ما يُشبه ألف ليلة وليلة

غسان جان كير
 
قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد , ذو الرأي الرشيد , يا مَن يخافه الصنديد والرعديد , ونفتديه بالكبير والوليد , بأبي أنت وأمي , أُفديك بروحي ودمي , يا مَن عطسته ألمي , وطلّته تُسحر كل الأمم , يا حُبي ويا رجائي , ويا مَن قدّرت وفائي , وبأني لحبك صائنة , ولبعل مثلك غير خائنة , وقُرّ عيناً , ستجدني دائماً حَرَمك المصون , وكل شي في سبيل حبك يهون .
بلغني أيها الملك السعيد , أن السندباد عندما وصل الجزيرة , وجدها فقيرة , الغبار و الأتربة فيها مثيرة , فالإمطار فيها لم تعد وفيرة , وهي أصلا بالاهتمام غير جديرة , وان القحط أصابها من كل بند , وتعطل عن العمل كل ساعد وزند , فهاجر معظم سكانها الى دار الخلافة التي كانت تتبعها سمرقند , فصاحب الشاحنة رفع دواليبها على الكريكو , واخذ يبحث عن عمل في شركة هنيدكو , وفرز النسوان على ورشات التريكو , والطيان هاجر ليعمل في المدجنة , يتفاهم مع الدجاج بالطرطنة , فجمع البيض لا يقارن بالعهرنة , واثبات ذلك لا يحتاج إلى برهنة , وأما المهندس فقد سافر إلى الخليج , طبعا وليس برفقة الحجيج , مفارقا أهله وفي قلبه نارا من أجيج , يسأل الله هناك عن الفرج والتفريج , وأما الفلاح فقد هجر الأرض على مضض , بعد افتقاده للتشجيع والحضض , فالتكاليف تنهال على رأسه وتصيبه بالرضض , وليس بمقدوره النجاة من العضض , والحمد لله وعليه العوض , وفي هذا المعنى يقول الشاعر (جميل داري) :
      (وحقلي الذي أمضيت فيه طفولتي   ذوى.. لم تعـد تفـتر فيه السنابل)  
      (سماء بلا ماء وارض عقيمة      وآت خواء ليس فيه سنابل)
هذا ما كان من أمر العباد , أما ما كان من أمر السندباد , فانه بات ليلته في ارق و سهاد , لا تُطاوعه الجفون على النوم والرقاد , يعمل فكره كأنه صياد , ولن يثنيه عن الحل عنتر بن شداد , وحلف – ألا يبرح الجزيرة – بإله العرشِ , وان يُنغص عيش المرابي والمرتشي , يلجم الأول حمارا والأخر كالجحشِ , وبعد تفكير وتمحيص , جاءه من نور الفكرة بصيص , وهو على إنصافهم حريص , دون أخطاء أو تخبيص , والفكرة ببساطة وإيجاز , ودون مواربة وألغاز , أكثر سلاسة من موسيقى الجاز , أو فتاوى ابن الباز , بأن يستنجد بالمصباح السحري , بشكل عاجل وفوري , فأخرج المصباح من جعبته , وقعد القرفصاء على إسته , ومسح المصباح بسبابته , ودمدم بأشياء مُبهمة , وهي للمارد مُلهمة , مِن قبيل (شرم برم أُخرج يا شرشوح , من طلباتي وين بدك تروح) , وبلحظة قصيرة خرج المارد من المصباح , مالئً الجبال والبطاح , يهتف بكل ودٍ وانشراح (شبيك لبيك , عبدك بين ايديك).
ولمّا طالبه السندباد , بإرجاع البسمة للطفل والختيار, وضرب مواقع المرابين والمفسدين والمرتشين والأشرار , بعزمٍ وحزمٍ وإصرار , وإيجاد فرص العمل للمواطنين الأبرار , دون ان ينسى ربط الأجور بالأسعار , فما كان من المارد إلا أن هاج وماج , وكأنه بحر من عجاج , فهذه المطالب دفعته للانزعاج , وهي بنظره تدعوا للانبعاج , حتى خُلت أن السدباد ليس منه بناج , إذ قال المارد وفي صوته اختلاج , (يا حيف عليك) أنا انظر إليك بعين كبيرة , وأنت ترمقني بعين صغيرة , فهذه المطالب , لسهولتها , ليست بمقامي جديرة , وسوف افسفس عن خَرَفك لبدر البدور الأميرة , وقال السندباد : لابد من فعل ذلك . فقال المارد : لك ذلك .
ونام السندباد على ذلك الأمل , وهو بنُصرة المُستضعفين سكران وثمل , وقد بات قاب قوسين جمع الشمل.
فلما كان صباح الغد , استفاق السندباد على قهقهات بغير حد , فخرج الى الشارع دون اخذ ورد , ووجد الناس يضحكون وهم مورّدي الخد , الكل يُبشر الكل , والكل يفرد خبره بالتفصيل الممل , طبعا بعد السلام بصباح الورد والفل , والأخبار كانت كثيرة , وهي بالفعل مُثيرة , تُسر كل ذي عقل وبصيرة , فمنها ان الحكومة ستنشئ عشر مصانع , في الوقت بدل الضائع , فيا للخبر الرائع , وذلك ضمن الخطة الخمسية, بتطوير المنطقة الشرقية, وهذا ما ورد في الجريدة الرسمية , فالخبر صحيح مية بالمية , ومن الأخبار أيضا أن سعر المازوت سيرجع إلى سابق عهده , بعد ان فاق دماره حده , فظن السندباد أن المارد قد وفى بوعده , وفاته أن اليوم هو الأول من نيسان , وكان ياما كان , في هذا العصر والأوان.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إلى أنيس حنا مديواية، ذي المئة سنة، صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة
إبراهيم اليوسف

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا، بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفًا، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلًا وجوديًا، حاسمًا، مزلزلًا. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته،…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…