وعائلته حصراً، فإن لم يكن فأخوته وأخواته، وإن لم يكن فأقرب أقربائه، وإن لم
يكن فأقرب معارفه إليه، وإن لم يكن ففاعل خير يعلمه بالإهداء إن أمكن، فإن لم يكن
فإلى روحه إن كان فيها بقية من نبض إنسانية ما ”
للأغاني الأغاني الأغاني” ثلاثاً ”
عالمها الروحي الخاص، ولكل أغنية منزلتها في الروح، وثمة أغان أغان أغان، رغم أنها
مكتوبة بلغة محددة، ومصاغة بعبارات لها وزنها تبعاً للمنحى الموسيقي المتعلق بلغة
الأغنية تلك، إلا أن بنيتها تحتفظ بأهلية الانتقال إلى خارج حدودها، لأن ما تشدّد
عليه، وتتضمنه طربياً، في عالم المنشود أو المعاناة إنسانياً، يتكفل لها بذلك .
يلزم للإنسانية جمعاء، اعترافاً بقاسم مشترك جامع مانع هنا، وأن انتشار هذا النوع
من الأغاني ليس أكثر من التأكيد على حيوية هذه العلاقة البينية، وتوثيق عرى الروح
بين أمم وجماعات وأفراد شعوب.
وأظنني، لحظة سماعي لأغنية الطفل الفنان
الانكليزي دكلان جالبريت ” قل لي ” كما هو نصها بالانكليزي والعربي تالياً، استشعرت هذا
الحضور الإنساني العميق، وكأن كل أطفال العالم كانوا يرددون كلمات أغنيته وهي غاية
في الطرب، غاية في التنبه إلى معاناة تعرّف بعالم كامل، وتشكل احتجاجاً على العنف
الموجه إلى العالم، وعلى لسان طفل لما يزل منذوراً للبراءة، رغم أن كاتبها ليس
طفلاً حالياً، وأن ملحنها ليس طفلاً هو الآخر، ولكن صوت دكلان أمَّمها طفولياً، أو
أن المؤلف حينها كان يعيش عمق طفولة رحبة بين جنبيه، وهو إفصاح عن فضائية متخيل
الكلمات وسحر المتردد في صداها.
دكلان، الذي غنَّى هذه الأغنية واشتهر بها
كثيراً، إبّانها كان عمره إحدى عشرة سنة، وهو الآن في الرابعة والعشرين من عمره، أي لا بد أنه
غناها في مطلع الألفية الثالثة، وربما لتتداخل هذه الأغنية كعلامة فارقة، ورسالة
توجع إلى المستقبل كذلك، مع أوجاع شعوب وأفراد مجتمعات، وأطفال يتألمون ويتيتمون
ويتاجَر بهم عبر حدود وحدود، ربما تجاوبت بدورها مع واقعة 11 أيلول 2001، حيث كان
عمره وقتذاك أحد عشر عاماً، وكأن الكلمات تتقاسم أوجاعاً أرضية، وهي تعمُّ تضاريس
شتى، بقدر ما تسمّي جغرافيات بشرية بالجملة، بقدر ما يتكرر السؤال المرة تلو
الأخرى ” قل لي لماذا ..قل لي لماذا …”، السؤال الذي يصل ما بين
المبتدأ والمختتَم، تشديداً على هول الحادث هنا وهناك، وصرخة احتجاج، وكأن طفولة
العالم ذاتها لم تعد تتحمل كل هذه الأوزار، وهذا المضي قدماً في طريق الخراب
العالمي، ومن باب التنبيه إلى كل من يهمه أمر الحياة، المستقبل، سلامة أبنائه
وبناته، هي صيحة الاحتجاج الأخيرة قبل قيامة الطوفان المدمّر.
لعلّي، وأنا أتابع الطفل دكلان في صوته
الينبوعي، وملامحه المترعة بالحزن الحِدادي البليغ، وجدتني في حاضنة رعب عالمي، وخوف مما هو
كارثي عالمي، ومما ينذر العالم بما يبقي للعالم أثراً، إن مضى كما هو وضعه .
هذا التفاعل الوجداني، وانجراح الروح، وكذلك
جَيَشان الذاكرة، تداخل مع ما يجري الآن، ومنذ الغزوة الداعشية المهدّدة للحياة بكل ما
فيها، وخصوصاً بعد فرمان الأخوة الإيزيديين، ورؤية أطفالهم حيثما التفت المرء في
إقليم كردستان، وفي ” دهوك ” بالذات، تذكرت هذه الأغنية، ورأيت في
تقديمها لما يعنيه أمر حياة سوية، أو أمر الطفولة التي عليها يتوقف مصيرنا
بالجملة، والكرد ضمناً، وإمكان الحيلولة دون استمرار الوباء الداعشي في المنطقة
وفي العالم أجمع، بعضاً مما فرضه علي البعد الإنساني فيها، والمفارق، لما تلمَّس
المشار إليه بداية، هو في فعل الإهداء، من باب المفارقات الكبرى، تلك التي تتلخص
في هؤلاء الذين يتحدثون عما هو إنساني وبعلامة دينية ” إسلامية “،
باعتبارهم دواعش ومدعشنين، دونما مبالاة بما يترتب على أفعالهم المنكرة من يباب
وهباب.
ولعلها وسيلتي الوحيدة تلك التي تتمثل في
كينونتي العضوية وما يتوجب علي القيام به، في التعبير عن تجاوبي الكامل مع عمق الأغنية
وصاحب الأغنية، وفي مؤاساة كل منكوب: صغيراً وكبيراً، ولا أملك إلا هذا الاستعداد،
وإن كان أضعف الإيمان، وبصفتي أقدّر حكمة المأثور: العين بصيرة والإيد قصيرة، وحيث
أعيش لاجئاً مهما ثبِّتت داخلي كردستانيني!
م: الأغنية منقولة عن الانترنت، حيث رتبتها،
ولم أتدخل فيها جهة الترجمة إلا في بعض الصيغ نحوياً فقط .
قل
لي لماذا
أغنية
: دكلان جالبريت
=====
في
حلمي
يغني
الأطفال
أغنية
الحب لكل ولد وبنت
السماء
زرقاء
الحقول
خضراء
والضحكة هي لغة العالم
وكل
الذي وجدته عندما استيقظت
هو
عالم مليء بأناس محتاجين
قل
لي لماذا
هل علينا أن نكون هكذا
قل لي لماذا
هل
هناك شيء ما فاتني
قل
لي لماذا
لأنني لا أستطيع أن أفهم
عندما
يحتاج الناس لبعضهم بعضاً
لا
نمد لهم يد المساعدة
قل لي لماذا
كل
يوم
أسأل
نفسي
ماذا
يجب علي أن أفعل لأكون رجلاً
هل
يجب علي
أن
أقف وأحارب
لأثبت
لكل شخص من أكون
هل
لأجل هذا جعلت حياتي
لأقضيها في عالم مليء بالحروب
قل
لي لماذا
هل
علينا أن نكون هكذا
قل
لي لماذا
هل
هناك شيء فاتني
قل
لي لماذا
لأنني
لا أستطيع أن أفهم
عندما
يحتاج الناس لبعضهم بعضاً
لا
نمد لهم يد المساعدة
قل لي لماذا
قل
لي لماذا
قل لي لماذا
قل
لي لماذا
فقط
قل لي لماذا
قل
لي لماذا
هل
علينا أن نكون هكذا
قل
لي لماذا
هل هناك شيء فاتني
قل
لي لماذا
لأنني
لا أستطيع أن أفهم
عندما
يحتاج الناس لبعضهم بعضاً
لا
نمد لهم يد المساعدة
لماذا،
لماذا نطلق النار
لماذا،
لماذا لا نتعلم
هل يخربنا أحد لماذا ندع الغابات تحترق
لماذا
، لماذا نقول إننا نهتم
لماذا،
لماذا نقف ونحدق
لماذا، لماذا الدلافين تبكي
هل
يخبرنا أحد لماذا ندع المحيط يتلاشى
لماذا،
لماذا إذا كنا متماثلين جميعاً
لماذا،
لماذا نلقي اللوم على الآخرين
لماذا لا تنتهي هذه الأعمال إلى الأبد
هل
يخبرنا أحد لماذا لا نكون مجرد أصدقاء
لماذا
لماذا ؟