مع الكاتب الساخر داريوس داري

حسين أحمد :
Hisen65@gmail.com

نص الحوار :

درايوس داري بداية من أنت..؟ وكيف بدأت بكتابة المقالات الساخرة ….؟؟ ولماذا هذا المذهب من الكتابة تحديداً .؟ ؟

داريوس : أكتب لأستمتع وأنجز ما أؤمن به. أكتب بأسلوب ساخر تحتوي على معلومات وحلول للمشاكل وليس الشتائم والصراخ والعويل والبحث عن الشعبية الرخيصة. أكتب ما أحس  فيه منفعة للناس ويمكن أن يساهم في أي نجاح بسيط  حتى على مستوى الإحساس بالرضا من نوعية المقال. أكتب ما أؤمن به بدون رقابة داخلية وبدون رتوش كوني انتمي إلى برج الجدي لا أحب الثرثرة والضجيج والفوضى ولا أحب تغيير شكلي مثلا صبغ الشعر أو اعتمار قبعة أو احمل الپايپ في فمي ,اصرخ بأعلى صمتي وانظر بعيني الثالثة إلى الوجوه المقنعة والرؤوس الحافية  ..؟ وفي داخلي جوقة موسيقية تعزف أجمل الألحان حتى وأنا نائم.
 همساتي هي مسيرتي في الدرب الصحيح ولكن أمامي الكثير.

 أما كيف بدأت بكتاباتي الساخرة فأنا ساخر منذ ولادتي وربما قبل ولادتي عندما كنت أمياً 
هل يحتاج راهننا إلى كتابات ساخرة أكثر مما هو ساخر وساخن ..؟؟

داريوس :  منذ البداية عندما تحول الإنسان من قرد إلى بني ادم من هنا بدأت السخرية والنطق معاً و لعدم وجود وسائل الإعلام مثل التلفاز والموبايل والانترنت .  الكتابة الساخرة لا تسخر من الحياة ذاتها باعتبارها قيمة إنسانية نبيلة بل تسخر من كل ما هو سلبي وأناني ومن كل من يحاول الإساءة إلى نبلها وتدنيس طهارتها والاعتداء على براءتها. ومما يدعو للسخرية أن ندرة الكتاب الساخرين في العالم أشبه بإمطار مواسمنا قليلة جدا  ، بينما الكتاب المكتئبون أكثر من ماء المحيط .والسخرية سلاح الروح العظيمة لقهر المتاعب. تشابه الأدب الساخر عند كثير من الشعوب وبخاصة تلك المتقاربة جغرافياً التي تتقاطع في نصوصها الساخرة هموم مشتركة ومشاكل متشابهة.والأدب الساخر أدب عالمي لا يخلو منه تراث أمة حية..  فالإنسان أينما كان يعالج نواقصه عندما يسخر منها وكثيرون من الناس يؤمنون بأن السخرية إحدى الطرق لتغيير الواقع، أو هي أحدى أشكال المقاومة، والأدب الساخر لا يقصد الإضحاك فقد, بل له أهداف وغايات من أهمها: الحفاظ على قيم المجتمع العليا، تكريس السلوك القويم، تعديل مجرى اتجاه متطرف.. لأن السخرية تهاجم دائماً التصلب في الفكر والطبع والسلوك ساعية لجعل طباع المجتمع أكثر مرونة كما أن السخرية تترجم حالة روحية حين تنحرف القيم ويسود الزيف.

إلى أين يمضي المثقف الكردي في غور هذا الراهن المصدوع ..؟؟

داريوس :  يمضي من صدع إلى صدع حاملا روحه على كفه ولا يفكر في اللحظة التي تزل قدمه ليسقط في أحدى حواف هذه التصدعات التي لا حصر لها , ربما لأنه يحلم بالخلاص والحلم حق مشروع للجميع ,إذا كان واقعنا مصدوع فقد فاتك معرفة سبب وجود هذا الصدع, سوف أتبرع لله بالله وأخبرك به , وأقول إن ثقافتنا ولدت مصدوعة فأنجبت بدورها مثقفين وسياسيين مصدوعين خلقة , وفاقد الشيء لا يعطيه , اشك في وجود شخص مثقف في حوض المتوسط الشرقي وان كان السباحون كثر في أمواج الثقافة . 

كيف تنظر إلى كتاب السخرية في عالم العربي (محمد الماغوط) مثلا.؟

داريوس :  ماغوط العظيم له مكانة خاصة عندي أحب جميع أعمالة من مسرحيات ومقالات وشعر وعند زيارتي له قبل أن يذهب إلى دار الحق, خجلت أن أقول له بأنني كاتب ولكن قلت له إنني معجب بكل كلمة كتبتها وبعد لقاءنا القصير بسبب مرضه . وقبل أن أودعه أهداني احد أعماله العظيمة وهي  مسرحية بعنوان : خارج السرب .أما نظرتي للكتاب الساخرين في أي مكان في العالم . اغني مع الجوقة التي في داخلي عندما أقرأ شيء ساخر بحق وحقيقي .

إذا كنت تريد أن توجه بعض النصائح إلى المثقفين في سوريا فماذا تقول لهم .. ؟

داريوس : أستاذي الكريم أنا لست ببائع النصائح . لكن كلمة مختصرة للسيد الذي يدعي الثقافة , إذا كنت تنوي استخدام ربطة العنق أو نظارة سوداء فحذار أن تمشي وهامتك مرفوعة , لا لشيء بل أخاف على نظاراتك من أن تقع في المجاري , لان مجاري مدينتنا أبوابها مفتوحة في كل المواسم فاحذر يا صاح …! لاحظت أن كل من يتحدث عن الإبداع.. لا يكف عن مطاردة الموهوبين.. حتى أنني أجد الموهوب يحارب الموهوب، بينما المفروض أن يكون كلاهما كالبنيان المرصوص. أما الفاسد فهو حليف الأكثر فساداً والجاهل يحمي ظهر الأكثر جهلاً.. وأصبح طبيعياً أن يتضامن الكذابون، ضد من يبحث عن أي حقيقة.. وبلغ الأمر حد أن يشتموا بعضهم البعض عبر المواقع الالكترونية مع كل من تظهر عليه أعراض الأمانة والشرف والجدية والعلم..

ذكر مسئول كردي : بأن حقوق المرأة في حزبنا مصانة بدرجة لاباس بها ,لهذا ان عدد أعضاءه من الإناث تفوق عدد الذكور إلى أي درجة أنت متفق مع هذا الرأي .

داريوس :  والله يصرح أو يرقص أو يغني هو حر .لان شهادة حسن سلوك المرأة ليس مطلوباً من القياديين أو من المحاميين أو من موظفين البلدية أو من كتاب الساخرين . الرجل يكثر الدفاع عن المرأة , وبحماس شديد ويبذل جهودا مضنية في الدفاع ومحاولة التبرير والإقناع , إنه ولا شك مدفوع بإحساس الذنب فهو إزاء هذه الامتيازات يشعر في قرار  نفسه إنه ظالم وإنه مذنب ولكن نفسه لا تطاوعه على التنازل عنها وإلغائها , فالتنازل عن امتياز وإلغائه من جانب صاحبه يتطلب قوة نفسية وشجاعة أخلاقية ، واضح أنها لا تتوفر لدى الإمبراطور أي ( الرجل ) وإلا لكان قد فعل , ولكن دعني أسألك هذه المرة هل أنت متأكد إن حقوق المرأة في هذا الحزب مصانة .. أم !

مؤخرا ً كتبت كومة من مقالات ساخرة وتعرضت فيها بنقد لازع لهذه التجربة الكتابية الفريدة فماذا تقول في ذلك ..؟

داريوس : اخترت السخرية وسيلة لإيصال هواجسي الإنسانية. لا أتقن اللغة الصعبة بقواعدها الجامدة المقعرة بل أتعامل مع لغة بسيطة , لذلك أنا في حل من حالات الجر و الرفع و النصب و لا يهمني بعد ذلك تزمت نواطير الكلام و أرباب البلاغة.  ارسم بالكلمات حياتنا المليئة بالتناقضات و المناوآت لي خصوصيتي الأدبية المستمدة من تجاربي المتواضعة في حياتي اليومية .لا أشبه أحدا ولا أستعير صوت أحد . ولا انظر إلى العالم من ثقب إبرة  بل افتح عيني على اتساعهما لأقول: احذروا أيها البشر . الحياة قصيرة فلا تضيعوها في.القيل و القال و الغيبة و النميمة . ارتشفوا زلالها و امنعوا لصوص الليل و النهار من دخول دوركم و أحيائكم , سيجوا أنفسكم بالصدق و النزاهة فلا مستقبل للبهلوانات و فرسان الهواء . إنها حياتكم جملوها بالحب…

هل من الممكن أن تشارك ككاتب ساخر في امسية ثقافية بأسلوب ما.

داريوس : إن وجدت كما تسميها أمسيات ثقافية فلا مانع لدي أن أشارك فيها , بل بالعكس التفاعل الحقيقي لا يحدث  إلا إذا كان هناك تواصل مباشر بين الكاتب والجمهور, كمسرحي بالأصل أجد أن الأمسيات ضرورية إذا توفرت شروطها المناسبة .

ما حكايتك وزاكروس مع  الحمار هذا الحيوان الأليف الذي تمكن بجدارة ان يحصل على مكانة بارزة في كتاباتكم كيف تفسر ذلك . يبدو أن للحمير منزلة عزيزة عند الكاتب داريوس داري . فماذا تقول في هذه التجربة الحنونة..؟

داريوس : المشكلة مشكلة المفاهيم الستاتيكية التي لا تتغير في ثقافة الشرق , حيث الناس يتحسسون من الحمار ومن الحذاء , ولكن هذه المفاهيم ليست كما نفهمها لدى أتباع الثقافات الأخرى , فهي محل تقدير واحترام , بل يتخذونها رموز وتمائم وشعارات , ولا مشكلة في ذلك , أنا وزاكروس ننظر إلى الإنسانية كثقافة واحدة , ومن هذا المنطلق نحترم الحمار وكذلك الحذاء , بعد أن فقدنا الثقة بالبشر , لذلك وضعنا معا مسودة (جمعية الحمير) , وبعد الانتخابات لرئاسة الجمعية تعادلت النتائج لدينا , لذلك انسحب زاكروس من رئاسة الجمعية لتستمر حتى الآن , وهناك الكثيرون يقدمون طلبات الانتساب ونحن نرفض.
يقولون: إن الحمار لا يفهم… فهل أنتم تفهمون شيئاً مما يحدث حولكم؟!..  إنه قنوع وصبور ولا يطلب أكثر من طعامه التبن والشعير. ويعيش في سلام مع نفسه ومع من حوله ليست له أطماع, هل سمعتم عن زعيم من زعماء الحمير يأمر جحشا بأن يفخخ نفسه ويذهب إلى أحد الاصطبلات ويقتل جميع من فيه بسبب اختلاف الرأي . ؟ هل سمعتم أن حماراً رجم ابنته البريئة حتى الموت فقط لأنها أحبت حمارا من غير دينها, هل وجدتم حماراً يطلب رشوة من أجل أن يؤدى عمله..هل سمعتم أن هناك حمارا نصابا أو يحتكر سلعة ويبيعها في السوق السوداء ..

أخيراً هل لك منافسين في كتابة المواضيع الساخرة هنا في سوريا – كردياً ..؟؟

داريوس : بالتأكيد يوجد منافسين لكن ليس بحجم المتنافسين على شراء محلات الموبايل في عامودا, ولكن الكتابة الساخرة مثلها مثل الموبايل فيها الأصلي الياباني وفيها التقليدي والمزيف, والقارئ يدرك ماذا يختار, لذلك المنافسة لا تشكل لي أي مشكلة …. وللتأكيد على جوابي بإمكانك أن تسأل (بابوش الاسكافي) الذي كان من أهم الساخرين في مملكة شرمولى… رحمه الله…..! ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·        داريوس داري : كاتب ساخر

·        من مواليد : عامودا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…