نوروز حليمة!

بسام مصطفى

عشت كل طفولتي و صباي و شبابي في (جمعايا) الملقية عند أقدام باكوك. و رغم أن مصائب و شوائب كثيرة كانت تشوب حياتنا هناك و من كل النواحي لكن لم اكن لأتوقع يوما من الأيام أن تقع عيناي في  تصفحي اليومي لشبكة الانترنت على خبر مذهل، مهول و مرعب و غير متوقع أبدا. أعلم أن أباطرة سليمو و يأجوجه و مأجوجه يقودون الرياح هناك بشباك الثعالب، و أعلم أن لتلك الجهة ريح لا تهب إلا مع المهازل و الفجائع…لكن أن تمتد أياد بعضهم إلى حليمة كوزى ، تلك المرأة البسيطة جدا و الحنونة جدا و التي تعذبت في حياتها جدا كأنما خلقت للعذاب فأن ذلك ما لم يكن بالحسبان!
أتذكرها- وأنا الذي أتذكر قليلا- جالسة أمام عتبة دارها مع بعض القريبات و الجيرة وهي لا تزعج أحدا بلعبتها، ذات وجه حنون و صبوح تبتسم لنا -نحن الشباب المقامر بأعمارنا و أقدارنا و نحن ذاهبون إلى مكان ما لندخن أو نتناقش في كل شي وعن لا شيء-و تسألنا عن أحوالنا بصدق و تدعي لنا و تتمنى لنا التوفيق و الخير والنجاح-الكثيرات سألن عن احوالنا و تمنين لنا التوفيق و الخير و النجاح و لكن ليس بصدق!- كانت حليمة تعرفنا بأسمائنا و أعتقد جازما أن الحقد لم يمر بطريق قلبها يوما رغم أن للحقد، هناك، جذورا من غمام و مكائد.
   أن أكتب عن زوجها السيد خليل كوزى الذي يعرفه أهل جمعايا برمتهم لبعض أقواله و تصرفاته المميزة و احتلاله لجزء من ذاكرتنا المشوهة أصلا فأن ذلك أمر متوقع، لكن أن أحمل قلمي و أسطر هذه الكلمات بسبب مقتل السيدة حليمة-وفي يوم النوروز!- فأن هذا ما لم يكن واردا في الحسبان.
ربما أرادت حليمة و هي في السبعين من عمرها أن ترتاح قليلا و تختلي بروحها و ترتاح قليلا من صخب أحفادها لذا فضلت البقاء في البيت و لم تكن تعلم ما الذي خبئه القدر لها…فأية لعنة هذه حلت علينا و على جمعايا و على الشمال و على كل الشمالات، حيث الغبار يغطي كل شيء بمئزره و يشوه أكثر فأكثر. أية لعنة هذه التي قادت أياد المشوهين إلى امرأة في السبعين من عمرها ترتاح في دارها وحيدة  ليذيقوها عذابا و تشويها و ليهبوها موتا ما كانت تستحقه و هي التي لم تؤذ احدا في كل عمرها! أية لعنة جاءت لتأخذ بثأرها و ممن؟
حليمة كوزي المرأة الكردية البسيطة، التي عايشت و رأت و عاشت تفاصيل حياة الكردايتي  من حصاد و جني قطن و لم تتحدث بغير لغتها الكردية و كانت رمزا للمرأة الكردية الأمية لكن المحبة لقوميتها و شعبها فطريا، تستشهد في يوم النوروز من هذا العام (2009)، و في جمعايا  الكردية…
لن أسطر المزيد لروح حليمة، فها روحها قد إرتاحت بعد طول عناء………….

هولير 29/3/2009   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إلى أنيس حنا مديواية، ذي المئة سنة، صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة
إبراهيم اليوسف

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا، بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفًا، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلًا وجوديًا، حاسمًا، مزلزلًا. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته،…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…