مرحباً بأدونيس الشاعر في كردستان

فتح الله حسيني

ليس بمقدور المرء، أي إمرء كان، ومن أي جنس أو فصيل، أن يتغافل عن نتاجات وإبداعات منظر وشاعر سوري عالمي بحجم أدونيس، وليس بمقدور المرء، أي كائن أو كاهن كان، أن يتجاوز أدونيس، الشاعر، المنظر، المفكر، المبدع في لباقته، وفي ترحاله وأسفاره، ومواطئ حدسه، حزنه، وصمته الأكثرحزناً، وهو الزائر حالياً في أروقة وحسن جمال كردستان.
حيال زيارة أدونيس لكردستان، إرتأى البعض ، أي بعض كان، بساذجة واضحة وفاضحة، دون دراية من تاريخ وأسفار أدونيس، وكتبه، وترجاته، ودورياته، ومواقفه، أراد ذاك البعض، بلغة انشائية ركيكة، وبحضور حفيف، خفيف وخجول، هنا في كردستان، أن يشوش على فحوى الزيارة العظيمة لشاعر مثل أدونيس الى وطن كبير بشهدائه، وطن كاد أن يموت جراء الكوارث والفجائع الاستثنائية، وهو وطن أصلاً ذات مواقف استثنائية
كاد اولئك أن يشوش على زيارة أدونيس لكردستان، عبر منابر شتى وأوراق شتى، لها نواياها في إثارة الضغيتة، أولئك الذين حاولوا، بكل ما أوتيوا من قوة وقوى، في التشكيك بزيارة أدونيس الى موطن الشهداء، طبعاً عندما أكتب اسم أدونيس، هنا، فأني، بكل برود أعصاب، أتحفظ على ألقاب هذا الانسان الكثيرة، وهو المعني بالألقاب، أو بمعنى آخر هو المتكبر على اللقب، المنزوي، العابر هكذابلا سؤال، الدائخ في موطن ما، فهو أدونيس فحسب، كما يحب أن ينادي أو يلوح وهو الخارج من حلمه للتو، نعم للتو.
إن شك “البعض” في فحوى زيارة أدونيس لأرض ومقابر وعقلاء وأدباء ومنتديات ومنابر ومثقفي كردستان، هو شك بغيض، وطائش، لأنه نابع من نوايا أقل ما يقال فيها أنها نوايا خبيثة، لأن أدونيس زار كردستان فحسب، وأراد بملئ إرادته التي لا تأكلها الريح أن يطلع فحسب، على شجن وحزن وحب وفرح وترح كردستان، وهو سبق جميل، وهو، أي أدونيس، له تاريخه وقراءه ومريديه ومرافقيه وحساده ومعارفه ومجلاته وقنواته وصحفه وأوراقه وأقلامه المبعثرة من أقصى أبجدية المعمورة الى آخر وأقسى خبر في المعمورة، ومن أقصى الشمال، الكردي طبعاً، الى أقصى تخوم الله.
الشاعر أدونيس، الذي يلف يستفز من لعنة السؤال الأحمق، له بساطته المعهودة في الإجابة، وهي عادته كعادة الشعراء العظام، وهو المنتشي بالكرد، على الأقل في كردستان، ولم ولم يبخل على زواره بالكلام، ويا لكلام شاعر مغرق في تجربة الكتابة من قصابين الى باريس فعواصم وأرياف أخرى.
“ألا تملون من الكلام عن مجلة شعر” كلام ردده أدونيس، المنظر، بملئ صباحه البهي في بهو فندق “سليمانية بالاس” حيث يقيم، وهو مختنق من غياب لغة عربية تريحه، فله ما هو أكثر من مجلة “شعر”، هي، إذاً، نهاية البداية، أو لأقل بداية النهاية.
لأبدأ، إذاً، من حيث انتهى بعض الإعلاميين، الزائرين، لصومعة أدونيس، ومكان إقامته، أو لأقل أولئك البعض، هكذا رددّت الجملة على عواهنها، والقول لي لأدونيس، وهو المشغول بالصمت، بحجم الحزن، بالصمت مرة أخرى، وهو الذي وضع، قبل أيام، قليلة جداً، أكليلاً من الورد الطاهر على أرواح طاهرة، جليلة، جميلة، في حلبجة الشهيدة، مع شاعرنا العظيم شيركو بيكس، ورداً جميلاً كوطن لكَ، على ضريح خمسة آلاف شهيد في مدينة حلبجة، وهو الذي جاوز حدود الخرنوب، والحرمل و”قصابين” وودَع محمد الماغوط، الشاعر، ومحمود درويش، الشاعر، وسنية صالح، الشاعرة، ومئات الأحباب من هنا وهناك، ليقول “أريد أسئلة جديدة تليق بالمكان”.
هو أدونيس، إذاً، الشاعر والمنظر السوري العالمي، في حضرة كردستان، موطن ومرقد الشهداء، تحتفي بأدونيس، الزائر، كما لا تحتفي بأبنئها الخجولين، ولاتحتفي، لأنها كردستان،  إلا بما يليق بقامة الشهيد.
أدونيس الشاعر، المسمى باسم صنم من أصنام الفينيقيين، الخارج، على الدوام على تقاليد التسمية العربية، أو الشرقية، لا يهم، يترك قريته، قرية “قصابين في جبلة، وةمن ثم ليدرّس في الجامعة اللبنانية، وينال الدكتوراة في الأدب العام 1973، هو نفسه أدونيس، صاحب الشعر الطويل، كما هو الآن، كما كان يواً أبان إثارة أطروحته “الثابت والمتحول” سجالاً طويلاً، طويلاا جداً، أبان صدوراه، وهو الذي تكررت دعواته كأستاذ زائر إلى جامعات ومراكز للبحث في فرنسا وسويسرا وأمريكا، وألمانيا ودول لا تعرف خارطتها الا الله.
أدونيس المحتفى به في كردستان، هو نفسه المحتفى به في دول المشرق والمغرب، وهوالمتحفى به من قبل كبربات المنتديات وصالات المدن والدول، وكبريات دور النشر وكبرى العواصم ، وهو الذي ما زال الانسان الذي لا يجرح السكين موضعاً  في حزنه مسه الدمع، وهو الذي يبكي، هو الصامت، الباكي،  المسافرز، الشمئز، البسيط، المعقد، الشاعر، الواضح كالقهوة، كأنه يشرف نبيذاً من ذهب أصيل، يبخل في الشرب، شرب القهوة، وهو الذي يسال عن الأصدقاء كأنه يسأل عن وطن غائب عنه منذ عقود.
سألني أدونيس عن أخبار صديقي العزيز محمد عفيف الحسيني، ما هي أخباره، بعد أن عرف أني فتح الله حسيني، وأن لي نسباً حسينياً، قلت “أنت الأقرب الى محمد عفيف، فبين باريس وغوتنبرغ مسافة أقل من المسافة بين السليمانية وغوتنبرغ”.. قال “هذا صحيح” وكأنه شعر بإثم ما، كنتُ أتمعن في عينيه الفوضويتين، وهو  يسأل عن المسافة بين القامشلي وبين السليمانية، وبين المسافة بين دمشق وبغداد.
أدونيس في كردستان، مانشيت تناقلته وسائل الإعلام في كردستان والعراق، كأنها وسط ضجيج لن ينتهي، فمرحى لكردستان باحتضانها لأدونيس، ومرحى لضيف كردستان أدونيس الذي ما زال يبكي، أو على الأقل يصمت في حضرة الشهداء وهو العارف، جيداً، بفن الكلام.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…