غياب الكتابة في الموسيقى الكردية

برزو محمود

انطلاقاً من ماهية الموسيقى ومفهومها العام التي تعرف على (أنها فن تألف الأصوات تؤدى إما عن طريق الصوت البشري أو صوت الألة الموسيقية). ثمة تساؤلات عديدة تطرح في مجال الموسيقى الكوردية التي يتمثل أداءها في جانبين أساسيين:

الجانب الأول عن طريق الصوت البشري الذي يتأطر في صيغة الأغنية وتدخل في اطار الغناء حيث الصوت الصادر من الحنجرة قادر أن يؤدي اللحن والنغمة والمقام بكلمات تعبر عن مواضيع انسانية مشحونة بدفقات شعورية تأخذنا إلى فضاءاتها المكونة من التيمات المرتبطة بموضوع الأغنية سواء أكانت حكاية حب أو قصة بطل أو الأثنين معاً أو موقف عاطفي أو حالة تدفق شعوري أو ضرب من ضروب الخيال.
الجانب الثاني عن طريق الصوت الألي، وهو صوت ألات الموسيقى وتتأطر في صيغ وألوان موسيقية عديدة إما ترافق عملية الغناء وتأخذ اطار الأغنية، أو تؤدى بالصوت الألي فقط دون غناء وتتأطر في قوالب موسيقية معينة تسمى بالتأليف الموسيقي مثل السماعيات واللونكات الشرقية والآوبيرا والاوبيريت …الخ.
وهنالك جانب أخر يتناول النظريات الموسيقية وتاريخ نشوء وتطور الأت الموسيقية ويبحث في طبيعة التآلفات بين الاصوات الموسيقية: البشرية والألية في عملية هارمونية كاملة. هذا الجانب الذي يشمل الصوت البري والألي يسمى بعلوم الموسيقى (musicology) ويتناول الدراسات النظرية والعملية للمدارس الموسيقية. 

بالرغم من وجود حركة وفعاليات وأعمال غنائية كوردية عديدة، منها ما تتناول الأشكال الموسيقية الفولكلورية، والأشكال الغنائية الحديثة، بأنماطها المتعددة ومستوياتها المختلفة، وبالرغم من توفر كمية لابأس بها من إمكانيات علمية، وكوادر موسيقية، وفرق موسيقية صغيرة ترافق المغني في صالات الموسيقى والغناء، إلا أننا نادراً ما نجد مقالاً أو نقرأ ملاحظة عابرة أو إشارة هنا وهناك، يتناول الدراسة الفنية للأغنية الكوردية شكلاً ومضموناً، ويبين للمستمع نقاط الضعف والقوة معتمداً على معايير نقدية يتبع اسس منهجية قائمة على التحليل والتركيب للعناصر المكونة للآغنية الكردية على مستوى الكلمات واللحن والموسيقى. إذ أن غياب النقد الموسيقي الكردي وانعدام الدراسات الموسيقية، لدليل على ضعف الحركة الموسيقية الكردية (باستثناء كردستان العراق إلى حد ما وفي بعض المجالات المحدودة، اذ نصادف عدد مقبول من المقالات الموسيقية باللهجة السورانية والتي تتوزع على نطاق محلي ضيق) بالإضافة إلى أن الكتابة في المجال الموسيقي والغنائي والفني بشكل عام قلما تتناولها أقلام الكتاب المتخصصين والأكاديميين إلى جانب أن الإعلام الموسيقي غير موجود في الصحافة الكردية وهي غير موجودة في برامج الفضائيات الكردية رغم تعددها وكثرتها في هذه الأيام، علماً أن البرامج الخاصة بالغناء الكوردي تحتل مساحة غير قليلة في الشاشات الفضائية الكوردية، إلا أنها لا تخرج من اطار المقابلات الكلاسيكية المعهودة رغم التطور الحاصل في الشكل والأداء، عدا أن القائمون في هذه البرامج ليسوا من ذوي الاختصاص من جانب، إلى جانب أن من يمثل الطرف الفني مغنياً كان أو عازفاً موسيقياً أو فرقة موسيقية لا يمتلك المؤهلات الفنية التي يمكن أن يثري البرنامج ويساهم في نشر الثقافة الموسيقية لدى المتلقي المشاهد. أما ما نقرأه أحياناً من مقالات منشورة في المواقع الانترنتية فهي إما ذات طابع مناسباتي لإحياء ذكرى مغني أو موسيقي كما لاحظناه حالياً في وفاة المغني الكوردي الارمني ارام ديكران، أو أنه مقال يعبر عن إعجاب الكاتب ليس إلا. هذا الفراغ في مجال الكتابة حول الموسيقى الكوردية وأغانيها المتنوعة، باعتقادي، يعود سببه إلى نقص الكوادر الموسيقية المتخصصة في علوم الموسيقا، بالإضافة إلى غياب الثقافة الموسيقية العامة، رغم توفر فئة لابأس بها من خريجي المعاهد الموسيقية، وإلى حد ما خريجي الدراسات الموسيقية العليا. ومن المحتمل أن الطرق على هذا الباب يحتاج إلى المبادرة الجريئة من طرف كاتب مقتدر في هذا المجال لتتحول إلى عادة يكتب فيها الدارس المتخصص بهدف الارتقاء بالموسيقى الكردية. من هنا أرى من الضروري جداً ومن الأهمية جداً أن يبادر الدارس المتخصص بالكتابة والنشر على صفحات الشبكة الانترنيتية إلى جانب الكاتب المهتم بهذا المجال من أجل أن يتم التفاعل بين الأثنين مما يؤدي الى نتائج مثمرة توجه الموسيقي نحو تطوير أدواته واجراءاته الفنية، وتوسع أفاقه، وتعمق من نظرته إلى الفن، وهذا بالنتيجة  يساهم في بناء حركة ثقافية تثري الجانب الموسيقي من الحياة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…