الفنان التشكيلي الكردي آزاد حمي في حلب: رؤية تشكيليَّة رافضة للعنف وجانحة للسلام

بقلم: هوشنك أوسي

تحت عنوان: “رؤية تشكيليَّة شابَّة”، وضمن سلسلة المعارض الفرديَّة التي تقيمها دار “كلمات” بحلب، للفنانين السوريين المتعاقدين معها، تمَّ افتتاح معرض الفنان الكردي السوري الشاب، آزاد حمي، بتاريخ 22/4/2009. ولاقى المعرض إقبالاً جماهيريَّاً لافتاً، ليس في يوم الافتتاح وحسب، وبل في الأيَّام التي تلته. ناهيكم عن حضور نقيب الفنانين التشكيليين بحلب له، وحضور لافت من الإعلام السوري، بخاصَّة القناة الأرضيَّة السوريَّة، ومراسلي الصحف والمواقع الالكترونيَّة السوريَّة. وكان من المفترض أن يستمرَّ المعرض لغاية 10/5/2009. لكن، تفاجأنا، بأن المعرض تمَّ قطع استمراره في 26/4/2009، ومنع استكمال فترته المعلن عنها، دون ذكر الأسباب. وهنا، كَثُرَت علامات الاستفهام والتعجُّب حول هذا الأمر، وفيما إذا كان هنالك خلفيَّات سياسيَّة لهذا القرار.
ورشحت بعض المعلومات، أن جهات أمنيَّة، لا علاقة لها بالثقافة والفنون، كانت وراء قرار المنع ذاك. وإن كانت هذه المعلومات صحيحة، فهذه سابقة ثقافيَّة خطيرة، لم تعتد عليها مدينة حلب، في المسائل والقضايا الثقافيَّة!. فالبرغم من أن الفنان آزاد حمي، كان قد عرض أعماله في متحف الفن الحديث باللاذقيّة، قبل افتتاح معرضه في دار “كلمات” بيومين، أتى ذلك القرار الغريب، المشتبه به. علماً أن آزاد كان قد عرض أعماله في نفس الصالة، ضمن معرض مشترك قبل فترة.

وإذا كانت الأيادي الأمنيَّة “البيضاء”، قد طاولت كافة مناحي الحياة السوريَّة، من 8/3/1963، ولغاية اللحظة، بمعيَّة حالة الطوارئ والأحكام العرفيَّة، فإن ما حصل في دار “كلمات”، من المؤسف القول، إنه إحدى تجلّيات هذا السلوك غير القانوني والأخلاقي والحضاري الذي ينتمي لحقبة محاكم التفتيش الكنسيَّة في القرون الوسطى بأوروبا، حين كانت تلاحق المبدعين والمفكرين آنئذ!.

ورغم أن أعمال الفنان آزاد، في معرضه السالف الذكر، تعالج مشاغل وهموم إنسانيَّة، غاية في العمق والحساسيَّة، ولا ينزلق لاستخدام الرموز القوميَّة الكرديَّة، بشيء من الفجاجة والتسطيح، إلاّ أنه، يبدو ان أسم “آزاد” كان كافياً، لأن يربك ويزعج ويقضّ مضجع “فطاحلة” النقد التشكيلي، ورقباء وعرفاء وعمداء “الفن التشكيلي” في تلك الدوائر المغلقة!؟.

فغنيُّ عن البيان، لكلّ من حضر معرض الفنان آزاد، استخدامه لفمردات الريف، الكردي والسوري، بخاصَّة الديكة، في أعماله، ضمن لعبة الصراع الدموي بين الديكة، المعروف عنها. هذا الصراع الأعمى، الذي ربما يكون بين الزعامات، الذي قد ينتج بدوره صراعاً بين الأقوام أو الأديان أو المذاهب أو الطوائف…الخ!. فالفنان آزاد، يبدي رفضه لهذا الصراع الأعمى والوحشي، ويبيّن لنا فظاعة وكوارث هذا الصراع وتبعاته الوخيمة على النسج الاجتماعيَّة، من خلال أعماله، وصياغاته التشكيليَّة. وعليه، رغم مظاهر العنف الدموي الحيواني، في لعبة الصراع بين الديكة، فأن المقولة التي يودّ آزاد تمريرها عبر اعماله، هي؛ “لا للحرب والعنف والصراع السلبي”. وكأنّه يودّ أن يقول لنا: أنظروا إلى بشاعة الحياة، ووحشيّتها، إذا كان منطق الغابة هو سيّد الموقف فيها.

إن الفنان آزاد حمي، ومن خلال رؤيته التشكيليّة الجد حساسة، وعبر الألوان الرماديّة المحيطة بصراع الديكة، وكأنه يريد أن يقول: أن الحياة ستتحول إلى رماد ودخان، وستكون مبهمة المصير، إذا بقي الصراع قائماً في المنطقة. هذه رؤية تشكيليّة رافضة للعنف والحرب، ونازعة للسلام والتآخي بين الكائنات. أراد آزاد حمي أن يقول لنا، من خلال أعماله ولوحاته، بأنه يمكن للطبيعة ومفرداتها البسيطة، أن تعطينا دروس قويّة، أذا أردنا أن نسقطها على راهننا البائس المتلبّد الكئيب. آزاد حمي، تجربة تشكيليّة واعدة، بدأت مشوارها بقوّة وفرادة وتمايز. لكنّه واجه عرقلة في حلب، نأمل ونتمنّى ألاّ تكون هذه العرقلة عن عمد.

آزاد حمي في سطور:

من مواليد قرية “كاني كركي” التابعة لمنطقة رميلان، والتي عُرِّبت وصار اسمها “فداء”، سنة 1979. حصل على شهادة ثانوية “آليات الزراعية” من القامشلي. بدأت مواهبه الفنيَّة تتفتََّق منذ نعومة أظافره. اتَّجه للعاصمة السورية دمشق 1999، وحصل على شهادة من معهد أدهم اسماعيل للفنون التشكيليَّة سنة 2003. له معرضان فرديَّان: 2008 في صالة عشتار بدمشق. والمعرض الأخير، في دار كلمات بحلب، المشار إليه أعلاه. كما له مشاركات جماعيَّة في معارض عديدة داخل وخارج سورية، مثل؛ إيطاليا، اليمن، بلغاريا، تركيا. وقد اقتنيت أعماله التشكيليَّة من قبل وزارة الثقافة السوريَّة والمتحف الوطني السوري. وكما اقنت شركة “بيتروكندا” أعماله، في سنة 2008.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…