنى الرجل لو تكون مؤخرته أمامه ,لاحوارا ضمنيا ينقطع بين الرجل ومؤخرته. *كاتب السيرة الذاتية يعيش معاناة رهيبة مع مؤخرته. *جينيه بمؤخرته تحدى تقاة عصره , فوكو واجه العالم المحيط به بمؤخرة أخفاها تحت غلال رقيقة من التأويل الممكنن . *تعتقد المرأة أن العالم قطار مُلحق بمؤخرتها , دائماً تكون مؤخرة المرأة إمكانية تأويل لاتفسير , ترى المرأة أن قدرتها على الاستمرار تتوقف على حسن إدارتها لمؤخرتها  *الخنثوي مالك سرّ المرأة أكثر من المرأة نفسها.
عن صحيقة ” الحقيقة ” العراقية اليومية 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…