دفاعاً عنّا وعن أدونيس الشاعر الزائر

فتح الله حسيني

كثيرون قالوا لي وتساءلوا، أبان مغادرة الشاعر السوري العالمي أدونيس أرض كوردستان، بعد زيارة استمرت لمدة أسبوع، حافلة بالنشاطات والصمت وفن الكلام، تساءلوا :هل سيكتب هذا الشاعر الجميل رؤاه وانطباعته عن إقليم كوردستان؟ فكان جوابي بالتأكيد، وأسندت تأكيدي الى أن بعض الأقلام ستتهجم عليه، فلا بد لأدونيس الشاعر، الانسان من الردّ، لأنه أولاً وأخيراً المتقن الأكثر مهارة في فن الكتابة.

حيال زيارة أدونيس، هكذا بلا ألقاب، الى إقليم كوردستان أنبرت أقلام كثيرة، لتتبرأ من شاعريته، ولتتبرأ من تنظيره، وبدأت، تلك الأقلام، بنوايا ساذجة تكيل له الأقاويل من كل حدب وصوب، تارة بأسماء مستعارة في عروبيتها وتارة بأسماء تبكي على أطلال ولت، وكانت على رأس تلك المقالات أو التهم، مقالاتي الكاتبان حازم العظمة في جريدة “الأخبار” ومقالة فواز طرابلسي في جريدة “السفير” لتنشرهما دوريات عديدة تشفياً بالشاعر أدونيس الزائر لإقليم كردستان، وتشفياً بأرض الشهداء إقليم كوردستان الذي له تاريخه الطويل في دفع الضريبة.
أدونيس بكل تأكيد ليس بحاجة الى دفاع، والأقوى ليس بحاجة الى حماية، ولكن للمرة الألف تثبت أقلام واهية أنها تمثل حقيقة الثقافة العربية، هذه الثقافة أو الحضارة التي أثبت أدونيس موتها، ليس في مراكز إقليم كوردستان فحسب، بل أثبت موتها وفنائها جهاراً في عواصم عديدة من القاهرة الى بيروت الى دمشق، ولكن لم ينبري له قلم واحد، أبان قوله بانقراض الحضارة العربية إلا لأنه تفوه بها في كوردستان.

تساءل أدونيس في جريدة “الحياة” اللندنية، في ملحق “مدارات” لماذا أثارت زيارتي إلى إقليم كردستان العراق (14 – 24 نيسان – أبريل الماضي) احتجاجاً لدى بعض المثقفين العرب؟ وطرح سؤاله هذا لسببن الأول هو أن إقليم كوردستان جزء من العراق فما الخطأ إذاً في زيارته؟ ثم طرح ما الذي نبه بعض المثقفين الى انقراض الحضارة العربية، اليوم وأثار غضبهم، وكان حرياً بهم أن يتنبهوا، قبل ذلك؟.

هنا يأتي بيت القصيد، ومع ذلك يستطرد أدونيس ويتساءل: كيف لثقافة لم تنتج، بعد مرور ألفي سنة على نشوئها أية قراءة جديدة وخلاقة لها، ألا تكون منقرضة؟ لأنها بكل بساطة ما زال بعض حامليها يخلطون بين الشخصي والعام، وبين الفكري والسياسي، ولأنها تتهيج أبان رؤيتها وسماعها بكامل حواسها أن أحد قادتها الثقافيين لا ينضوي تحت خيمة القبيلة والقبلية، ولأن مروجوا هذه التهم، ببطلان واضح، لم يكفوا يوماً عن إثارة الكلام من أجل الثرثرة، ومن أجل التباكي على مهرجانات باذخة كانت تعقد يوماً باسم الثقافة ولكن بهتافات تمجد القائد الأوحد والعلم الأوحد والقومية الواحدة.

دفاعنا عن أدونيس الشاعر دفاع عن مثقف كبير حظينا ككرد، بالإستماع الى رؤاه وهو في كوردستان، وهو حظي، بشكل مباشر، بالإطلاع على شكل مأساتنا الاستثنائية التي تغاضت عنها تلك الأقلام الفقيرة، فنقول مع أدونيس لأولئك “حقّاً أيها المحتجون، لم تنقرض “حضارتكم”، وهي لا تزال تجر أذيالها الباذخة”.

صحيفة “الإتحاد” بغداد

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…