محكومون باصطياد الفرح

غسان جان كير

دعاني احد أعضاء فرقة (gerdelûl) لحضور أمسية تقام بمناسبة مرور (30) عاما على رحيل القائد الكردي (مصطفى البارزاني)
واجتمعنا – قُبيل الانطلاق إلى مكان الحفل – في احد البيوت الفقيرة , في احد الأحياء الفقيرة , في مدينة عامودا الفقيرة , في هذه المُحافظة المُفقرة , وهل يُحاصرنا إلا الفقر, وهل إذا وصف احدنا الآخر إلا أن يقول : مقطوعو , فقيرو ….

كانت الحميمية سيدة الموقف بين المشرف على الفرقة و أعضائها , ولكنها كانت حميمية , تُكسر حاجز الاحترام الدبلوماسي , بين أعضائها , الذين يتبادلون النكت والضحك , وهم يتجهّزون للأمسية , الأجواء المُفعمة بالبهجة , بتنا نفتقدها , يوما إثر يوم , وهل أبقى (أولاد الحرام لأولاد الحلال) شيء من البهجة.
وبجهد عسير , سار بنا الباص , ولا نقول انطلق بنا الباص , لأن فعل  (الانطلاق) لا يتماشى مع هذا النوع من الباصات , بل , نستطيع القول : (سَلْحَفَ) بنا الباص , (فعلٌ من اسم السلحفاة) , ذلك أن حمله من الركاب كان أضعاف أضعاف طاقته , فعدد الواقفين فيه , كان ضعف الجالسين , وعدد الجالسين , كان ضعف المقاعد , وهذا العدد كان كفيلاً , بجعل مُخمّدات الصدمة (المقصات) تُطقطق لدى مرور الباص فوق حُفر الطريق (وما أكثرها) , أو بميلان الباص ذات اليمين والشمال , بحسب الطريق , وقد كانت إحدى الحفر كفيلة , بإسكات – ولثوان – صوت الفنان (فواز) الذي ينبعث من آلة التسجيل القديمة , في الباص القديم (المتحفي) , الذي ما كان (لدعسة المازوت) فيه أن تتجاوب مع سرعة الإيقاع في الأغاني .
ترى , أ كان تكفل الله بحمايتنا , وراء عدم تجاوب الباص مع (دعسة المازوت) , أم العدد الزائد من الركاب , أم أن روحاً بُعثت في الباص , وتُدرك أن صرف (المازوط) , بات ترفاً , على الفقراء , ومزروعاتهم , أم جميعها معاً .
فشكرا للباص , لتآخيه مع بيوتنا الطينية , واختصارهما , للمطر , بنقط من (الدلف) على رؤوسنا .
وشكرا لمن ساهم بتجهيز القاعة , الذين كانت حبات المطر (تُداعبهم) , وهل يمكن تسمية أقوى العواصف , في هذه السنين الجدباء , إلا بالمداعبة , وهل لأحد أن يتبرّم من المطر , الذي لا يُحيينا سواه , وهل لنا إلا شكر السماء , التي أدركت , (أن العودة عن الخطأ فضيلة) .
وشكرا لله , بأني شاهدت عروض (فرقة نارين) , التي كان لدي شوق للتعرف عليها , فرأيت أعضائها شبيهين بزهور الكرز, وأصواتهم ترتاح لها النفس , وليسوا , بغيلان , أو أشرار يهددون أمن المواطنين, كسببين افتراضيين, لمنعهم , من أداء عروضهم , في احد المهرجانات الرسمية , وتلقيهم لدعوة رسمية أيضا
وشكرا لتلك القاعة , التي آوتنا من البرد , والتي عرفت عنها , أنها كانت بالأساس مكانا , لتربية الأبقار , و لعمري أن تلك الزريبة , اطهر ألف ألف مرة , من قاعة المؤتمرات , في أرقى الفنادق , حيث يتآمر فيها البعض , ويأتمرون , على كيفية تجريد الفقراء من قوت يومهم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…