المرأة بين العنف اللفظي وحصار اللغة

  لافا خالد

في رواية زوربا وقبيل موتها قالت الجدة لحفيدها (لقد قتلتني أيها الملعون) لم يعرف الجميع بمن فيهم حفيدها الذي أحبها إنها كانت تعني كلمتين قالها قبيل سنوات طويلة حينما وصفها بـ (القبيحة). كثيرات وكثيرات عايشنا تجاربهنّ لا بل بشكل أو بآخر كنا ولا نزال أيضا مثلهم ضحايا العنف اللفظي، في لحظاتنا اليومية كم نجرح امرأة هنا وأخرى هناك حينما ننعتها بالقصيرة أو الطويلة أو السمراء وربما السوداء أيضا أو نقول فلانة المطلقة أو تلك الوضيعة.
هل وقف أحد منا وتساءل وفكر كم للكلمة من تأثير يفوق السوط و حد السيف أحياناً وبالأخص حينما تكون الضحية هي المرأة، وهل إن عيون الرجال قادرة على قراءة الزرقة في جغرافية جسدها وهي تتعرض للعنف الجسدي ، وهل إن قانونه ومفاهيمه الاجتماعية التي أشاعها لا تعير أهمية لما هو اشد عنفا من عنف الجسد؟

العنف اللفظي شكل من أشكال العنف وغالبا ما تكون المرأة ضحيته أما أدواته فهي مفردات اللغة، ويمكن تعريفه بأنه العنف المُعلب بهندسة اللغة والتي تهدف إلى الإساءة و السخرية من المرأة والحط من قدرها وإنسانيتها.
العنف اللفظي يندرج ضمن قانون القذف والشتم الذي يحاسب عليه القانون ولكن حينما تُستخدم ضد المرأة وبالذات في حياتها الزوجية فإنها تسجل ضد مجهول.
العنف اللفظي سلوك غير سوي مارسه الرجل ضد المرأة عبر العصور وفي كل المجتمعات مستخدما فيها مجالات مختلفة كاللغة ذاتها أو نتاجها و امتدادها الإبداعي كالآداب والفنون ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، فثقافة الذكورة تعج بمفردات هذا العنف وبالأخص في الأمثال التي تمثل نتاجا جمعيا لحضارة الرجل، فعلى سبيل المثال فان المثل الصيني يذكر بأن الشيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة أما الأمثال الشرقية فحدث بلا حرج ومنها (دموع المرأة دليل كذبها أو النساء ناقصات عقل ودين ، في الشارع عروسة وفي البيت جاموسة) وإن الفرنسيين الذين يوصفون بالشفافية يقولون عنها وعن المال بأنهما يضيعان الرجل أما الانكليز وكأنهم اقتبسوا المثل الشرقي حيث يقولون بان المرأة عبارة عن شعر طويل وعقل قصير.
لا نريد أن نحلل الكم الهائل للموروث واللاهوت، للايدولوجيا والفلسفات والتي لم تتحرر حتى من قبل دعاة التحرر والمساواتية من اسر سلطة العنف اللفظي لأنه وببساطة لا قوة أقوى من قوة العادة، فهل أصبح العنف اللفظي ضد المرأة عادة اجتماعية؟
بمجرد أن تخرج من البيت وعند اقرب تشابك لفظي بين الأطفال في حاراتنا التي تضيق وتتسع تجد الصبية يلجئون إلى سب وشتم أمهات وأخوات الطرف الآخر أما الآباء والإخوة فإنهم في الحفظ والصون وقد يشملهم بعض شظايا الاشتباك لا أكثر. وحينما يسب الطفل أو الرجل وصدر المسبة والشتيمة ابن) وعجزها هي (الأم أو الأخت) كان يقولوا ابن القبيحة وأخ الوضيعة، لقد تحولت المرأة وبكامل مسمياتها إلى الضحية التي يغرس في جسدها المفرد والجمع حراب اللغة وتعدد الشتيمة . أما المرأة في بيتها فإنها تتعرض لأبشع أنواع العنف اللفظي لدرجة يمكننا القول إن ذكرها يمثل خدشا للحياء العام، فأي علاقة وأي ثقافة ندعيها ونخجل حتى من كشف أدوات الجريمة ومفرداتها اللفظية؟ طبيعة الظاهرة، المجال وأسباب الانتشار:
يمكن اعتبار العنف اللفظي شكلا من أشكال العنف الذي ولد مع أول انقسام واستغلال طبقي على الصعيد الإنساني وكان الانقسام الأول بين الرجل والمرأة والذي خلف الضحية الأولى التي تمثلت بالمرأة. إذن هي ظاهرة اجتماعية تملك جذرها الاقتصادي وتعبر بشكل واضح عن طبيعة العلاقة اللا متوازنة بين الرجل والمرأة مع استخدام مجالات البنى الفوقية واللغوية فضاء لممارستها بشكل مباشر في حياتها الزوجية أو في عملها و في الشارع وبشكل غير مباشر من خلال المنظومة الثقافية والفكرية والسلوكية للمجتمعات.
إن انتشار الظاهرة ووصولها لحالة يمكن وصفها بالأزمة الأخلاقية التي تلقي بظلالها على علاقة الرجل مع المرأة من جهة وعلى هوية حضارتنا من جهة أخرى يفرض على الجميع التصدي لشكل سيئ جدا من أشكال العنف ضد المرأة من خلال دراستها وتحليلها ووضع أفضل السب لمعالجتها.
إن العوامل التي تؤثر في انتشار الظاهرة تتمثل ب :-
1- عدم تناول الظاهرة من قبل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية باعتبارها أزمة أخلاقية تهدد هيكل المجتمع وبناه التحتية .
2- عدم وضع القوانين التي تعتبر العنف اللفظي وبالذات المستخدمة منها في الحياة الزوجية شكلا من أشكال القذف والشتم.
3- عدم التركيز على الظاهرة وأثارها السلبية في مناهجنا التعليمية والتربوية مع بقاء أشكال متعددة للعنف اللفظي ضد المرأة في تلك المناهج.
——–

الثرى

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شكري شيخ نبي

 

يا ليل أما أضناك هرج السمار

وانت تشيح مرودك عن الإصباح

 

أما آن للياسمين المعرش على

لسان اللظى أن يغفو عن البواح

 

أنا وانت و قنديل البدر ساه

وهزار يشدو الشجى كأنه المزاح

 

صاح يا نديم الصفا والليالي

لا تحرم شفاه الأقداح من الراح

 

دع الكؤوس تدنو للأقدار بنا

فلا إنفكاك هرم ولا لجم السراح

 

أراني والراحلين في مطي…

خالد إبراهيم

نيسان: الممرُّ بين وجهين، بين صراخٍ وتوابيت

نيسانُ ليس شهرًا، بل شقٌّ في زمنٍ يُجيدُ الانهيارَ على مهل.

كأنّ اللهَ، وقد أرهقه التوازنُ، قرّر أن يُفلت الزمامَ في هذا الشهرِ وحده، فجعلني بابًا تُطرَقه الحياةُ برِضيعٍ يشبهني، وتدخلهُ الوفاةُ بأمٍّ كنتُ أُشبهها… ثم انكسرتُ.

نيسان…

أأنتَ بابُ الولادةِ أم نعشُها؟

أأنتَ طَرقٌ سماويٌّ على نافذةٍ كنتُ نائمًا فيها، أم…

علي شمدين

– 1 –

يعد صدور العدد الأول من جريدة (KURDISTAN )، الذي أصدره الأمير مقداد مدحت بدرخان في القاهرة في (22 نيسان 1898)، بمثابة البداية الحقيقية لإنطلاقة مسيرة الصحافة الكردية التي أخذت على عاتقها خلال أكثر من قرن من الزمن- وبإمكاناتها المتواضعة- مهمة إيقاظ الجماهير الكردية وتعريفها بقضيتها القومية والمساهمة الفعلية في بلورة وعيها القومي…

عن منشورات رامينا في لندن، صدرت حديثاً رواية “الباستيل الصغير” للكاتب الكردي السوري عبد القادر سعيد، في عمل سرديّ يمزج بين التخييل الروائي والتوثيق التاريخي، حيث يغوص في أعماق التجربة الكردية مع القمع، السجون، والخذلان الوطني، عبر بناء سردي محكم يذكّر بسجون الباستيل الفرنسية، لكن بلغة محلية تنبض بالألم السوري والكردي.

تتناول الرواية، الصادرة في طبعتها…