بانوراما الغربة

محمد عارف الباجني

دغدغَ الضوءُ جفوني
هاتكاً سترة الصمتِ
فجلستُ على سريري
نصف مستيقظٍ
أُلملِم شتات أفكاري
أبحثُ عن حجةٍ

تُبرر قذارة قراري

نظرتُ إلى الساعة المعلقة
كأنها جُنتْ

قلتُ: تباً لعقاربكِ
ألا تعلمي انه الفراق
أرجوكِ لا تُأججي ناري
قالت: أخافُ عليك من
نفسك
قلتُ: نفسي دمرته
أفكاري
ونهضتُ وكأن ساقاي
بها حديدٌ ثقيلة
وعند تلك اللحظاتِ
كَشَفتْ الحياةُ عن ثوبها
فكانت قبيحة مشوهة
وهمستْ في أُذني: دمرتُكَ
فأنت من منجزاتِ اختياري
لا طعم  لها ولا لون
 ولا قداسة
 ولا أمان
 عيوني مبللة
قلبٌ يخفقُ, وكل شيء
يدور وأفكاري تُصارعُ أفكاري
تجولتُ في جُنباتِ الغرفة
أبحث عن ذكريات قديمة
صورٌ ممزقة
كلامٌ كتبناه
حروفٌ نقشناها
حتى أحمر شفاهكِ
حتى بقايا محارمُكِ
ضحكاتُكِ
بُكاءكِ
والطيرُ يناديني
والشمسُ تناديني
حتى أعمدة الغرفة تناديني
بعتَ تُراثَ أمكَ
بعتَ حبيبتُكَ
بعتَ تُراب الوطن
من أجل دولار
حتى فقري
 وجيوبي الفارغة
 وقمصاني المقطعة
 وسروالي
 وحذائي العجوز
يصرخون
نحن أحنْ
من الغُربة  فعُدْ إلى رُشدِكَ
 وان لم تُصدقنا
فاذهب إلى بيتِ والدكَ
سترى محْراثهُ القديم
ومنجلهُ ونولهُ
وبقايا بردعة حماره
الصحنُ الصغير
كانوا يغمسون فيه
الخُبزَ اليابسَ بالماء
وبعد ذلك اُنظر
إلى قلب أمك
سترى أنها
تاريخٌ من الوفاء
ومدرسة
ورمزاً
قهروا الفقر
بقوتهم
فكانوا خير مثالي
وفي عجالة
وأنا حاشراً
أصابعي في آذاني
                           
حملتُ من فوق خزانتي حقيبتي
وأنا أسقُطُ في هاوية
لا أعلم عمقها
آه000 آه
يا حقيبتي
ماذا ستسع حقيبتي
أحمُلُ فيها أفكاري
خطايَ … أوزاري
مشطي… كحل أمي
خصلات من شعر حبيبتي
رسالة أهديتُها
في عيد المعلم إلى انسيتي
لفافة أبي
عُكازةُ جدي
جزءُ العما
نطاقُ أختي
وفقراتَ من ظهر أخي
وناقص واحد
من عشيرتي
ونظرات جارتي
هل نسيت شيئا
ربما خانتني ذاكرتي
  ********
وقرع الرجوج
ليعلن خاتمتي
بعد قليل سأجوبُ
على المطاراتِ
حاملاً حقيبتي
بعد قليل
ستغدو عيناك ذكريات
سيغدو وطني ذكريات
سيغدو بيتي ذكريات
وسأغمضُ جفوني
لأتخيل صورتكِ
وخوفي من أن تكون باهتة
لأن دموعي ستحجب رؤيتي
انظر خلفه
مثل ناظرٍ من وراء زُجاجٍ مُكَسَر
أُشاهدكِ
وقد غطت غشاوات الكون
على صورتكِ
لا تبكي
فأنت طعنة في خاصرتي
بعد قليل سأجوب المطارات
باحثاً عن وطنا
وسأتسكع على أرصفة
من حجر
أترجاهم كي يمنحوني
اسماً  00 هوية 00  سكناً
 وحصيرة
أو قطعة رصيف, أنامُ عليها
وتتشكل محكمة
لكي يثبتوا إني بشر
ربما فحصوا
الحمض النووي
ثم يفتشوا بين شعري
وسروالي  عن
قنبلة أُخبأها
أو عن فكرة أحملها
والجريمة  التي لن أعترف
بها أمامهم: وطني
اسمُ أمي
اسمُ أبي
ديني
حبيبتي
وأخيراً ترق قلوبهم
ليمنحوني
كوخاً عفناً
واسماً, ربما
جورج
أو جاك
أسجل على قيود
الدولة
لأني ابن لقيط
وسامحني يا أبي
أجبروني أن اُمحيك
من ذاكرتي
وأمي في نظرهم
غاوية حملتني
سفاحا, يا لروعة غربتي
وتنهالُ عليّ
طلبات من كل صوب
وأخيراً, لقيتُ عملاً
منظفاً لمراحيضهم
أو غسالة لثياب نسائهم
أو مُدلكاً
لزانياتهم
أو مغيراً لحفظات
أطفالهم
وراعياً لكلبٍ أو قطة
أو إذا تحسنت أحوالي
فأراً في مخابرهم
ومن بعيد يأتي صوت
أمي, أختي, خالتي
ابني أوربياً
وربما أعود
بعد سنين
قد تغير عنواني
أو قصة شعري
ولساني اوكي
يس
ياه
كود
أو لمعان اليورو
من جبيب قمصي
أو سيجارة فاخرة
بين شفاهي
وأطيلُ المكوثَ في الحمامِ
لا لشيء
بل لأُزيل كم وساختي
وأضع جميع
أنواع العطور
آه لو تعلمون
لتغطي على عفونتي
وقلبي يبكي, دون
دمعٍ,  فقد أُعلن
من يوم رحيلي
نهايتي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…