مسرحيتان ساخرتان «أهلاً جحا، عفواً مموزين»

  في كتابه الجديد الصادر حديثاً عن دار الزمان بدمشق والذي يحوي مسرحيتين(أهلاً جحا ، عفواً مموزين) هما عنوان الكتاب،يختار الكاتب المسرحي أحمد اسماعيل اسماعيل السخرية المرة أسلوباً في معالجته لقضايا حياتية راهنة، وذلك من خلال الاستفادة من شخصيات تراثية شعبية لها حضورها الطيب والعميق في وجدان وذاكرة الناس،فجحا الذي يرمز إلى الطيبة والنقاء والصدق يستدعيه الكاتب من زمن الحكايات الجميل ليكشف،ومن خلال جملة من المفارقات والطرائف والمشاهد الساخرة،مأساوية واقع فيه البلادة والنفاق واستبدال النهيق بالصوت ..علامات فارقة بامتياز.

وحكاية هذا النص تدور حول ملاحقة جحا لحماره الذي فرّ من الزمن الماضي باحثاً عن زمن يناسبه،زمن ومكان يكون النهيق فيهما سمة مطلوبة، وليس مرذولة كما في أماكن وأزمان أخرى،الأمر الذي يرفضه جحا ويؤكده الحمار
وفي كل مرة،وعلى مدى أربع لوحات،تثبت الوقائع والأحداث صحة رأي الحمار،ويتهم جحا الرافض لهذا الواقع ،بالزندقة والكفر والغوغائية والخيانة..حتى يلقى حتفه شنقاً.ويذكر أن هذه المسرحية قدمت في برنامج شؤون مسرحية الذي تبثه الإذاعة السورية مساء كل سبت،كما قدمتها إذاعة الجزائر في حلقة إذاعية في نهاية العام الفائت،وقدمته أيضا شبيبة حلب في آذار من هذا العام.
أما المسرحية الثانية عفواً مموزين والتي استفادت من تقنية المسرح داخل المسرح،فتدور حكايتها حول فرقة مسرحية يتم إيقاف عرض مسرحيتها (النقيب كوبنك) للكاتب الألماني كارل تسوكماير.بحجة أنها تتناول موضوع رجل جُرد من الجنسية،الموضوع الحيوي الذي يثير حساسية السلطات،فتطلب من المخرج ارتجال أي عمل آخر للجمهور . يحتدم نقاش حاد بين المخرج والممثلين سالار ونالين لاختيار النص المناسب للجمهور،وغير المثير لغضب السلطات،وبعد الوصول إلى حل هذه المعادلة الصعبة،والمتمثل في تجسيد حكاية مم وزين، العاطفية الخالية من الشوائب السياسية،سرعان ما ينكشف الوهم للمتلقي أولاً،ومن ثم للممثلين، وذلك بسبب إنزياح موضوع العرض عن موضوع الحكاية الأصلية، وبدل تقديم حكاية حب رومانسية،يعالج العرض موضوع المجردين من الجنسية وقهر الثقافة الكردية والتشرذم الحزبي وعقلية الاستهلاك والموقف من المرأة،مواضيع هي بكو آخر،غير بكو عوان،الحاضر في دواخلنا، الفاعل في حياتنا البائسة.نص تمتزج فيه الضحكة بالحسرة وبالألم،نكأ الكاتب فيه جرحنا الذي لا يكف عن النزيف.
مقطع من اللوحة الثالثة لمسرحية “أهلاً جحا”
     (يقود الحمار جحا من يده ويبتعد بسرعة عن المكان. يقفان أمام مكتب آخر)
الحمار : امش.
جحا  : (يقرأ لوحة المكتب) مكتب مناهضة الحيونة.
الحمار : امش يا صديقي.
جحا  : جبهة، ومكتب، ما الفرق بينهما يا حمار؟ 
         (يرتقي مهرج شاب مكاناً مرتفعاً، يخاطب الجموع المتجمهرة أمام المكتب)
المهرج : أيها السادة، أقول سادة وأنا على يقين تام بأنكم سادة من خيرة البشر، وما هذا الوباء الذي أصابكم، سوى نتيجة العيش سنوات وسنوات في الحظائر وممارسة العنف بحقكم وبحق أسلافكم من قبلكم.
           (يتحسس جحا جسده بألم، ويطلق أنة موجعة)
جحا   : العنف!! 
المهرج : ولاشك أن الخلاص من هذا الوباء لا يكون بكمِّ الأفواه والأنوف.
جحا   : هذا صحيح.
المهرج : وإغلاق العيون والآذان، أو أي فتحة في الإنسان.
جحا   : (بحماس) أحسنت.
الحمار : اصمت يا صاحبي.
جحا   : (يصفق) لا فض الله فوك.
الحمار : ماذا دهاك يا أخي؟
جحا   : لا تقل يا أخي، أنا إنسان، وسترى الآن.
الحمار : (بضيق) حسن يا إنسان.
جحا   : أنا جحا، جحا الإنسان يا صديقي العزيز.
المهرج : ولا بدَّ من البدء بعملية معالجة هذا الداء: داء الحيونة. وبأسرع وقت ممكن.
جحا   : (بإعجاب ) عظيم.
المهرج : وقد حصل مكتبنا على العلاج الفعال لهذا الداء الذي استفحل في مجتمعنا.
جحا  : رائع!
 أصوات : (بفرح) هيه..
المهرج : والآن. سيختار مساعدي من بينكم حيواناً.. أقصد: أحد المصابين بداء الحيونة وسيكون ممن تمكن الداء منه تمكناً قوياً.
            (يجول مساعد المهرج بين المتجمهرين يتفرس في وجوههم، يدفع جحا الحمار نحوه بحماس)
الحمار : ماذا تفعل؟!
جحا    : تقدم يا صاحبي، هيا.
الحمار : ولماذا أتقدم؟
جحا   : ليعالجوك. وقد تصبح إنساناً، من يدري؟ إنه زمن العلم والعولمة، وليس الحيونة.
الحمار : لا أريد أن أصبح إنساناً، لا أريد أن أغير أصلي يا أخي.
جحا   : سنصبح أخوة يا حمار.
الحمار : لا.
             (يقترب منهما المهرج، يتفرس في وجه الحمار، يقرص جحا الحمار ويدفعه نحو مساعد المهرج)
جحا   : هيا يا صديقي، إنها فرصتك.
الحمار : لا.
جحا  : ستندم يا حمار.
الحمار : لن أفعل.
جحا  : (بحنق) حمار أصيل.
     (يتفرس م. المهرج في وجه جحا، يقبض على يده ويسحبه من وسط الجموع)
          (باستغراب واستنكار) هيه.. ماذا تفعل؟ أنا جحا ولست..ماذا تريد؟!  لماذا تحدق في وجهي هكذا ؟!
    (يدفع م. المهرج جحا بقوة فيسقط أرضاً، يحاول النهوض غير أن المساعد يجبره على البقاء في وضعية الوقوف على القدمين والرجلين، يدور حوله ثم يقبض على إحدى يديه)
        ماذا تفعل؟! لست حيواناً.. أنا جحا. إنسان مثلك.
م. المهرج : انهق.
جحا   : أنهق؟!
م. المهرج : أطلق صوتاً. قل: آآآ.
مقطع من مسرحية “عفواً مموزين”
           (بعد لحظة صمت قصيرة .يكمل أداء دوره كمن لم يسمعها )
فوجت : أنا أريد مغادرة البلاد مرة أخرى، وأؤكد لك أنني لن أعود في المستقبل القريب، ويمكنك أن تراهن على ذلك بحياتك، لن أعود في المستقبل القريب، فقد اكتويت بناركم بما فيه الكفاية (ينفعل) لقد اكتويت بناركم بما فيه الكفاية، بما فيه الكفاية.. قولوا لي بربكم إذا كنت قد سجلت بيتي وكل ما أملك باسم رجل آخر فكيف سأسجل زوجتي باسمه؟ كيف يا ناس ؟!
            (يزداد انفعاله، تصفق له الفتاة)
الممثلة :  أحسنت يا فوجت، يا نقيب كوبينك، الآن أيقنت أنك السبب في منع العرض.(تقلده) اكتويت بناركم بما فيه الكفاية..وهذا  الكلام الذي أضفته من عندك.
الممثل  : إنها الحقيقة.
الممثلة  : أنت تمثل دورك يا صديقي.. وليس دور فوجت.
الممثل  : أمثل دوري؟ هذا صحيح، لو تعرفين ماذا يعني أن يكون الإنسان مجرداً من الجنسية ؟
الممثلة : أعرف .
الممثل  :(بحسرة وشك) ربما،ولكن لا يمكن أن تحسي بمعاناتي يا.. (بسخرية مرة) مواطنة.
الممثلة : إنها معاناة الآلاف يا سالار. وستكون غداً معاناة أطفالنا.
الممثل : مساكين، ستكون معاناتهم مضاعفة وهم يحملون هذه الصفة :أجنبي… أو مكتوم. (بقهر) مكتوم.
الممثلة : (بتأثر) لقد جعلتنا ننسى الجمهور الذي ينتظرنا في الخارج.
    (تنظر من خلف الستارة، تصاب بالهلع بعد أن تلقي نظرة سريعة إلى الخارج)
الممثل  : ماذا حدث؟
الممثلة : الجمهور!
الممثل  : ماذا حدث له؟ هل غادر المكان؟
        (يسترق نظرة نحو الجمهور، يصاب بالدهشة والخوف، يتراجع) يا إلهي !!
الممثلة : أنا خائفة.
          (يدخل المخرج)
المخرج : (بعد صمت قصير، بضيق) لقد منعوا العرض.
الممثلة  : والجمهور؟
المخرج : قالوا لي: دبر رأسك، اصرف الجمهور بمعرفتك.
الممثل  : وهل شاهدت الجمهور؟
المخرج : (بقلق) نعم.
الممثل  : ألم تلاحظ شيئاً؟
          (المخرج ينقل نظراته بين الاثنين بحيرة وقلق)
المخرج : بلى، لاحظت.
الممثل  : ما الذي أصابه؟
المخرج :إنه الاحتقان.
الممثلة  : أنا خائفة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…