عرض خاص جداً إلى انجلينا جولي وبراد بيت

 ابراهيم محمود


   وبعد المزيد من التهاني والتبريكات أيها
النجمان الهوليوديان العالميان، وبعد أن ذاق كل منكما من عسيلة الآخر لسنوات، ليجد
نفسه إثر الزواج زوجين، كما لو أنه صار يمعن النظر في أرشيفه الجسدي محفوراً ومنقوشاً
ومزروعاً في جسد الآخر، كما لو أنه يعايِن هذه المرة ذاكرته المنتعشة التي عاشها
صحبة الآخر: الزوج اللازوج، لتكون الزوجية قراءة للأثر المكتوب لما كان وكان، وبعد
هذه الانعطافة في العلاقة الطرفيْنية، يكون للبيت المشترك، وللجلوس المشترك،
وللنوم المشترك، والمعايشة الزوجية الرسمية المسجلة رسمياً، ولشراكة الحياة..الخ
هوى آخر، ومجال تفاعلات أخرى، وسبيلاً آخر إلى رؤية العالم من زاوية أخرى.
بعد كل ما تقدم، أيها النجمان الأثيران وفي
ظلكما نصف دزينة من الأطفال نصف منهما بالتبني، من أعراق مختلفة، ومنها صغيرتكما الأثيوبية
” زهرة “، كما لو أن وجودكما معاً، واستمراركما معاً، ووفاقكما المشترك
أثبت لكَم أنتما تنتميان إلى العالمية بحق .
 

لذا، وبناء على المعايَن في حياتكما وما آل
إليه أمر حبكما وحياتكما المشتركين، ثمة عرض خاص جداً، وهو أن تضما إلى عشكما البيتي
المرفه، إنما الهادئ والرائع قبل كل شيء طفلاً كردياً إيزيدياً، لتعيشا إنسانية
أخرى غير مسبوقة؟! 

 
هو عرض خاص يتناسب ونجوميتكما الخاصة جداً،
وتألقكما العالمي والخاص جداً، وبشكل أخص النجمة انجلينا جولي تلك التي تعرف جل
مناطق التوتر في العالم، وتستشعر فعل الفجائع في النفوس وامتداداتها في جهات
مختلفة، ولا بد أنها مطّلعة على الكرد، ولجغرافية كردستان من خلال زيارة سابقة لها
باعتبارها تحمل صفة إنسانية، إلى الإقليم بالذات صورة عالقة بعمقها المأسوي في
ذاكرتها القريبة جداً، لا بد أنها الآن متابعة لهذه الكارثة الكردية الإيزيدية رغم
انشغالها بعرس زواجها الأحدث الباريسي المكان في مختَتم شهر آب 2014. 
 
لن يكون هذا الطفل الإيزيدي كأي كان ممن تم
تبنيه، ليس في اعتباره المفضّل على النصف دزينة من أطفالكما، وإنما لأن هناك فرصة أن
يكون في تبني الطفل الإيزيدي انعطافة تاريخية في نظرتكما إلى الفن وروعة الفن،
وماذا يعني أن يستشرف فيلم عالماً كاملاً، وأن يحتوي عالم كامل على فظائع تكفي
لإخراج ما لا حصر له من الأفلام، أين منها أفلام:مقابلة مع مصاص دماء- أسطورة
الخريف- سبع سنوات في التيبت- لقاء جو بلاك- النادي الليلي- طروادة- حالة بنجامين…
أو دون أدلة- المرأة الحقيقية- جيا- مطبخ الجحيم- خارج الحدود- الراعي الصالح-
السائح. …الخ، جملة من الأفلام التي تعنيكما وللتذكير لمن يريد أن يعلَم بأمر
فنكما. 
 
سيكون الطفل الإيزيدي ملهماً، كما هو الاسم
الذي تحمله طفلتكما” شايلوه ” والتي تعني” مسالمة “، والطفل الإيزيدي يحمل في
تكوينه جينة مسالمة وأهليَّة لأن يعدُكما بالكثير الكثير. 
 
ولدى الطفل الإيزيدي ما يبقيكما في وضعية
ذهول في كل ما يصدر عنه، وهو يسرد بعينيه، بقسمات وجهه، بحركاته، بصمته البليغ، بطريقة
نومه، وأسلوب تناوله للطعام، وسيره، ووقوفه، وشروده، وتأمله، وبكائه
المباغت…الخ، تلك هي حالات، لا أظن أن الفنان الفنان بغافل عن بدعة المتخفي
فيها، بقدر ما يكون لدي إيمان كامل أن نجمين في مقامكما لديهما كامل الاستعداد في
لقاء طفل هذا، هو لقاء الموعود المدهش والمأسوي من الفن الناطق والملوَّن، هو
التحول النوعي البليغ لكي يعرف العالم أجمع، أكثر من حدود هوليود، والتيبت،
ومتجليات بابل، أن هناك عالماً لما يزل قيد الإبادة الجماعية، أو إعمال القتل
العمد، والسبي العمد، وتحت سمع وبصر الملايين من ذوي ” الضمائر ” الحية
دينياً وثقافياً في الجوار وأبعد، وأن ليس في مقدور أحد سواكما تلمس نوع الجرح
العميق والملتهب في كينونة الطفل الإيزيدي، ومفاجأة العالم بحقيقة جرح يستنطق أكثر
من صمت مريب في العالم، مثلما يقود العالم إلى جهة معزولة، أو جرى عزلها، وهي نهب
فظائع، قيد فرمانات تترى، ممن يتلمسون في صيحة انتشائية تصدم عنان السماء، مثلما
تذهل الموتى بيافطتها المتأسلمة” الله أكبر “، وللإيزيدي كينونته، أسلوب
إقامته في العالم، وصلاته مع ربه ذي العراقة، ومع ” طاووسي ملَك “،
وليتكما زدتما علماً بحقيقة هذا الكائن الجامع بين الأرض والسماء، الفاصل بين
الخير والشر خلافة المتداول والمزعوم عنه، وعن مؤمنيه.. وحده الطفل الإيزيدي
بملامحه يترجم بلاغة هذه السكينة ..

لدى هذا الإيزيدي أن يجعل من كل منكما موزعاً
بين ” اسطورة الخريف “، و” النادي الليلي “، و” طروادة
“، و” سبع سنوات في التيبت ” كحال براد، و” المرأة الحقيقية
“، و” مطبخ الجحيم “، و” خارج الحدود “، و” الراعي
الصالح ” بالنسبة إلى جولي، إنما في مشاهد أكثر إثارة !

لن يكون العالم الذي يتم اكتشافه وراء نظرات
الطفل الإيزيدي كما هو العالم المعهود والمكتشَف حتى اللحظة من قبلكما، إنه لابد
أن يكون أكثر روعة وإدهاشاً وإثارة للأسئلة مما توصلتما إليه، على الأقل، وكونكما
فنانين ذائعي الصيت، فثمة فرص ذهبية، وليس فرصة واحدة، لأن تتعرفا على ماهية كل من
الخير والشر الإيزيديين، أن تلامسا حدود عالم آخر عبر ” طاووسي ملك “،
أن تقابلا الأرواح الخفاقة والمسالمة في الأفئدة الألف وواحد لشنكال الجبل الجبل،
أن تقيما صلات قدر ما تستطيعان مع لالش، وتتفاعلا مع خاصية يوم ” الأربعاء
“، إنما الأهم هو أن تحاولا تعميق الأعمق في نفسيكما من خلال هذا الطفل
الإيزيدي البليغ بنظراته، وشاهد عيان أحداث بالجملة من وطأة الرعب الداعشي كما
تناهى إليكما خطره وطاعونه الفتاك . 

 
سيكون لكم أكثر من لقاء مع حيوات وميتات، مع
جحيم فعلي، كان الإيزيدي يصطلي بناره، وهو لم يكن جحيمه إطلاقاً، إنما الذين كانوا
يريدون التأكيد على أن مرضاة الله في سدرة منتهاه تكون عبر المزيد من سفك دماء من
ليس لهم بما أدمنوا عليه جهة شم الدماء المراقة لضحايا لإثبات أنهم ” جند
الله “، أنهم ” مخلصو الدين ” إلى يوم الدين.. 
 
سيكون هناك أكثر من فن سينمائي، في أكثر من
فيلم بالألوان، فيلم ثلاثي الأبعاد، ولا بد أن هوليود بالذات سيعتبر فيما تقدم، لو تم،
انعطافة تاريخية، وإنجازاً فنياً عالي المقام، إذ يصبح الإيزيدي موضوعاً
هوليودياً، وباسمه، وبفضل ما منه، يجري لفت الأنظار إليه، ولعلها مكرمة فنية، من
مدينة الفن الكبرى في العالم، لو أقدَم على المقترَح هذا، رغم أن منطق التجارة،
والصورة الأقدر على تحقيق الأرباح، هو العلامة الفارقة لهوليود، ولا بد أن العلامة
هذه ستثبت أكثر، بما أن الشر الذي يصده الإيزيدي عن حدود روحه، ويسمى باسمه، لما
يزل طي سجلات يلفها الصمت، وكون الشر يشغل العالم، وعالم الفن أكثر، وعبر هذه
الخطوة غير المسبوقة، ستكون هناك قيامة كائن جديد، ربما يصبح مواطناً هوليودياً
يتسابَق عليه هو الإيزيدي . 
 
فهل لدى فنانيْنا الكبيرين استعداد لتبني الطفل
الإيزيدي ليصبح الرقم سبعة: تكاملكما ؟!

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

عطستْ عشبة في نومها
فتنبهتْ لها صخرة في أقاصي الأرض
ترددَ صداها في قرن أيل متوَّج بسهله
حدث زلزالٌ في رقعة نائية عن صخب العالم
صرخ المحيط القطبي: ماذا سيجري بعد ؟

* * * *

غازل يعسوبٌ يعسوبته
أغميَ على صوفيّ مخضرم في الجوار
شهق ورق على وشك نفاد أنفاسه الأخيرة
اشتعل فحمٌ حجري على مبعدة كافية
أطلق نمر فتي لساناً دفيئاً لاحتضان…

إبراهيم محمود

يمارس الشّعر حضوره الفعلي ضد الذاكرة، فالذاكرة صنمية، والشعر ناسف الصنمية، رغم أن الذاكرة هذه مسكنها، لكن بمثابة ” حديقة الحيوان ” التي تزعم أنها تحمي حيوانها من الانقراض، سوى أن جغرافيتها المكانية، ومساحتها المسوَّرة، وكيفية التعامل معها، تعريض تدريجي لها للانقراض، وهو إجراء غبي يترجم مدى أهلية الإنسان للتدجين ونسيان أنه أصلاً كائن…

ميران أحمد

في عالم يموج بالصراعات، تصبح الحكايات مرآة تعكس آلام الإنسان وآماله. الأدب، بما يحمله من رمزية وعمق، لا يُخبرنا فقط عن الماضي أو الخيال، بل يفتح لنا نوافذ لفهم الحاضر. ففي رواية «مائة عام من العزلة»، للروائي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز نعيش في ماكوندو، حيث تذوب الحدود بين الواقعية والسحرية، وتتصارع الشخصيات مع الزمن…

ابراهيم البليهي

المعضلة البشرية الأشد استعصاء وصلابةً والأقوى هيمنة والأكثر استيلاء على العقول والعواطف هي الأنساق الثقافية التي تتوارثها الأمم إنها تملك ولا تُملك وتمارس هيمنتها المطلقة على العقول بمنتهى التلقائية والخفاء والانسياب حيث تتبرمج كل الأجيال من كل الأمم بما تبرمج به أسلافها إن التطبُّع بالأنساق الثقافية المتوارثة ينساب تلقائيا وبشكل حتمي من كل جيل…