من ذاكرة الصحافة الكردية بقعة ضوء على مجلة آكاهي و (جمعية الثقافة والتعاون الكردي)

بقلم: دلاور زنكي
dilawerzengi@nefel.com

بعد أن توقفت مجلتا (هاوار-Hawar) و (روناهي-Ronahî) الصادرتين باللغة الكردية في دمشق من قبل الأمير جلادت عالي بدرخان، ومجلتا (روزا نو-Roja Nû) و (ستير-Stêr) في بيروت من قبل الأمير الدكتور كاميران عالي بدرخان إضافة الى البث الإذاعي باللغة الكردية من قبله في الأربعينيات وقد لاقت هذه الصحف الكردية رواجاً وانتشاراً واسعاً في أرجاء كردستان. في وقت كانت الساحة الكردية قد خلت من النشاطات الثقافية خلال وبعدها الحرب العالمية الثانية.

ورغم الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية التي ألمت بأجزاء كردستان وكبحت جماح الحركة التحررية الكردية بسبب خيانة الحلفاء وتنصلهم من الوعود التي قطعوها للجمعيات والأوساط الكردية. فقد استمرت مجلة (كلاويز-Gelawêj) بالصدور، عدا نشاطات ثقافية أخرى حيث صدرت مجلتي (دنكي كيتي تازه) و (زين-Jîn) الأسبوعيتين في كردستان العراق.
أما في بغداد عاصمة العراق بعد انهيار الحكم الملكي في 14 تموز 1958 ودخول البلاد في مرحلة جديدة من الحكم الجمهوري وإسقاط حلف بغداد انتعشت الآمال نسبياً في الحياة السياسية والثقافية في أوساط الجماهير الكردية وتدل الإحصائيات آنئذٍ بصدور أكثر من 268 كتاباً وكراساً مرتبطاً بالقضية الكردية وآدابها وقد تبلور هذا النشاط الثقافي والمد القومي وترك أثره على أكراد سوريا بشكل ملموس.
إلا أنه نتيجة للظروف الديمقراطية التي سادت في سوريا في أعقاب عدة انقلابات عسكرية سعى مجموعة من المثقفين الأكراد من خلال اجتماع عقد في حلب بدار الدكتور محمد نوري ديرسمي تمخض بتاريخ 18-6-1955 عن اعلان عن تأسيس جمعية باسم (جمعية الثقافة والتعاون الكردي) المكونة من سبعة أعضاء مؤسسين منهم الدكتور محمد نوري ديرسمي، وحسن هشيار، وروشن بدرخان، والقاضي اوصمان افندي، والمدرس حيدر حيدر.
وفي ظل توفر ممارسات ديمقراطية في سوريا استهدفت هذه الجمعية في ضوء برنامجها المعد في تلك الحقبة من قبل حسن هشيار سردي ومحمد نوري ديرسمي (ري أوول”Rê ol ) إحياء التراث الكردي ورغم قصر عمر هذه الجمعية الذي لم يتجاوز العامين فقد أسهمت بنشاطات هامة نوجزها كالآتي:
الاتفاق مع منظمة أيوكا التحررية آنذاك في قبرص التي كانت تشن حرب عصابات ضد القوات الإنكليزية والتركية المهيمنة على قبرص أسفر عن الاتفاق بإصدار صحيفة (الوجدان) تحت أشراف الصحفي الآشوري المعروف يوسف ملك من كردستان العراق وذلك في بيروت عاصمة لبنان. وبشرت بنشر فعاليات منظمة أيوكا بالإضافة إلى أبحاث ودراسات عن وضع الشعب الكردي ومن ثم أعقب ذلك صحيفة أخرى باسم (الحرية) وأيضاً تحت إشراف الصحفي المذكور باللغتين العربية والإنكليزية ومن أهم المحررين الأكراد في هذا النشاط كل من: الدكتور محمد نوري ديرسمي. الأديبة والمربية روشن بدرخان. وحسن هشيار سردي، وبعض الأقلام من كردستان العراق ومن سويسرا الدكتور عصمت شريف وانلي والدكتور نورالدين ظاظا وكانت توزع بسهولة في صفوف الجماهير الكردية بفعل المد الثوري والديمقراطي الذي ساد المنطقة وفي سوريا بشكل خاص.
 هذا وقد تطرق المؤرخ حسن هشيار إلى مجمل نشاطات هذه الجمعية في مذكراته ومجلة آكاهي نذكر منها الآتي:
– رفع مذكرة مكونة من 18 صفحة باللغتين العربية والإنكليزية إلى مؤتمر باندونغ في دورتها المنعقدة بالقاهرة برئاسة أنور السادات عن طريق المناضل الكردي البارز رفيق حلمي تتضمن أوضاع الشعب الكردي المأساوي وأهداف الحركة التحررية الكردية.
-في عام 1956 قامت عشائر جوانرو الكردية بانتفاضة مسلحة ضد شاه إيران إلا أن القواة الإيرانية شنت حرباً شرسة على أكراد ايران وساهمت في قمعها بالسلاح الجوي في عزّ الشتاء مما تسبب بتشريد وترويع العوائل الكردية وقمع الانتفاضة بكل الوسائل الوحشية والإبادة الجماعية مما حدا بهذه الجمعية الاتصال بالأمير الدكتور كاميران عالي بدرخان في باريس لإيصال هذه الممارسات الوحشية إلى هيئة الأمم وقد عمد الأمير إلى رفع مذكرة إلى تلك الجهة باللغة الفرنسية وتمت ترجمة هذه المذكرة في جريدة الوجدان باللغة العربية وقامت الجمعية إلي استصدار كراس بهذه المذكرة باسم (جونوسيت) وتوزيعها في الأوساط العربية والكردية وقد لاقت صدى واسعاً.
-تم إيفاد الأميرة روشن بدرخان كمبعوث من قبل الجمعية إلى اليونان للاشتراك في مؤتمر مناهضة الاستعمار المنعقد في أثينا.
-تمت ترجمة كتاب (الرد على الكوزموبوليتية) من قبل روشن بدرخان لمؤلفه حسنين شنوي من أكراد كردستان ايران وتم توزيعه على نطاق واسع.
-كما قامت الجمعية بطبع ونشر كراس بعنوان (كفاح الأكراد) بدمشق لمؤلفه صامد الكردستاني.
-طبع ونشر ووزع كتاب (ديرسم في تاريخ كردستان) باللغة التركية وتم إرسال نسخ منه إلى تركيا لمؤلفه محمد نوري ديرسمي.
-يقيناً لقد كانت نشاطات هذه الجمعية تفوق عمرها القصير الذي لم يتجاوز العامين ورغم قلة موارده والصمت المطبق بحق القضية الكردية من قبل كل من المعسكرين الغربي والشرقي وقد عمدت هذه الجمعية إلى حل نفسها بسبب عوامل عدة لا مكان هنا لسردها في مثل هذه العجالة….وعلى رأسها تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا.. وقد جاء هذا التلميح إلى هذه الجمعية بسبب نشاطاتها الثقافية والسياسية وهذا غيض من فيض… هذا وللتنويه فقد اعتزمت بالاتفاق مع نجل المرحوم حسن هشيار سردي (كوركين حسن هشيار) إلى إصدار كتاب مستقل يحوي كافة الوثائق المتعلقة بهذه الجمعية التي لعبت دوراً تمهيدياً في خلق أجواء مناسبة لتوسيع النشاط الجماهيري فيما بعد.

مجلة آكاهي: Agahî
منذ بداية عام 1966 شرع حسن هشيار سردي إلى إصدار مجلة آكاهي، طارحاً فيها قضايا الأدب والتاريخ والسياسة في مدينة القامشلي وكانت تطبع على الآلة الناسخة وبنسخ لا تتعدى المائة نسخة ويتم توزيعها بشكل سري بسبب ظروف القمع والملاحقات حتى وصلت إلى العدد (19) وغالبية المواضيع المنشورة فكرية وتاريخية .
وعلى الصفحة الأولى من المجلة كتب صاحب المجلة العبارة التالية: (مجلة سياسية، وتاريخية، وأدبية مستقلة)، لصاحبها حسن هشيار، عدد المجلة يتراوح بين 15-33 صفحة ضمن قياس 20×40سم. لم يوضح صاحب المجلة إن كانت مجلته أسبوعية، أو شهرية، أم فصلية، ما تبين لنا من بعض الأعداد التي حصلنا عليها بانه لم يكون لإصدارها وقت محدد. فصدر (19) عدد في حوالي (20) سنة، أما الهدف من هذه المجلة كما يرويها صاحب المجلة: (الهدف من إصدار هذه المجلة التي تكتب وتنشر سراً هو كما يعلم جميع المثقفين أن كردستان محتلة ومقسمة. وهذا يعني إن تعليم اللغة والكتابة الكردية ممنوعة إن لم تكن جريمة، ويعتبر نشر اللغة الكردية من الجرائم الخطيرة وخاصة بين أكراد سوريا منذ عام 1958 الذين يمرون بظروف صعبة، لقد حافظ هؤلاء على تقاليدهم القومية والاجتماعية، ولم يستطع الوطنيون الالتقاء ببعضهم فهم دائماً مراقبون، وتُراقب تحركاتهم، لذلك وجدت من واجبي أن اصدر مجلة لإيصال صوت الأكراد الى الأكراد، وخاصة في الأجزاء الأخرى، فقد أرسل إليهم أحداثاً وأخباراً عن الوضع العام وما يجري في الداخل).
غالبية المواد التي كانت تنشر في المجلة تعبر عن آراء وأفكار صاحبها، وردت قصيدتان فقط و رسالة لم تكن لصاحب المجلة، حيث كانت القصيدة الأولى للشاعر أحمد بالو، والأخرى للشاعر حمزة مكسي، بينما الرسالة كانت للبروفسور قناتي كردو، التي أرسلها عام 1956 إلى (جمعية الثقافة والتعاون الكردي)، يقول فيها:
 (…أيها الأخوة شكراً لأعمالكم وجهودكم المبذولة من اجل القضية الكردية، مهما تمر الظروف الصعبة عليكم، يجب أن تهتموا وتذكروا اسم الكرد وكردستان في جميع الصحف والمجلات حتى إن كانت صحف صغيرة أو نشرات، نحن في القرن العشرين، قرن العلم والذرة، فاليوم جميع شعوب العالم تطالب بحريتها، وتثور، كما تعلمون إن لم يبك الطفل لا ترضعه أمه…).
صدرت هذه المجلة في ظروف قاسية لم يكن التحضير لها سهلاً بل كان صاحبها يحاول أن يقدم أفكاره وتحليلاته السياسية إزاء التمزق والانقسام الذي يدب في أوصال الحزب الديمقراطي الكردي الذي نشأ منذ عام 1957 في سوريا، وقد ناضل بعنادٍ وبذل جهوداً نبيلة لوضع حدٍ للانشقاقات والخلافات ويحرض الجماهير على توحيد صفوفه كان يقول:(إذا كان الجسم غير قائم فأين اليمين أو اليسار من أطراف الجسم المفقود)… وكان يضع يده كطبيب ماهر على جرح جهل الحركة الكردية وكان ناقداً جريئاً، ويشكل الملامح القومية لمسار حركة التحرر الكردي غير مكترث بما يجر عليه مثل هذه المواقف من انعكاسات.
حاولنا أن نسلط بقعة ضوء بشكل مختصر على جانب هام من جوانب الصحافة الكردية وإسهاماتها، كي نفتح الأبواب أمام من يهتمون بالإعلام والصحافة الكردية ليتمكنوا يوماً ما أن يعالجوا ويتوقفوا على هذه المجلة بشكل أوسع.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…