(كيزيلكايا: للترجمة التركية فضل كبير في اعتراف الأتراك باللغة الكردية) حوار مع المترجم الكردي محسن كيزيلكايا

  حاوره جان دوست

 
هناك الكثير من الأكراد لا يقبلون بترجمة النتاجات الكردية إلى التركية. ما تعليقكم على ذلك؟

لا أرى أنهم جادون. لأن كل شيئ عندهم باللغة التركية. في المنزل يتكلمون التركية, يرسلون أولادهم إلى المدارس التركية, يخدمون في صفوف الجيش التركي, يدفعون الضرائب إلى الخزينة التركية. يصبحون مدرسين للغة التركية و يعلمونها لأطفال الكرد  في المدارس, يعملون في مؤسسات الدولة و يقبضون رواتبهم من هناك. و على العموم فحياتهم و على مدار الأربع و العشرين ساعة باللغة التركية ثم يأتون ليقولوا لا يجب للنتاجات الكردية أن تترجم إلى التركية!! أنا لا أفهم هذا المنطق  و ليعذروني على ذلك.
  أيعود هذا الأمر إلى ذهنية قومية ذات أفق ضيق أم هو سعي للحفاظ على اللغة الأم أمام اللغة المسيطرة؟

يهذا الشكل لا يمكن حماية اللغة. اللغة الكردية يتم حمايتها أولا في المنزل. فعلى جميع الكرد التكلم بلغتهم مع أطفالهم في البيت. ثم نشر المزيد من النتاجات الكردية و كتابتها. و يجب نشر تلك النتاجات على نطاق واسع بحيث يقرؤها الكرد  و يتبنونها و يدعموها. يجب أن تقوم المؤسسات و المنظمات  الكردية بأبحاث حول اللغة و الثقافة الكرديتين. عليها أن تذهب إلى القرى و الأرياف و تقوم بجمع الفولكلور الشفاهي  ثم تأتي بما جمعته إلى المدن  و تقوم بدراستها. عليها إصدار كتب بهذا الشأن و إقامة مسرحيات و أمسيات موسيقية. على من يقوم بمثل هذه الأمور أن يجهدوا أنفسهم. يقولون يجب على النتاجات الكردية ألا تترجم!! إن هذا المطلب يسد الآفاق أمام الأدب الكردي. يحجم الأدب و يجعله سجين بيئة كردية محلية. لا يحق لأي كان أن يتعدى هكذا على الأدب الكردي. لنتساءل الآن لو لم تترجم كتب دوستويفسكي و تولستوي من كان سيسمع بأدب هؤلاء العظماء سوى الروس!!

ما الفرق بين ترجمة نتاج كردي إلى التركية و بين ترجمته إلى الفارسية أو العربية؟ و لماذا الهجمة تطال الترجمة إلى التركية فقط؟

بحسب قناعتي لا يوجد أي فرق. من يعترض على الترجمة إلى التركية إنسان غير عاقل. و أستطيع تسمية هؤلاء بالحمقى.. و لنسأل ما الذي أنجزه هؤلاء؟ إنك لو أنجزت عملاَ كتابياَ و ترجمته إلى لغة أخرى  و وجد ذلك العمل صدى في اللغة التي ترجم إليها, تكون قد خدمت الثقافة و قمت بعمل مفيد. هذا من أهم معايير العمل الأدبي.  و أنا لا أفهم ما الذي يدفع أولئك الحمقى إلى معاداة اللغة التركية لهذه الدرجة. قلت قبل قليل إن كل ما عندهم باللغة التركية. فلينتبهوا أولاَ لحالهم.

 
في سياق متصل بسؤالي السابق, هناك بعض الكتاب يسعون إلى ترجمة أعمالهم باللغة العربية. و لكن حينما يتعلق الأمر باللغة التركية تثور ثائرتهم. ما هو تفسيركم لهذه الظاهرة؟

في اعتقادي يعود ذلك لخوفهم من انكشاف عوراتهم  و ضعف نتاجاتهم.  فحتى اللحظة لا يوجد كاتب قدير  و مقتنع بجودة ما يكتبه وقف ضد فكرة الترجمة إلى التركية. هؤلاء الآخرون الذين تتحدث عنهم لا علم لي بهم و لا بما يكتبونه.

قمتم إلى الآن بترجمة العديد من الكتب إلى التركية. و لكم تجربة في هذا المجال. ترى ما الذي جناه الأدب الكردي من وراء هذه العملية؟ هل تعرف القراء الأتراك على الثقافة الكردية أم أن شريحة من القراء الكرد فقط يقرأون الترجمة التركية؟

بفضل هذه الترجمات  تعرف القراء الأتراك على الأدب الكردي. كان الأتراك إلى وقت قريب يقولون ليس هناك لغة كردية و يدعون أن القاموس الكردي لا يتعدى ثلاثمئة كلمة. و لكن بعد هذه الترجمات, اندهش القراء الترك و استغربوا ما قرأوه. خاصة بعد أن قرأوا ترجمات روايات الراحل محمد أوزون. قلت في عدة مناسبات: هذه الروايات مكتوبة في الأصل باللغة الكردية. أنا قمت فقط بترجمتها. و لو كانت في الأصل بالتركية  فيعني هذا أنني روائي عظيم. أنا لم أكتبها من تلقاء نفسي. بل هي مكتوبة فعلا باللغة الكردية. اقتنع الكثيرون من القراء بما قلته. الآن لا أحد يقول لا توجد لغة كردية و لا أدب كردي. لقد حصل هذا التقدم بفضل الترجمة.

ثمة من يقول إن الترجمة إلى التركية تقطع الطريق أمام القراءة باللغة الكردية, حيث إن القراءة باللغة التركية أسهل بكثير. إلى أي مدى يمكن اعتبار هذا الادعاء صحيحاَ؟


ربما كان هذا الادعاء صحيحا إلى حد ما. و لكن على سبيل المثال  فروايات أوزون لم نقم بترجمتها إلى التركية إلا بعد صدور الرواية الأصل باللغة الكردية بعد سنتين. لكي يتم إفساح المجال لقراء الكردية. و لكن للأسف لم تكن القراءة بالكردية لتتم وفق ما نتمناه.  لم يكن أحد يشتري الكتب الصادرة باللغة الكردية. الكتب الأكثر مبيعاَ كانت روايات محمد أوزون. بعض رواياته بيع منها خمسة آلاف نسخة في اللغة الكردية. و لكن كما قلت فالناس في تركيا يستسهلون القراءة بالتركية. ليقرأ الناس  و لا يهم إن كان باللغة الكردية أو العربية أو التركية أو الإنكليزية. لكن للأسف لا يقرأون. و لو قرأ الناس بقدر ما يتحدثون و ينالون من الكتاب الآخرين من وراء ظهورهم لأصبحوا علماء. الكتاب الكبار يفتخرون بما ينتجه زميل لهم. محمد أوزون على سبيل المثال  رحل عن هذه الدنيا و ما يزال يتعرض للطعن و الكتابات الرديئة ضده.

الكتب التي تترجمونها  تصدر عن دور نشر تركية. كيف تستقبل ترجماتكم في الصحافة و الإعلام التركيين.؟

الكتب الجيدة تجد لنفسها مكانا لائقا في الحال. هناك العديد من الكتب التي تصدر في تركيا. و هناك كتب لكتاب عالميين مشهورين تصدر باللغة التركية قبل اللغات الأخرى. في هذا الخضم تجد الكتب الكردية التي أترجمها أيضا مكانا جديرا بها. و على سبيل المثال قمت في الآونة الأخيرة بترجمة رواية فرات جوري („ez ê yekî bikujim) إلى اللغة التركية. هذه الرواية لقيت صدى طيبا في كثير من المجلات الأدبية و الصحف التركية  و كتبت عنها مقالات جيدة.  أيضا رواية حسنى مته المسماة (Labirenta cina  ) ترجمتها إلى التركية  قبل فترة  و لقيت ترحابا من الوسط التركي. إنهم ينتظرون رواية حسن القادمة التي قمت بترجمتها و هي قيد الطبع.  و ستصدر هذه الأيام.
أما روايات محمد اوزون فهي معروفة للجميع حتى أن بعض الجامعات تناقش نتاجاته و صدرت بحوث عديدة عن رواياته و تجربته في الكتابة.

  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…

غريب ملا زلال

رسم ستار علي ( 1957_2023 ) لوحة كوباني في ديار بكر /آمد عام 2015 ضمن مهرجان فني تشكيلي كردي كبير شارك فيه أكثر من مائتين فنانة و فنان ، و كان ستار علي من بينهم ، و كتبت هذه المادة حينها ، أنشرها الآن و نحن ندخل الذكرى الثانية على رحيله .

أهي حماسة…

عِصْمَتْ شَاهِينَ الدُّوسَكِي

أعْتَذِرُ

لِمَنْ وَضَعَ الطَّعَامَ أَمَامَ أَبِي

أَكَلَ وَابْتَسَمَ وَشَكَرَ رَبِّي

أَعْتَذِرُ

لِمَنْ قَدَّمَ الْخُبْزَ

لِأُمِّي وَطَرَقَ بَابِي

لِمَنْ سَأَلَ عَنِّي

كَيْفَ كَانَ يَوْمِي وَمَا…

ماهين شيخاني

هناك لحظات في حياة الإنسان يشعر فيها وكأنّه يسير على خيط رفيع مشدود بين الحياة واللاجدوى. في مثل هذه اللحظات، لا نبحث عن إجابات نهائية بقدر ما نبحث عن انعكاس صادق يعيد إلينا شيئاً من ملامحنا الداخلية. بالنسبة لي، وجدتُ ذلك الانعكاس في كتابات الفيلسوف والكاتب الفرنسي ألبير كامو (1913-1960).

ليس كامو مجرد فيلسوف عبثي…