حيدر عمر
بتاريخ 13. 10. 2009 كتب السيد عدنان حسين أحمد في “إيلاف” مقالة عن الفيلم التركي “المسبحة الخطأ” الدي عُرض في الدورة الثالثة لمهرجان الشرق الأوسط في أبوظبي احتفاء بـ” السينما الجديدة في تركيا”. تدور أحداث الفيلم الدي كتب قصته كل من طارق طوفان و غوركيم يلتان و بكتاش توبال أوغلو و أخرجه أورهان أسكيكوي و أوزغور دوغان، تدور أحداثه حول قصة حب جمعت بين مؤدن جامع و فتاة كاثوليكية.وهي قصة ترصد ، حسب كاتب المقالة، حالة من التلاقح الفكري بين الأديان.
لست أدعي هنا الحديث عن أي جانب من جوانب الفيلم الفنية أو الفكرية، لأنني لم أشاهده، ولكنني أود الإشارة إلى أن مثل هده المواضيع التي تطمح إلى التعبير عن نشدان التلاقح الفكري بين أكثر من ديانتين ليس جديدا على الأدب الشرقي، ومنه الأدب الكوردي.
لست أدعي هنا الحديث عن أي جانب من جوانب الفيلم الفنية أو الفكرية، لأنني لم أشاهده، ولكنني أود الإشارة إلى أن مثل هده المواضيع التي تطمح إلى التعبير عن نشدان التلاقح الفكري بين أكثر من ديانتين ليس جديدا على الأدب الشرقي، ومنه الأدب الكوردي.
لقد سبق للشاعر الكوردي فقي تيران (1564-1660)* أن كتب في القرن السابع عشر مطولة شعرية قصصية رائعة تحت عنوان ” قصة شيخ صنعان” تحدث فيها عن قصة أحد الشيوخ الدي هام بفتاة مسيحية، فترك تلاميده و تبع الفتاة إلى بلادها حتى تسنى له الاقتران بها.
تدور أحداث هده القصة، حسب مطولة فقي تيران، حول حب الشيخ فتاة قروية (أرمينية في بعض الروايات، و جورجية في بعضها الآخر) بحيث يهيم بها، فيترك تابعيه من تلاميد ومريدين، و يهاجر إلى أرمينيا أو جورجيا بغية اللقاء بفتاته. و هناك يرتد عن دينه، و يتنصر، فيعلق الصليب على صدره، و يرعى خنازير أبيها طمعا في التقرب منها.و يبقى هكدا مصرا على وصالها، فيعز ما آلت إليه حاله على تلاميده، فيدهبون إليه يحدوهم الرجاء في أن يعيدوه إلى ما كان عليه، إلا أنه يجفو في لقائهم. و يدوم على هده الحال، حتى يقيض له أن يتزوخها. وفي الختام يعود إلى دينه و إلى بلاده، و تتبعه الفتاة مسلمة، و يموتان معا.
هده الأسطورة مشهورة في الشرق، و في ما وراء القوقاز. و من الصعب تحديد مكان و زمان نشوئها. و كدلك يصعب تتبع تطورها، و ليس بوسع المرء سوى أن يفترض أنها نشأت في منطقة ما، كان يُنطق فيها بإحدى اللغات الإيرانية، و في الفترة التي ظهرت فيها الصوفية إلى الوجود. كما أن أقدم نسخة أدبية معدلة و معروفة عن هدا الموضوع الفولكلوري تعزى إلى الشاعر الفارسي فريدالدين العطار.و قد صاغ الشاعر الأدربيجاني حسين دزافيد( 1882-1941) أيضا هده الأسطورة شعرا.
و قد أشار الأبشيهي في ” المستطرف” إلى قصة شبيهة بهده الأسطورة, و جعل بطلها شيخا كان يقيم في بغداد، و يُعرف بأبي عبدالله الأندلسي البغدادي، و كان له مريدوه و أتباعه. وقع الشيخ في حب فتاة نصرانية، و بسبب هدا الحب ارتد عن دينه، و رعي خنازير أبيها، ثم آب إلى رشده و إلى دينه ثانية، و قفل عائدا إلى بغداد، فتبعته الفتاة معتنقة الإسلام. (راجع: المستطرف من كل فن مستظرف. لمؤلفه شهاب الدين محمد الأبشيهي، تحقيق الدكتور عبدالله أنيس الطباع، ص 169-170).
أما في الموروث الشعبي الكوردي، فثمة أشكال متعددة لهده الأسطورة، تحت اسم (دوتا جورجا-الفتاة الجورجية). و قد استوحى منها الشاعر الكوردي ملاي جزري، وهو من معاصري فقي تيران، قصيدة تائية بلغ عدد أبياتها خمسة و عشرين بيتا.
من المحتمل أن فقي تيران اتخد واحدا من تلك الأشكال كأساس لمطولته “قصة شيخ صنعان” التي تتألف من ثلاثمائة و ثلاثة عشر مقطعا شعريا رباعي الأسطر، و يتكون السطر الشعري فيها من سبعة أو ثمانية مقاطع لفظية، حبكها الشاعر بأسلوب شعري قصصي سلس، يعكس قدرته و سيطرته على أدواته في بناء قصة فنية محكمة.
ومن الجدير دكره أن المستشرقة الروسية م. ب. رودنكو قامت في ستينيات القرن المنصرم بتحقيق نص من هده المطولة مكتوب بخط اليد موجود في المكتبة الشعبية في سانت بطرس بورغ ضمن المجموعة التي جمعها المستشرق الروسي ألكسندر جابا الدى كان يشغل منصب القنصل الروسي في أرزوم في القرن التاسع عشر. وحين كنت أبحث في حياة فقي تيران و شعره عام 1993 وجدت نصا غير مكتمل و غير محقق لهده القصة لدى الصديق خليل ساسوني المحامي، المقيم في القامشلي، بلغ عدد مقاطعهالشعرية مائة و ثمانين مقطعا رباعي الأسطر.
لا أعلم إن كان مؤلفوا قصة الفيلم التركي على دراية بقدم هده القصة في التراث الأدبي الشرقي وفي الأدب الكلاسيكي الكوردي أم لا، ولكنني أكاد أجزم، لسببين، بأنهم لم يشيروا إليها في هامش قصتهم، السبب الأول هو أن كاتب المقال، أعني السيد عدنان حسين أحمد، لم يتطرق في مقاله إلى هدا الأمر، و الثاني، و لعله الأهم، هو أن الفيلم، في حال الإشارة إلى مصدر القصة، لم يكن ليثير كل دلك الاهتمام الدي لاقاه في المهرجان، لأنه لم يأت بجديد في موضوعه الدي لفت انتباه المشاهدين و النقاد، مما يدعونا إلى التساؤل: أكان الأمر تناصا أم سرقة أدبية؟!.
ــــــــــــــــــــــ
* كتبت لقب الشاعر الكوردي (تيران) وليس (طيران) عن قصد، لأن لي وجهة نظر في هدا الأمر. و قد أفضت في شرحها في كتابي ( فقي تيران، حياته و شعره و قيمته الفنية) الصادر في بيروت عام 1993.
تدور أحداث هده القصة، حسب مطولة فقي تيران، حول حب الشيخ فتاة قروية (أرمينية في بعض الروايات، و جورجية في بعضها الآخر) بحيث يهيم بها، فيترك تابعيه من تلاميد ومريدين، و يهاجر إلى أرمينيا أو جورجيا بغية اللقاء بفتاته. و هناك يرتد عن دينه، و يتنصر، فيعلق الصليب على صدره، و يرعى خنازير أبيها طمعا في التقرب منها.و يبقى هكدا مصرا على وصالها، فيعز ما آلت إليه حاله على تلاميده، فيدهبون إليه يحدوهم الرجاء في أن يعيدوه إلى ما كان عليه، إلا أنه يجفو في لقائهم. و يدوم على هده الحال، حتى يقيض له أن يتزوخها. وفي الختام يعود إلى دينه و إلى بلاده، و تتبعه الفتاة مسلمة، و يموتان معا.
هده الأسطورة مشهورة في الشرق، و في ما وراء القوقاز. و من الصعب تحديد مكان و زمان نشوئها. و كدلك يصعب تتبع تطورها، و ليس بوسع المرء سوى أن يفترض أنها نشأت في منطقة ما، كان يُنطق فيها بإحدى اللغات الإيرانية، و في الفترة التي ظهرت فيها الصوفية إلى الوجود. كما أن أقدم نسخة أدبية معدلة و معروفة عن هدا الموضوع الفولكلوري تعزى إلى الشاعر الفارسي فريدالدين العطار.و قد صاغ الشاعر الأدربيجاني حسين دزافيد( 1882-1941) أيضا هده الأسطورة شعرا.
و قد أشار الأبشيهي في ” المستطرف” إلى قصة شبيهة بهده الأسطورة, و جعل بطلها شيخا كان يقيم في بغداد، و يُعرف بأبي عبدالله الأندلسي البغدادي، و كان له مريدوه و أتباعه. وقع الشيخ في حب فتاة نصرانية، و بسبب هدا الحب ارتد عن دينه، و رعي خنازير أبيها، ثم آب إلى رشده و إلى دينه ثانية، و قفل عائدا إلى بغداد، فتبعته الفتاة معتنقة الإسلام. (راجع: المستطرف من كل فن مستظرف. لمؤلفه شهاب الدين محمد الأبشيهي، تحقيق الدكتور عبدالله أنيس الطباع، ص 169-170).
أما في الموروث الشعبي الكوردي، فثمة أشكال متعددة لهده الأسطورة، تحت اسم (دوتا جورجا-الفتاة الجورجية). و قد استوحى منها الشاعر الكوردي ملاي جزري، وهو من معاصري فقي تيران، قصيدة تائية بلغ عدد أبياتها خمسة و عشرين بيتا.
من المحتمل أن فقي تيران اتخد واحدا من تلك الأشكال كأساس لمطولته “قصة شيخ صنعان” التي تتألف من ثلاثمائة و ثلاثة عشر مقطعا شعريا رباعي الأسطر، و يتكون السطر الشعري فيها من سبعة أو ثمانية مقاطع لفظية، حبكها الشاعر بأسلوب شعري قصصي سلس، يعكس قدرته و سيطرته على أدواته في بناء قصة فنية محكمة.
ومن الجدير دكره أن المستشرقة الروسية م. ب. رودنكو قامت في ستينيات القرن المنصرم بتحقيق نص من هده المطولة مكتوب بخط اليد موجود في المكتبة الشعبية في سانت بطرس بورغ ضمن المجموعة التي جمعها المستشرق الروسي ألكسندر جابا الدى كان يشغل منصب القنصل الروسي في أرزوم في القرن التاسع عشر. وحين كنت أبحث في حياة فقي تيران و شعره عام 1993 وجدت نصا غير مكتمل و غير محقق لهده القصة لدى الصديق خليل ساسوني المحامي، المقيم في القامشلي، بلغ عدد مقاطعهالشعرية مائة و ثمانين مقطعا رباعي الأسطر.
لا أعلم إن كان مؤلفوا قصة الفيلم التركي على دراية بقدم هده القصة في التراث الأدبي الشرقي وفي الأدب الكلاسيكي الكوردي أم لا، ولكنني أكاد أجزم، لسببين، بأنهم لم يشيروا إليها في هامش قصتهم، السبب الأول هو أن كاتب المقال، أعني السيد عدنان حسين أحمد، لم يتطرق في مقاله إلى هدا الأمر، و الثاني، و لعله الأهم، هو أن الفيلم، في حال الإشارة إلى مصدر القصة، لم يكن ليثير كل دلك الاهتمام الدي لاقاه في المهرجان، لأنه لم يأت بجديد في موضوعه الدي لفت انتباه المشاهدين و النقاد، مما يدعونا إلى التساؤل: أكان الأمر تناصا أم سرقة أدبية؟!.
ــــــــــــــــــــــ
* كتبت لقب الشاعر الكوردي (تيران) وليس (طيران) عن قصد، لأن لي وجهة نظر في هدا الأمر. و قد أفضت في شرحها في كتابي ( فقي تيران، حياته و شعره و قيمته الفنية) الصادر في بيروت عام 1993.