فسا الأمير بين جلسائه, من وزراء وأعوان وحواشي, تنشق الجميع رائحة الفساء ثم اختلفوا بشأن نوع الطيب الذي يفوح من الأمير , وانقسموا إلى طائفتين , طائفة قالت أنه العنبر المستخرج من الحيتان , وأخرى قالت أنه المسك المشتق من الغزلان , وما لبث أن تحول الخلاف إلى صراع ذي شان .
فضحك الأمير وقال منتشيا : إنها سحر زوجك الأمير, أيتها الأميرة العزيزة, ما قيمة أمير لا يستطيع التحكم بآذان وعيون وأنوف الناس وبرمجتها على هواه ؟؟!!
أهازيج النصر
عاد من المعركة , منهكا , فاتر العزيمة, خائر القوى, يجر أقدامه تعبا, فالتم حوله حشد كبير من أبناء القبيلة , شيبا وشبابا , إناثا وذكورا , يطلبون منه الحديث عن المعركة.
استفرد بفصحاء القوم قليلا ثم عاد يخطب فيهم وقال :
كنا سبعمائة وكانوا سبعة .
انقضضنا عليهم كالأسود ودككناهم دكا ذات اليمين وذات الشمال , وبعد سويعات من معركة طاحنة ضروس يشيب لها الولدان , انفصلنا عن بعضنا لنيل قسط من الراحة , وكان قد بقي منا سبعون وبقي منهم سبعة.
هاجمناهم تارة أخرى في كر وفر , راكبين وراجلين , حتى نال الجوع منا , فافترقنا ثانية لنقتات زادنا , وكان قد بقي منا سبعة , وبقي منهم سبعة أيضا.
وفي الشوط الثالث وبعد قتال شرس عنيف بقيت الوحيد من رجالنا الأشاوس , وبقي منهم سبعة .
انشغل قائدهم بالحديث مع أحد أعوانه, تناولت حذائي من قدمي خلسة ورميته به , فكاد الحذاء أن يمس شعر رأسه.
ما إن سمع الحضور حديث المقاتل حتى انطلقت زغاريد النسوة وعقدت حلقات الدبك وأشعلت النيران , وألقيت الكلمات , وترنم الشعراء والمغنون بأناشيد العزة , وابتهل رجال الدين إلى الله, ابتهاجا بالنصر المؤزر .
وفي اليوم التالي اجتمع مثقفو وفنانو القوم ليخططوا لإقامة نصب لنعل المقاتل وسط خيام القبيلة ليكون نبراسا يضيء للأجيال دروب العزة والمجد .
المستقيم
أمام جمع من الناس مشيت على خط مستقيم فاستهزأ مني الحشد وقالوا :
أنظروا إليه , إنه يسير متعرجا ويترنح كالسكران.
حينها أدركت أن المستقيم عند هذه الأمة لا يعني أقرب مسافة بين نقطتين .