أزمة تثقيف أم أزمة كتابة

حسن اسماعيل اسماعيل

قد يكون عنواني هذا طفيلياً بقدر ما يحمل في مكنونه واقعاً ملموساً يعيشه الكاتب الكردي وليس المثقف فمفهوم الكتابة تحول ضمن سياقات المد الحضاري وانتشار أجهزة الأعلام المباشر ولا سيما مواقع النت إلى المنفذ الذي يلجأ إليه كل من امتلكته رغبة الظهور دون تقدير لقيمة الإنتاج الكتابي

القصائد الشعرية تتوالى وتتحول إلى مجموعات ودواوين ثم يأتي الناقد الفلاني فيبين القيمة الفنية والجمالية للقصائد دون أن يكون للقصائد قيمة سوى رابطة المجاملة ودون أن يكون ناقدنا العظيم في مستوى تقييم أعمالنا التي لم تتجاوز كونها أشبه بثوب حاولنا تفصيله دون أي خبرة أو إتقان لمبادئ الخياطة
قرأنا مجموعة أو مجموعتين ربما لمحمود درويش أو ربما للماغوط  ربما لسليم بركات ثم هبطت علينا ملكة الكتابة الشعرية لنبدع أجمل الصور والمقاطع الشعرية .. لم نسترق السمع ولم نحرق الليالي للاستماع إلى إبداعات هوميروس وتراجيديات اسخليوس لم نحاول أن نعانق تهاليل رامبو وبودلير ومالارميه ونشوى كلمات سان جون بيرس لم نتحد مع حمزاتوف في داغستانياته العبقة برائحة عشق الوطن ولم نجادل بوشكين في عواطفه
لم نعرف رائحة دم الشهادة في قصائد لوركا ولم نعانق وطنية ناظم حكمت ولم ندرك من أين استمد طاغور حبه للأرض والأم
لم نستلهم صوفية الجزري وظلال أحمد خاني لم نسكر مع الماغوط لنستلهم روح سخريته المؤلمة لم يكون بمقدورنا أن ندرك كم من الجهد بذل أدونيس مستهلكاً سنين عمره ليبدع كل هذه الحداثة والثقافة
تفاخرت قصصنا وروايتنا متوجة بالإبداع اللامتناهي كلنا أمراء متوجون في مملكة القصة والرواية ولكن يا للمأساة عندما أقرأ لميلان كونديرا أو لبارغاس الجملة التالية (وبالتأكيد لقد قرأت الرواية الفلانية للكاتب الفلاني) الأسماء كثيرة ولكن ولحظنا السعيد لم نعرفها لم نتعرف على دون كيخوت قمة الإبداع عند سرفانتس سوى في أفلام الكرتون ولم نتعرف على زوربا اليوناني وهو يرقص على إيقاعات نيكوس الروائية إلا من دعته سياسة الفضائيات إلى تشخيص أنتوني كوين له
نعم أعزائي لم نعانق أجنحة بورخيس الخيالية ولا عوالم ماركيز القادمة من أعماق الكاريبي
تجاوزنا حيدر حيدر في ولائمه البحرية ومحفوظ في حاراته المتعرجة كأخدود السكين في عنقه وحليم يوسف وزكريا تامر والعشرات ممن وضعناهم بكتاباتهم المملة حسب ذوقنا الرفيع على الرف لأنه لا وقت لدينا  سوى للكتابة لنقدم لهذه البشرية قمة إنتاجنا العظيم كسور الصين كل ما نكتبه عظيم ويستحق التمجيد نعم أيها الأعزاء فأنا الكاتب الفلاني وأنت الروائي الفلاني وهي الشاعرة الفلانية وكلنا كتاب بامتياز في مملكة الوهم وفي مشافي البارنويا (العظمة الكاذبة)
كثيرون لبسوا رداء سليم بركات ولكن للأسف كم كان فضفاضاً على أجسادهم حتى اضطر سليم  أن يقضي أيامه متصومعاً في عزلته اللامحدودة
انه نفس المرض نعاني منه جميعاً مرض فكرٍ وثقافة وأزمة قراءة فكم من الوقت سنحتاج لنمتلك المصل المضاد أرجوكم اخبروني

Hassankurd1978@hotmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…