نساء تركيا الكرديات على أبواب انعتاق من الظلم الاجتماعي والسياسي… وجمعياتهن تنشط

دياربكر (تركيا) – هوشنك أوسي

في 4/5/2009، حدثت مجزرة مروّعة في قرية «زانقرت – بيلكه» الكرديّة التابعة لمحافظة ماردين، جنوب شرق تركيا، راح ضحيّتها 44 شخصاً بينهم نساء وأطفال. سرعان ما نسب الإعلام التركي هذه الجريمة إلى حزب العمال الكردستاني. واتضح في ما بعد، أن الضحايا والجناة، هم أقارب ومن عشيرة كرديّة واحدة. وأن هذه العشيرة تحمل سلاح الدولة، وتعمل لصالح الجيش ضد «العمال الكردستاني». وبعد انكشاف الأمر، أحالت الدولة والإعلام التركي هذه المجزرة إلى البنية القبليّة في المجتمع الكردي، وتفشّي عادات الثأر فيه.
لا شكّ في أن المجتمع الكردي في تركيا، وفي البلدان المجاورة لها، كالعراق وإيران وسورية، لا زال تحت تأثير كبير للوعي والسلوك والعشائري والقبلي. إلّا أنّه، وفي العقود الأخيرة، طرأ على هذا المجتمع، وبخاصّة في تركيا، نقلة نوعيّة، باتجاه التخفيف من أعباء التقاليد القبلية. وكي نقيس منسوب التطور الاجتماعي والمعرفي والنفسي في مجتمع ما، علينا التحرّي عن أحوال المرأة فيه.
في الإعلام
وكالة دجلة للأنباء «DİHA» تأسست في 4/4/2002. يعمل فيها 60 شخصاً، منهم 20 امرأة. بنسبة 33 بالمئة، قابلة للزيادة أحياناً. نوروز أويمان (31 سنة). تحمل شهادة في التجارة والاقتصاد من جامعة أنوو في ملاطيا. تعمل منذ 10 سنوات في وكالة دجلة، ترى أنّه ثمّة تطوّر نوعي في المجتمع الكردي في ما يخصّ حضور المرأة في الحياة السياسيّة والإعلاميّة. وتربط ذلك بـ «النضال الكردي على مدى 30 سنة الأخيرة في تركيا» بحسب رأيها. قالت لـ «الحياة»: «ضمن هذا النضال، ثمة جهود جبّارة وحضور كبير للمرأة. جعلت لها دوراً في الإدارة واتخاذ القرار بنسبة 40 في المئة. يمكن تسمية هذه النسبة بعدم التساوي الإيجابي. يعني، المرأة من الصفر والعدم والقمع والاضطهاد والتغييب وصلت الى هذا المستوى». وحول الانتقادات الموجّهة للمرأة الكرديّة، بأنها باتت تخرج عن العُرف والسياق العام، نتيجة الحريّة الممنوحة لها، تساءلت أويمان: «وفق أيّ منظار؟ إذا كان ذلك وفق المنظار الإقطاعي والرأسمالي فهذا صحيح. لقد كسرت المرأة هذا السياق، الذي أساساً هو سياق ذكوري، صنعه الرجل. نريد ان تصل المرأة من مرحلة عدم التساوي الإيجابي الى مرحلة التساوي الإيجابي على كافة الصعد وفي مناحي الحياة كافة، وفق مبادئ وأخلاق سامية تضمن التفاهم والشراكة الكاملة والاحترام المتبادل بين الجنسين».
يعمل في صحيفة «غونلك» الكرديّة، الصادرة بالتركيّة في اسطنبول 35 شخصاً، بين صحافي ومراسل وإداري، بينهم 13 امرأة، منهنّ رئيسة التحرير فيليز كوجالي، ومديرة التحريرة يوكسل كينج. أمّا في صحيفة «آزاديا ولات» الصادرة بالكرديّة في دياربكر، كبرى مدن جنوب شرق تركيا، فيعمل 20 شخصاً منهم 10 نساء. أمينة دمير (24 سنة)، تمّ فصلها من كليّة العلوم السياسيّة بأنقرة، وأودعت السجن، على خلفيّة نشاطها السياسي. تعمل حاليّاً مديرة عامّة للنشر في هذه الصحيفة، أبدت وجهة نظرها حول واقع المرأة الكرديّة في تركيا بالقول: «خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، تعرّضت المرأة لحملة شديدة من القمع والصهر والاغتصاب والعنف. وخلال هذه السنين أيضاً، كانت هنالك حركة مقاومة شديدة للمرأة الكرديّة، أثمرت عن حضور نشط في البرلمان (8 نساء) ورئاسة البلديات (15 امرأة)، وفي قطاع الإعلام و مناحي الحياة كافة. وعلى رغم المؤسسات الكثيرة المعنية بشؤون المرأة، إلّا أنّه ما زال هنالك نواقص كثيرة لم يتمّ تجاوزها. إنّ نضال المرأة الكرديّة، لم يكن ضدّ حالة المنع والقمع والصهر التي تعرض لها الشعب الكردي وحسب، بل كانت ضدّ الذهنيّة العشائريّة والإقطاعيّة الذكوريّة المتخلفة في المجتمع الكردي أيضاً. تطور المرأة الكرديّة أنتج معه تطور الرجل الكردي». وتضيف دمير: «هناك أحياناً فهم خاطئ للحريّة لدى المرأة. حتّى ان المرأة أحياناً تصبح خزان احتياط للتخلف في المجتمع. نريد للمرأة الكرديّة ان تحاول أن تكون طاقة خلاقة لنهضة اجتماعيّة عامّة تسير بالمجتمع نحو الدمقرطة».

نقص
ميديا نويان (25 سنة)، تعمل منذ 5 سنوات في القسم الفنّي لصحيفة «ازاديا ولات». تحدّثت عن السلبيّات في نشاط المرأة: «ما زال هنالك شعور بالقصور والنقص لدى المرأة. ويعود ذلك لسلطة الذكور الممتدة لخمسة آلاف سنة. لكن، قياساً بوضع المرأة في الشرق الأوسط والعالم، سنجد أنّ المرأة الكرديّة باتت تحظى بمكانة هامّة وبارزة في المجتمع الكردي». وتفسّر نويان الفهم الخاطئ للحريّة، بأنه «سلب سلطة الذكورة وممارستها على الرجل. أحياناً تطغى ذهنيّة الانتقام من الرجل. وهذه حالات فرديّة، وليست نتاج نضال المرأة الكرديّة. والآن، تحظى المرأة بمكانة الصدارة في النضال السلمي المدني الكردي. كما لها الحظ الأكبر من الظلم والألم من هذه الحرب الدائرة في كردستان. على صعيد فقدان الزوج أو الابن او الأخ او العزيز فيها. لذلك تراها الأكثر نشاطاً من اجل السلام».

نشاط مدني
جمعية بيت «برفين – kardelen (زهرة الثلج)» تنشط تحت سقف بلديّة باغلار التابعة لبلديّة دياربكر. تأسست عام 2004. عن نشاط الجمعية، تقول المسؤولة الإداريّة فيها، ديلك أولكر (25 سنة): «ننشط تحت سقف حركة المرأة الحرّة. نقوم بتأهيل وتهيئة المرأة تربويّاً واجتماعيّاً ونفسيّاً وصحيّاً ونفسيّاً ومهنيّاً. بالإضافة الى عملنا في مجال محو الأميّة، وإعادة تأهيل المرأة المتضررة من الحرب والتي هجرت القرى الى المدن. والأخذ بيدها ضدّ العنف الممارس ضدها». وتضيف أولكر: «لدينا علاقات مع الجمعيّات النسائيّة في كردستان العراق، لكن ليست لدينا نشاطات مشتركة، لأسباب قانونيّة وتقنيّة». وتنفي أولكر اطلاع جمعيّة «برفين» على وضع المرأة الكرديّة في سورية. وتعزو ذلك لـ «أسباب متبادلة». وتضيف: «نعقد مؤتمرات خاصة حول المرأة. ولدينا مبادرة جمع 3 ملايين توقيع حول وضع المرأة في ايران سنقدمها للسفارة الإيرانيّة في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضدّ المرأة، المصادف يوم 25/11/ من كل عام». في مدينة دياربكر وحدها، تنشط أكثر من 7 منظمات نسائية. وتقول اولكر «ننشط في الجانب الحقوقي والمهني والفني. ناهيك عن المنظّمات النسائيّة الناشطة في ميدان الدفاع عن حقوق المرأة في المدن والمحافظات الكرديّة الأخرى، في جنوب شرق تركيا. وعن الصعوبات والمعوّقات التي يعانيها بيت «برفين» للمرأة، تقول: «نعاني من ضعف شديد على الصعيد الاقتصادي، بحيث لا يمكننا تأمين العمل للمرأة العاطلة من العمل. والعامل الاقتصادي هو أحد الأسباب الرئيسة للعنف ضدّ المرأة».
باناير تشليك (30 سنة) عضوة مجلس المرأة التابع لحزب المجتمع الديمقراطي، الذي يسيطر على غالبيّة البلديّات في جنوب شرق تركيا، وله 21 عضواً في البرلمان التركي، بينهم 8 نساء، تقول: «على رغم نشاط المنظمات النسائيّة، إلّا أنها لا تستطيع الوصول الى كل النساء. وكما هو معروف، فقد تم إفراغ اكثر من 4000 قرية. وتمّ إحراقها. لذا يتعسّر علينا الوصول الى كل النساء المهاجرات من قراهن الى المدن».

تجاهل
جيمن غولديكن (30 سنة) إحدى الإداريّات في الجمعيّة، كشفت عن تجاهل الدولة لمعاناة المرأة بقولها: «هنالك مشكلة مهمة ينبغي الإشارة اليها، وهي ان المرأة تقوم بتقديم الشكوى لدى الدولة عن العنف الممارس ضدّها، إلّا أن الدولة لا تكترث بحجّة أنها مشكلة عائلية لا علاقة للدولة بها. وعلى سبيل المثال: جريمة حدثت في منطقة حظرو التابعة لدياربكر، قبل 3 أشهر. حيث قامت امرأة باللجوء الى بيت المرأة التابع للدولة. ولكن زوجها أتى وأخذها. وبعد عدة أيام قتلها، ودفنها من دون المراسم الدينية». وتضيف غولدتكين: «جرائم الشرف، تراجعت كثيراً. لكن، ما زال هناك أماكن لا يمكننا الوصول إليها». وتلخّص غولدتكين نشاط جمعيّة «برفين» خلال أربع سنوات بالقول: «اللواتي تعرّضن للعنف من أهلهن، واشتكين لدينا 375 حالة. واللاتي زرن جمعيتنا ويعانين من مشاكل نفسيّة واجتماعيّة 126 حالة، وقمنا بتقديم العلاج لهن وبتأمين 200 فرصة عمل لهن. وقدمنا العلاج والدواء لـ90 امرأة. ووصلتنا 20 شكوى بخصوص الخطف والاختفاء الذي تعرضت له النساء. و6 شكاوى من اللاتي تعرضن للعنف في العمل. وقمنا بتأمين الإقامة لـ 66 من النساء المشرّدات. والنساء اللاتي أتممن دورات التعليم واللغة والكومبيوتر لدينا عددهن 900 إمرأة. ونسعى لتقديم المساعدة لكل النساء في حي باغلار. كما نسعى لرفع الظلم والعنف عن المرأة الكردية في كل مكان بصرف النظر عن انتمائها القومي والعرفي والديني».

المصدر: الحياة اللندنية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…