د. آلان كيكاني
يزخرُ التراثُ الشعبي الكردي بالقصص والحكم والأمثال والطرائف التي تُروى شفاها في هذه المناسبة أو تلك , هذا الأدب تناقله الكرد منذ القدم شفاها وليس تدويناً , كون اللغة الكردية بقيت على مر العصور محكوماً عليها بالسجن من قبل الأنظمة التي حكمت الكرد طوال قرون من الزمن والحديثُ بها في الشارع كان مظهراً من مظاهر عنصرية الكردي حسب هذه الأنظمة , رغم هذا , أسلافنا لم يتركوا موضوعا إلا وقالوا فيه كلمتهم على شكل تعليق أو طرفة أو قصة أو مثل شعبي ترددته الأجيال ونقله الآباء إلى الأبناء .
كلنا وجد أردوغان يتباكى على الفلسطينيين عندما تعرضت غزة للعدوان الإسرائيلي ردا على طيش حماس وتهورها اللامسؤول تجاه أبناء غزة , وحزنَه على أبناء الإيغور بعد الظلم الذي تعرضوا له من قبل الحكومة الصينية . لا شك أن أطفال ونساء غزة يستأهلون أكثر من الدموع بعد تعرضهم لعدوان شرس حرق الأخضر واليابس وساوى بين الطفل والمقاتل وكذلك أبناء الإيغور , ولكن , أليس بعض من بكى على هؤلاء كان يفعل ذلك نفاقا ؟ ومتى بكى أردوغان على أبناء شعبه من الأكراد حتى يبكي على الآخرين ؟
ماذا قال حكماء الأكراد في مثل هذه الشخصية التي تظهر الحشمة والعفة والإنسانية وتبطن الرذيلة والوحشية والهمجية ؟ الجواب في هذه القصة :
يحكى أن في قديم الزمان وسالف الدهر والأوان كان ثمة رجل طلبت منه زوجته أن يستبدل كماً من فستان جديد لها بكم آخر عند الخياط بحجة أن ذبابةً ذكراً حطت عليه , امتثل الرجل لطلبها وأخذ الفستان إلى الخياط وأبلغه بالمطلوب , استغرب الخياط عندما وجد الكم لم يكن فيه شق أو خدش أو سحجة أو فتق أو أي عيب يذكر فسأل عن السبب فقال الرجل : إن الفستان لزوجتي وهي عفيفة طاهرة لم يرها عينا ذكر غيري وهي تقول أن ذبابة ذكرا حطت اليوم على أحد أكمامه , لذا طلبت مني قطعه واستبداله بآخر . فكر الخياط قليلا ثم قال له : هل لي الأمان إذا صارحتك بشيء ؟ فقال الرجل : لك ذلك . فقال الخياط : زوجتك هذه عاهرة . فاستشاط الرجل غيظا وحاول الاعتداء على الخياط ولكن الأخير قال له : لمَ الغضب وقد أعطيتني الأمان ؟ التجربة هي خير برهان اذهب إلى البيت وبلغ زوجتك أنك تود السفر قبل المساء إلى جهة بعيدة وأنك مرغم على الغياب عن البيت لأيام ثم اخرجْ ساعة ًمن الزمن وعدْ إلى بيتك واختبئ في زاوية منه خلف ستار وراقب البيت الليل كله فإذا كان ما قلتُ صحيحاً فقد اكتشفتَ الحقيقةَ بأمِ عينك وإذا كان قذفاً فحينها تعالَ وافعلْ بي ما شئت .
بعد أخذ ورد اقتنع الرجل بخطة الخياط وعاد إلى البيت ليخبر زوجته نيته السفر الطويل لأمر مهم , ثم أكمل باقي الخطة , ولما كان الليل وهو متوارٍ خلف ستارٍ في بيته طُرق الباب فقامت زوجته وفتحته ودعت الزوار إلى الدخول فدخلوا , ثلاثة رجال وبيدهم أدوات السهر مما لذ من المشاربِ وطابَ من المآكل . فرشوها على سفرة ثم أكلوا وشربوا حتى شبعوا وارتووا , ثم خلعت زوجته ما كانت تلبس , وبدأت بالرقص عارية حتى هيجت الرجال الثلاثة الذين بدأوا بفعل الفاحشة بها جماعة , كل واحد أمام أعين الآخرين دون خجل أو حياء , فخرج الرجل من خلف الستار ممتشقا سيفه وقطع رؤوس الأربعة وخرج من بيته وامتطى متن جواده وانطلق إلى جهة مجهولة . ظل يسير أياما وليالٍ حتى وجد مدينة على طريقه فاستوطن فيها يعمل عند أحد تجارها , لكن ما لفت نظره في موطنه الجديد هو كبير كهنة المدينة , الذي كان كلما يخرج من منزله صباحا للتوجه إلى مكتبه يكون عدد من الخدم أمام بيته ينتظرون خروجه ليكنسوا الطريق أمامه من باب بيته إلى مدخل مكتبه , ساوره الفضول ليسأل رب عمله عما يرمي إليه كبير الكهنة هذا بهذا التصرف فأجابه أن الكاهن رجل ورع وتقي فهو يخاف إن مشى دون أن تُكنَسَ الأرض في طريقه أن يدوس على حشرة أو دودة ويكون مسؤولا أمام الله عن زهق روحها . ابتسم الرجل وتابع عمله دون تعليق .
ثم كان يوماً دُعِي فيه الناسُ كلُهم إلى القسم أمام الكاهن ليثبتوا براءتهم من سرقة خزينة الدولة , أُغلقت المتاجر والحانات في المدينة واصطف الناس أمام مكتب الكاهن ليقسموا فرادى على أنهم أبرياء , إلا ذلك الرجل فقد تابع عمله كالمعتاد ولم يلب نداء الدولة للقسم , وبينما كان منهكا بعمله وقف أمام المتجر رجال الدرك يسألونه عن سبب تخلفه عن القسم فرد الرجل قائلا : ولماذا القسم ؟ أنا أعلم علم اليقين من الذي قام بالسرقة ! فطلب الدرك منه المساعدة إن كان جادا في قوله فقال لهم : بدلوا بدلاتكم بأخرى ليست للدرك والحقوا بي بصمت ودون أي تعليق ففعلوا ما طُلب منهم وساروا خلفه حتى طرقَ باب الكاهن ففتحه خادم فطلب منه مقابلة زوجة الكاهن لأمر ضروري , وعندما انفرد بها قال لها أنه شريك الكاهن في السرقة ويريد مفتاح المستودع لأمر ضروري فأعطته مفتاح قبوٍ تحت القصر , فتحه ودخله ودخل خلفه رجال الدرك وإذ بالمستودع يحوي كل ما سُرق في المدينة منذ أربعين سنة وحتى ساعته .
سأله القاضي عن السر الذي جعله يشتبه بالكاهن وهو الرجل الذي لم يشك به أحد في سوء منذ أربعين سنة فشرع الرجل يحكي للقاضي عن زوجته وما فعلت وأنه وجد تصرف الكاهن يشبه تصرف زوجته لذلك جزم أن السارق هو ذاك الكاهن الذي يظهر مخافة مفرطة من الله . وما كان من القاضي إلا أن كافأه ورفع من قيمته .
لا يصعب على أحد فهم أن ما فعله الأتراك تاريخيا وتصرفات قادتهم في هذه الأيام وما يدّعونه من نصرة المظلومين في فلسطين وإيغورستان , هي أعمال مشابهة لأعمال تلك الزوجة التي تعلن العفة وتخفي العهر وهي مماثلة لسلوك ذلك الكاهن الذي يرائي التقوى والفضيلة ويخفي اللصوصية .
لتتحدث ديرسم ماذا جرى فيها في العقد الرابع من القرن المنصرم .
ولتتكلم آغري عما حل بها على أيدي رجال أتاتورك .
وليحك الأرمن ما تعرضوا له من جرائم إبادة جماعية على أيدي جلاوزة العثمانيين .
ولتنطق الأرض في جنوب شرق تركيا ماذا جرى فيها من حرب قذرة منذ ربع قرن .
أما كان أولى بأردوغان أن يبكي على أولائك الذين أبيدوا بوحشية كبيرة ؟
ألا يستحق أطفال دياربكر وهم مواطنون في الدولة التركية بعضا من دموعه ؟
ترددت منذ أشهر أصداء حل للقضية الكردية على يد أردوغان لينهي صراعا دام زهاء خمس وثمانين سنة فتفاءل الأكراد خيرا لا وبل أفرطوا في التفاؤل إلى حد أن البعض منهم ذهب إلى القول أن الأكراد أينما كانوا خارج تركيا سيصبحون جزء من الأمن القومي التركي , وأنها , أي تركيا ستكون مضطرة للدفاع عنهم أينما كانوا لأنهم لما سيناله كرد تركيا من ثقل سياسي في الدولة التركية فالدولة ستكون مضطرة لدعمهم .
أرى أن تفاؤل الأكراد , أينما كانوا , بأردوغان ووعوده في إعطائهم حقوقهم أشبه بتفاؤل تلك الفتاة التي طفا عمرها الثلاثين ولم يأت أحد لطلب يدها فجلست في بيت أبيها وعينها على الطرقات تنتظر فارس الأحلام , ولكن ذلك الفارس لم يبن , بلغت البنت الخامسة والثلاثين ولم يظهر في الأفق شبح عريس , وكانت لها جارة أرادت أن تعمل بها مقلبا فقالت لها من باب المزاح أن هناك شخص معجب بها في إحدى القرى البعيدة وأنه سيأتي يوما لخطبتها ففرحت وتأملت خيرا وأبلغت أمها التي أبلغت بدورها كل أفراد العائلة الذين ضاقوا ذرعا على وضع ابنتهم وفي اليوم التالي ذهبت البنت لتجلب ماء من البئر وهي تغني فرحا فأدلت دلوها وإذ بوردة قد نبتت على فوهة البئر من الداخل فجلست تبكي وتقول : فداؤك أمك يا ولدي Dayik qurban, ولما رأت الأم تأخر ابنتها ذهبت إلى البئر تستطلع فشاهدت ابنتها على ما هي عليه من نحيب , استفسرت عن السبب فمدت البنت أصبعها إلى الوردة وقالت : انظري إلى هذه الوردة يا أمي , غدا سيأتي خطيبي ليخطبني ومن ثم سنتزوج وبعدها سنُرزق ولدا وسيماً وعندما يخطو خطواته الأولى سيمد يده إلى هذه الوردة وسيقع في قاع البئر وسيموت , وما كان من الأم إلا أن ولولت وهي تقول : فداؤك جدتك يا ولديPîrik qurban , بلغ خبر عويل البنت وأمها الأب الذي هرع ليستقصي عما يحدث على البئر ولما فهم ما يجري صار ينوح ويقول : فداؤك جدك يا حفيدي kalik qurban وهكذا جاء الأخ ليصرخ قائلا : Xal qurban .
ماذا قال حكماء الأكراد في مثل هذه الشخصية التي تظهر الحشمة والعفة والإنسانية وتبطن الرذيلة والوحشية والهمجية ؟ الجواب في هذه القصة :
يحكى أن في قديم الزمان وسالف الدهر والأوان كان ثمة رجل طلبت منه زوجته أن يستبدل كماً من فستان جديد لها بكم آخر عند الخياط بحجة أن ذبابةً ذكراً حطت عليه , امتثل الرجل لطلبها وأخذ الفستان إلى الخياط وأبلغه بالمطلوب , استغرب الخياط عندما وجد الكم لم يكن فيه شق أو خدش أو سحجة أو فتق أو أي عيب يذكر فسأل عن السبب فقال الرجل : إن الفستان لزوجتي وهي عفيفة طاهرة لم يرها عينا ذكر غيري وهي تقول أن ذبابة ذكرا حطت اليوم على أحد أكمامه , لذا طلبت مني قطعه واستبداله بآخر . فكر الخياط قليلا ثم قال له : هل لي الأمان إذا صارحتك بشيء ؟ فقال الرجل : لك ذلك . فقال الخياط : زوجتك هذه عاهرة . فاستشاط الرجل غيظا وحاول الاعتداء على الخياط ولكن الأخير قال له : لمَ الغضب وقد أعطيتني الأمان ؟ التجربة هي خير برهان اذهب إلى البيت وبلغ زوجتك أنك تود السفر قبل المساء إلى جهة بعيدة وأنك مرغم على الغياب عن البيت لأيام ثم اخرجْ ساعة ًمن الزمن وعدْ إلى بيتك واختبئ في زاوية منه خلف ستار وراقب البيت الليل كله فإذا كان ما قلتُ صحيحاً فقد اكتشفتَ الحقيقةَ بأمِ عينك وإذا كان قذفاً فحينها تعالَ وافعلْ بي ما شئت .
بعد أخذ ورد اقتنع الرجل بخطة الخياط وعاد إلى البيت ليخبر زوجته نيته السفر الطويل لأمر مهم , ثم أكمل باقي الخطة , ولما كان الليل وهو متوارٍ خلف ستارٍ في بيته طُرق الباب فقامت زوجته وفتحته ودعت الزوار إلى الدخول فدخلوا , ثلاثة رجال وبيدهم أدوات السهر مما لذ من المشاربِ وطابَ من المآكل . فرشوها على سفرة ثم أكلوا وشربوا حتى شبعوا وارتووا , ثم خلعت زوجته ما كانت تلبس , وبدأت بالرقص عارية حتى هيجت الرجال الثلاثة الذين بدأوا بفعل الفاحشة بها جماعة , كل واحد أمام أعين الآخرين دون خجل أو حياء , فخرج الرجل من خلف الستار ممتشقا سيفه وقطع رؤوس الأربعة وخرج من بيته وامتطى متن جواده وانطلق إلى جهة مجهولة . ظل يسير أياما وليالٍ حتى وجد مدينة على طريقه فاستوطن فيها يعمل عند أحد تجارها , لكن ما لفت نظره في موطنه الجديد هو كبير كهنة المدينة , الذي كان كلما يخرج من منزله صباحا للتوجه إلى مكتبه يكون عدد من الخدم أمام بيته ينتظرون خروجه ليكنسوا الطريق أمامه من باب بيته إلى مدخل مكتبه , ساوره الفضول ليسأل رب عمله عما يرمي إليه كبير الكهنة هذا بهذا التصرف فأجابه أن الكاهن رجل ورع وتقي فهو يخاف إن مشى دون أن تُكنَسَ الأرض في طريقه أن يدوس على حشرة أو دودة ويكون مسؤولا أمام الله عن زهق روحها . ابتسم الرجل وتابع عمله دون تعليق .
ثم كان يوماً دُعِي فيه الناسُ كلُهم إلى القسم أمام الكاهن ليثبتوا براءتهم من سرقة خزينة الدولة , أُغلقت المتاجر والحانات في المدينة واصطف الناس أمام مكتب الكاهن ليقسموا فرادى على أنهم أبرياء , إلا ذلك الرجل فقد تابع عمله كالمعتاد ولم يلب نداء الدولة للقسم , وبينما كان منهكا بعمله وقف أمام المتجر رجال الدرك يسألونه عن سبب تخلفه عن القسم فرد الرجل قائلا : ولماذا القسم ؟ أنا أعلم علم اليقين من الذي قام بالسرقة ! فطلب الدرك منه المساعدة إن كان جادا في قوله فقال لهم : بدلوا بدلاتكم بأخرى ليست للدرك والحقوا بي بصمت ودون أي تعليق ففعلوا ما طُلب منهم وساروا خلفه حتى طرقَ باب الكاهن ففتحه خادم فطلب منه مقابلة زوجة الكاهن لأمر ضروري , وعندما انفرد بها قال لها أنه شريك الكاهن في السرقة ويريد مفتاح المستودع لأمر ضروري فأعطته مفتاح قبوٍ تحت القصر , فتحه ودخله ودخل خلفه رجال الدرك وإذ بالمستودع يحوي كل ما سُرق في المدينة منذ أربعين سنة وحتى ساعته .
سأله القاضي عن السر الذي جعله يشتبه بالكاهن وهو الرجل الذي لم يشك به أحد في سوء منذ أربعين سنة فشرع الرجل يحكي للقاضي عن زوجته وما فعلت وأنه وجد تصرف الكاهن يشبه تصرف زوجته لذلك جزم أن السارق هو ذاك الكاهن الذي يظهر مخافة مفرطة من الله . وما كان من القاضي إلا أن كافأه ورفع من قيمته .
لا يصعب على أحد فهم أن ما فعله الأتراك تاريخيا وتصرفات قادتهم في هذه الأيام وما يدّعونه من نصرة المظلومين في فلسطين وإيغورستان , هي أعمال مشابهة لأعمال تلك الزوجة التي تعلن العفة وتخفي العهر وهي مماثلة لسلوك ذلك الكاهن الذي يرائي التقوى والفضيلة ويخفي اللصوصية .
لتتحدث ديرسم ماذا جرى فيها في العقد الرابع من القرن المنصرم .
ولتتكلم آغري عما حل بها على أيدي رجال أتاتورك .
وليحك الأرمن ما تعرضوا له من جرائم إبادة جماعية على أيدي جلاوزة العثمانيين .
ولتنطق الأرض في جنوب شرق تركيا ماذا جرى فيها من حرب قذرة منذ ربع قرن .
أما كان أولى بأردوغان أن يبكي على أولائك الذين أبيدوا بوحشية كبيرة ؟
ألا يستحق أطفال دياربكر وهم مواطنون في الدولة التركية بعضا من دموعه ؟
ترددت منذ أشهر أصداء حل للقضية الكردية على يد أردوغان لينهي صراعا دام زهاء خمس وثمانين سنة فتفاءل الأكراد خيرا لا وبل أفرطوا في التفاؤل إلى حد أن البعض منهم ذهب إلى القول أن الأكراد أينما كانوا خارج تركيا سيصبحون جزء من الأمن القومي التركي , وأنها , أي تركيا ستكون مضطرة للدفاع عنهم أينما كانوا لأنهم لما سيناله كرد تركيا من ثقل سياسي في الدولة التركية فالدولة ستكون مضطرة لدعمهم .
أرى أن تفاؤل الأكراد , أينما كانوا , بأردوغان ووعوده في إعطائهم حقوقهم أشبه بتفاؤل تلك الفتاة التي طفا عمرها الثلاثين ولم يأت أحد لطلب يدها فجلست في بيت أبيها وعينها على الطرقات تنتظر فارس الأحلام , ولكن ذلك الفارس لم يبن , بلغت البنت الخامسة والثلاثين ولم يظهر في الأفق شبح عريس , وكانت لها جارة أرادت أن تعمل بها مقلبا فقالت لها من باب المزاح أن هناك شخص معجب بها في إحدى القرى البعيدة وأنه سيأتي يوما لخطبتها ففرحت وتأملت خيرا وأبلغت أمها التي أبلغت بدورها كل أفراد العائلة الذين ضاقوا ذرعا على وضع ابنتهم وفي اليوم التالي ذهبت البنت لتجلب ماء من البئر وهي تغني فرحا فأدلت دلوها وإذ بوردة قد نبتت على فوهة البئر من الداخل فجلست تبكي وتقول : فداؤك أمك يا ولدي Dayik qurban, ولما رأت الأم تأخر ابنتها ذهبت إلى البئر تستطلع فشاهدت ابنتها على ما هي عليه من نحيب , استفسرت عن السبب فمدت البنت أصبعها إلى الوردة وقالت : انظري إلى هذه الوردة يا أمي , غدا سيأتي خطيبي ليخطبني ومن ثم سنتزوج وبعدها سنُرزق ولدا وسيماً وعندما يخطو خطواته الأولى سيمد يده إلى هذه الوردة وسيقع في قاع البئر وسيموت , وما كان من الأم إلا أن ولولت وهي تقول : فداؤك جدتك يا ولديPîrik qurban , بلغ خبر عويل البنت وأمها الأب الذي هرع ليستقصي عما يحدث على البئر ولما فهم ما يجري صار ينوح ويقول : فداؤك جدك يا حفيدي kalik qurban وهكذا جاء الأخ ليصرخ قائلا : Xal qurban .
لا ريب أن التفاؤل سمة حسنة , ولكن الإفراط فيه ينتهي بالخيبة دائما فقد انتهى الأمر بوزير الداخلية التركي بعد مشاورات مع مثقفين وسياسيين وحكماء إلى الإعلان عن عرض الدولة للكرد بجملة من الحقوق تتضمن عدة بنود أهمها حق الكردي في التحدث إلى قريبه السجين بالكردية عند زيارته في السجن , وعدة بنود أخرى لا تقل أهمية عما ذكرناه !!
كل امرئٍ يحن إلى أيام عزه وكذلك الأمم تشتاق إلى أيام المجد والسؤدد من تاريخها وتحاول إعادتها , ويبدو جليا من تصرفات أردوغان وثعلبه داود أوغلو وبقية أفراد حكومته أن بوصلتهم تشير دائما إلى إعادة الإمبراطورية العثمانية ولو بشكل آخر يختلف عن السابق , فجعلوا من تركيا أخطبوطا ذا أذرع طويلة ومتعددة تلعب بعضها على أوتار الإسلام للتقرب إلى العرب الذين يرقصون هذه الأيام على أنغام ما يسمونه بالصحوة الإسلامية , وأخرى تعزف على طنبور القومية في جمهوريات وسط آسيا الناطقة باللهجات التركية , وأخرى تدق باب أوروبا , والمشكلة الكردية لا ينظر إليها هؤلاء على أنها حقُ شعب يشكل حوالي خمس دولتهم وإنما يرونها مشكلة تزعجهم في طريقه لتحقيق حلم الدولة التركية العظمى , فوجب حلها ولكن بطريقتهم الخاصة . وجاءت العروض الأولية مخيبة للآمال , لا وبل مذلة أيضا , ويبدو منها أن أصحابها يستغبون الأكراد , فالأتراك درجوا على تسمية الأكراد ب ( سكان الكهوف ) , تعبيراً عن تخلفهم وسهولة خداعهم . وهم الآن يتغابون عن أن أكراد اليوم يختلفون عن أكراد الأمس الذين تم جرهم إلى أحبال المشانق بسهولة بعد وعود لهم بحل عادل لقضيتهم , كما جرى لإسماعيل سيمكو والشيخ سعيد وقاسملو …