آرام ديكران, هل هو فنّانٌ كرديّ أم أرمنيّ أم أمميّ؟!

  نارين عمر

تلفّنا المتعةُ, ويحضننا الزّهو والإعجاب ونتمايلُ نشوة وطرباً ونحنُ نصغي إلى صوتِ آرام ديكران الذي  ينطقُ بعدّة لغاتٍ وعدّة لهجات, وكأنّه يقول لنا:
أنا قادرٌ بواسطةِ صوتي وغنائي أن أوحّد شرائح كبيرة وواسعة من شعوب العالم, وأنتم ماذا تفعلون؟

قبل فترةٍ بثّت فضائية كرديّة حفلة مصوّرة لهذا المبدع وفيها غنّى بالسّريانيّة والأرمنيّة والكلدانيّة والعربية ومن ثمّ منحَ الغناء بالكردية ما تبقى من الحفلة, ما جعلنا ننحني له إجلالاً ووقاراً, ننحني لإنسانيته ولروحه المسالمة, ولنبضه الذي سيظلّ يتدفّقُ بالحبّ والسّلام والإخاء للبشر, لكلّ البشر.
غنّى لّلغةِ الكرديّة التي لا تُعتَبرُ لغته الأمّ في عرفنا المجتمعيّ والّلغويّ, ولكنّه عبّر عنها بقدرٍ يعجزُ الكثيرُ من أبناءِ الكرد التّعبير عنها بكلماتٍ بسيطة ورقيقة, وبلحنٍ هادئٍ وسهل الولوج إلى النّفس والرّوح.
Letîf û naze û xweş awaze Zimanû kurdî)).
هذه الّلغة التي أحبّها بصدق وأخلصَ لها, فاحتضنته بدورها بعشقٍ ووفاء حتى صيّرته إلى أحد أعمدة الغناء الكرديّ خلال النّصف الثّاني من القرن العشرين وحتى السّنوات العشرةِ الأولى من القرن الواحدِ والعشرين, وعرفاناً بالجميل نقشتْ حروفَ اسمه, وخصلاتٍ من صفاءِ روحه, ونغماتٍ من فيض عشقه في صدارة قلبها ونضارة فكرها بأحرفٍ من مداد الخلد. 
الفنّان آرام أوصى أن يُدفن في العاصمة الكردستانية (آمد), فهل هناك إثباتٌ أكثر حميمية ووفاء للكرد من هذا الإثبات؟! وهو الذي أفنى معظم عمره المديد في خدمةِ الغناءِ والفنّ الكرديّين؟! أبى إلا أن تكونَ أرض الكرد حاضنته ومعشوقته ومؤنسه في رحيله إلى العالم الآخر, كما كانت أرضُ الكرد ملهمته وحبيبته في عالمنا هذا.
ويبقى السّؤال حين نتحدّثُ عن آرام ديكران أن نقول عنه:
الفنّان الكرديّ, أم الفنّان الأرمنيّ, أم الفنّانُ الأمميّ آرام ديكران؟! ألا يدلّ ذلك خير دلالةٍ على مشاركته حمائم السّلام في بثُ روح السّلم الإنسانيّ في النّفوس؟! ألا يعني أنّه كان يشاركُ عشّاق العالم في عشقهم وصفائهم في مختلف أمكنةِ وأزمنةِ تواجدهم؟! ألا يدلّ على أنّه كان أحد سفراء الفنّ في العالم وللعالم؟! وألا يُعتَبر بصدقٍ أحد سفراء الغناءِ والفنّ الكرديّين إلى بقاع واسعة من كوننا الفسيح؟!
ودّعنا جسد آرام ولكنّ ابتسامته وهو يغنّي لم تفارقنا ولن تفارقنا, وصوته السّلس لم يودعنا, وحضوره القويّ كإنسان وفنّان سيظلّ سارياً في وجداننا وشرايينا.
إذا كان تكريم الفنّانين الكرد وفنّاناتهم الأصليين واجباً مقدّساً يقعُ على عاتق الجميع, فما هو واجبنا تجاه هذا الفنّان الكرديّ روحاً وعشقاً ولأرمنيّ أصلاً وعرقاً, مع التّأكيد على روابط الأخوّة والحضارة والتّاريخ المشترك بين الشّعبين الكرديّ والأرمنيّ.

آرام ديكران, بصوته وأدائه اللذين سكنا في عمق مشاعره وعذوبة فكره تحوّل إلى حمامة سلامٍ نشرَ من خلالها مئات رسائل الدّعوة إلى السّلام الإنسانيّ والتّآخي والمحبّة بين بني البشر, وبين سائر الكائناتِ الأخرى.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاوره: ماهين شيخاني

 

من أجمل الأصوات المميزة على الساحة الغنائية ،ذو نبرة جبلية صلدة كصخور جبال كردستان،ثم تراه كبلبل صداح يغرد بعذوبة لا يضاهيه سوى عذوبة انهار كردستان، وهبه الله

حنجرة ذهبية ليبدع بها تلك الأغنية الفلكلورية الرائعة (أسمر) و التي غنتها العديد من المطربين

من أمثال الراحلين محمد عارف جزراوي و رفعت داري وغيرهم ،انه بحق أعطى…

صبري رسول

 

توطئة للفسحات:

يهندس خالد حسين أشكال الحب في قصيدة: واحدة، في مجموعته رشقة سماء تنادم قلب العابر الصادرة عن دار نوس هاوس بداية 2025. المجموعة عبارة عن أربع فسحات، وهي الفهرسة الهندسية الخاصّة التي تميّزت بها، أربعة أقسام، كلّ فسحة مؤلفة من أربع فسحات صغرى معنونة، وتحت كل عنوان تندرج عدة مقاطع شعرية مرقمة وفق…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “ليالي فرانشكتاين” للروائيّ والفنّان الكرديّ العراقيّ عمر سيّد بترجمة عربية أنجزها المترجم ياسين حسين.

يطلّ عمر سيّد “ليالي فرانكشتاين”، حاملاً معها شحنة سردية نادرة تمزج بين الميثولوجيا السياسية والواقع الجحيمي، بين الحكاية الشعبية والتقنيات المعاصرة، ليقدّم نصاً مكثّفاً عن الجرح الكردي، وعن الوطن بوصفه جثةً تنتظر التمثال المناسب كي تُدفن…

عبد الجابر حبيب

 

يا لغرابةِ الجهات،

في زمنٍ لا يعرفُ السكون،

وعلى حافةِ قدري

ما زالَ ظلّي يرقصُ على أطرافِ أصابعي،

والدروبُ تتشابكُ في ذاكرتي المثقوبة،

ولا أحدَ لمحَ نهايتَها تميلُ إلى قبري،

ولا حتى أنا.

 

على الحافة،

أُمسكُ بزهرٍ لا يذبل،

يتركُ عبيرَه عالقاً في مساماتِ أيّامي،

كأنّه يتسرّبُ من جلدي

ثم يذوبُ فيّ.

 

الجدرانُ تتهامسُ عنّي،

تعدُّ أنفاسي المتعثّرة،

وتتركُ خدوشاً على جلديَ المتهالك،

كأنّ الزمنَ

لا يريدُ أن…