أيام جميلة في آمد (ديار بكر) (1-2)

سيامند إبراهيم
siyamendbrahim@gmail.com

آمد, حلم كردي أسبغ على وجودنا ألف حسرة وحسرة, “المدينة السياسية للأكراد كما قيل” وفي كتب التاريخ العاصمة الحلم لكردستان الكبرى التي سوف تظل حلما, بعكس السياسي الواقعي عبد الرحمن قاسملو حين قال:” كردستان حلم وأنا لا أحب الأحلام” مدينة تمتد في تخوم القلب, تغري زائرها باستكشاف المزيد, والمزيد من تألق وازدهار هذه المدينة الرائعة, مدينة أوربية بلباس كردي جميل, تبدأ نهارك من السور الأسود الضخم الذي لا يبارح حركتك داخل هذه المدينة, السور التاريخي حيثما تمضي أوقاتك في الدوران حول هذا السور من باب أورفة إلى باب ماردين, إلى باب الجبل, وهو الذي يشدني أكثر من الكل, حيث أذهب إلى هذا الباب يوميا وهو مهم بالنسبة لي حيث أعدم الشيخ سعيد أمام هذا الباب, وقد عملت السلطات التركية على وضع جدارية لكمال مصطفى أتا تورك مقابل مكان الإعدام؟!
 هنا حيث عبق التاريخ والصلادة هي العلامة البارزة في تكوين هذه المدينة, تستكشف رويداً رويداً خبايا مجريات وحوادث هذه المدينة, وقع المعارك, وهيجان فرسان الوغى على ضفاف شط دجلة يرسم لوحة المحاربين الأشداء, وأخيراً تسلم مفتاح  أبواب هذه المدينة ميدي من أبناء الشمس الخالدة, تمعن في كينونة هذه الوجوه إنها مزيج من السحنة الحورية, فالميتانية, فالميدية التي رسمت على وجوههم تراجيديا التاريخ الكردي, لكن اللغة الثقيلة المسمع على قلوبنا هي دخلت في مسامات حياتنا هناك, اللغة التركية احتلت الجزء الأكبر من ممارسات حياتنا بشتى مساراتها, في كل محطة, وركن من هذه المدينة وغيرها, تتمادى هذه اللغة بحركتها الثعبانية السوداء إلى عقولنا, إلى كل جزء من ذاتنا الكردية, الرطانة التركية حفرت طريقها حتى نخاع هذه المدينة, لكن النفس تبدأ في التنفس من جديد هنا بدأت تنهض بنيان ثقافة كردية أصيلة, حركة لا تهدأ كالنمل بنشاطها, تتجه نحو حي وسوق (الأوفيس) قلب ديار بكر التجاري فستجد في إحدى شوارعها المغلقة عشرات مقاهي الانترنت, إنه زقاق الفن كما يسمونه, حيث بنيت خيم مفتوحة الأطراف للمثقفين والفنانين والزائرين الذين يبحثون عن مكان هادئ يستريحون فيه من ضجيج وصخب المدينة, لكن هذا النشاط الثقافي الكردي هو غير معترف به رسمياً, فباستطاعة السلطات التركية اقتحام أي دار نشر أو معهد كردي ومصادرة آلات الطباعة والكتب الثقافية, لأن كما قالوا لي:” لم يُعترف قانونياً بشيء اسمه كردي” وتتجنب” وسائل الإعلام التركية عند الحديث عن أكراد ديار بكر, فتقول أهالي ديار بكر” الشرق الأوسط(1)

ومن هناك تتجه إلى أكبر دار نشر كردية تركية ألا وهي دار آفستا حيث تقوم بطبع الكتب التاريخية واللغوية والقواميس اللغوية الكردية والتركية ودواوين الشعراء الأكراد مثل فقهي طيران, جكرخوين والروائي  يشار كمال, محمد أوزن, شيخموس دكن, سوزان سامنجي, حسن متي,  والمجموعات القصصية , لأديب بولات, مدني فرحو, ومن الشعراء الأكراد من أحمد الحسيني, أري أرزن, جانا سيدا, آخين ولات, وغيرهم وشعراء من جيل الشباب الحالي, وتدير هذه المكتبة السيدة سون غول كسكين وهي أخت الناشر عبد الله كسكين الذي فاز قبل سنوات بجائزة أفضل ناشر, وهو متفرغ للطباعة, ثقافية نشيطة لا تهدأ من باتمان إلى آمد إلى استانبول, لا يتوقف هدير المطابع في طبع عشرات الكتب باللغة الكردية, وتجد بعض دور النشر وقد حولت جزءاً من مكانها إلى مكتبة صغيرة تبيع آخر المطبوعات الكردية  ,
, ثم تأتي دار أخرى و دار (ليس) (Lis) وهي للشاعر (لال لالش) وهو شاعر وناشر نشيط رغم قلة إمكاناته المادية حيث طبع عشرات المجموعات القصصية والشعرية والروائية, المتميزة منها روايات كردية لأكراد سوريا, روسيا, وتركيا كأحدث رواية لبافي نازي Miriyê Heram,   وأخرى لحليم يوسف Gava Masî tî dibin وللقاص المتميز دلاور زراق, Çilkên Pênûsê  و رواية متميزة من الحجم الكبير للروائي إبراهيم أوصمان Evîna mêrxasekî , ومجموعات روائية أخرى لعرب شمو Hopo  و حيث تطبع رواية أخرى وهي قديمة (شفاني كرد)(Şivanê Kurd)  وقد أشاد بها مكسيم غوركي كما رأيناها في مقدمة الرواية, وأول رواية من أدب الخيال العلمي لشنر أوزمان باللغة الكردية تحت عنوان  Rojnivîska Spinoza  وهي وكم هي مدعاة للفخر على جهد هؤلاء الناشرين الكرد الذين يقومون بهذا الجهد الثقافي رغم قلة الإمكانات المادية وعدم وجود قراء لا يتجاوز بضع آلاف في عموم تركيا, و ثمة سؤال وتساؤل مشروع عن هذا التحول في خطوات هذا الاعتراف الثقافي باللغة الكردية والأدب الكردي في تركيا الكمالية, كم هو تحول صعب في ذهنية هذه الطورانية المتحجرة, أيعقل هذا؟ وهم الذين كانوا ينعتون الأكراد بـ (أتراك الجبال) لا يمن لأحد أن يحجب الحقيقة التاريخية لأصول ولغة شعب من الشعوب فاللغة الكردية رغم عدم استعمالها كلغة كتابة وتدريس على مدى عشرات السنين إلاّ أنها تبقى أكثر نقاء وحيوية من اللغة التركية المليئة بمئات المفردات الكردية والفارسية والعربية والأوربية, اللغة الكردية تحبو بخطوات بطيئة وتتنسم هواء جديداً في صلادة هذه الأصقاع, تغادر الأوفيس وتتجه نحو حي (حظورلهري) تسأل عن المعهد الكردي, ويأخذك إلى هذا الصرح الحضاري المتواضع, تلج المكان في الطابق الأول يستقبلك ثلة من الشباب المتحمسين للغة الكردية, عمل دءوب ساعات طوال تجلس معهم, شباب يدونون ما جمعوه من قصص الأطفال وقصص كردستان الحالمة, وثمة آخرون يترجمون من التركية إلى اللغة الكردية, تغادر هذه القاعة إلى غرف تحرير جريدة (هوار –(Hawar   الأسف فلا يباع منها سوى 8 آلاف نسخة والباقي يتلف فلا تجد القراء الأكراد الذين يقرؤون ويهتمون باللغة الكردية وقد كانت سابقاً تصدر باسم Azadiya Welat- ثم تحول اسمها إلى جريدة (هاوار) وتوزع على نطاق ضيق, وهي أيضاً لا تتجاوز مبيعاتها العشرة آلاف نسخة, ولا مجال للمقارنة بين واقع الصحافة في تركيا, حيث توجد هامش واسع وحقيقي من الديمقراطية بعكس سوريا حيث إننا نعيش وكأننا في القرون الوسطة حيث كل شيء ممنوع, وقد خرست آلات الطباعة الكردية في سوريا, ولازالت العقلية العروبية تسفح الحبر الكردي في واحات اليباب المقيت. ؟!  ولابد من السلطات السورية من تغيير سياستها ومواقفها تجاه الأكراد والاعتراف بالشعب الكردي أسوة بحلفائهم الأتراك الذين تخلوا عن عنجهيتهم وسمحوا بنوع لابأس به من النشاط اللغوي والثقافي الكردي, فمهرجانات ديار بكر الثقافية تكلف أكثر من خمسة ملايين دولار.
——
(1)  تركيا من أتاتورك الى أردوغان (الحلقة العاشرة) ـ «الشرق الأوسط» في ديار بكر: ممنوع كلمة.. كردي – تحقيق منال لطفي
نص قديم وجدد بهذه الرحلة الحديثة لتركيا.

منظر عام لمدينة آمد


مع لال لالش


مع الكاتب دلاور زراق


في المعهد الكردي في ديار بكر


مبنى المعهد الكردي في ديار بكر (آمد)


مع سون كول كسكيني (مسؤولة دار نشر آفستا)


زقاق الفن في ديار بكر


في جمعية كتاب الكرد في ديار بكر
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…