أرواح مبعثرة

أفين إبراهيم

عندما ألمس الحزن على وجهك دون أن أراه…
أعلم أن نساء القرية البعيدة ..
نساء ذلك الصباح العنيد استيقظن اليوم باكراً ..
ليمشطن الأزقة الترابية بمكانس خشنة ..

مكانس صنعتها لهم ليلة أمس من أعواد قلبي وقلبك.
…………..

دعني أُرتب هذا السرير قليلاً ..
لا يليق بنزيف الحزن أن ينام على شراشف مجعدة…
العتمة مرتفعة ..
عالية ..
غداً صباحاً ستنبت على نافذتك العصافير ..
سأكون أنا في الطرف الآخر من السرير أغتسل بالشعر و الكآبة .

…………..

ماهر أنت أيها الليل ..
ماهر أنت في الحب ..
في البحث عن الفراشات الصفراء..
في الركض وراء الورود الشاحبة..
ماهر لدرجة يكاد الشعر ينتحر في دمي ..
بينما أحد ما على هذا الكوكب الكبير …
يخبئ أفكاره المتعبة تحت الغطاء …
و يغمض عينيه عن نجمة تشتعل في أسفل قدمه اليمنى.

…………..

جميع الأجنحة التي أصنعها كل ليلة لأصل إليك ..
تتناثر كعنقود عنب في يد طفل جائع التهمت العرائش فمه قبل الحبة..
لا الشارع ..
لا الليل ..
لا البكاء ..
لا شيء قادر على تكويري في صدرك كنفس طويل..
لا شيء قادر على قتلي حتى الشعر …
لتطير روحي إليك.

…………..

أرمي بالوطن عاليا كحبة لوز …
أحاول أن التقطه بشفاه ذاكرتي الغريبة كي أضحك …
ارمي بالوطن عالياً كألم مخيف ..
يسقط عصفور من فمي..
أطلق الرصاص على قلبي ..
أتذكر وجه أبي وهو يبكي ..
لا أستطيع الضحك.

…………..

امرأة تقتلع أظافر قلبها كل ليلة..
هناك تحت أصغر أظافرها تنبت ذاكرة من النعناع ..
وحصان حزين هده الخريف .

…………..

عندما كنت صغيرة ..
كنت أحب رائحة الخبز الطازج ..
أقلب الرغيف وأشمه طويلاً …
عندما كبرت ..
بدأت أقلب صور ظلالك…
أضمها بفرح لحزن طفلة …
وأدمدم ..
إلهي ما زلت جائعة.

…………..

قبل مجيئك أيها النهر …
كنت موجة من حريق فاسد …
وردة مشنوقة على نافذة الطابق الأربعين..
شمعة منطفأة كلما رمت نفسها لحضن الشعر ماتت ..
كنت مدينة واسعة لا تحتمل صوت الخطوات ..
ووجوه الغرباء ..
كنت غيمة مثرثرة أُقلب الرمال ظناً مني أنها موجة.

…………..

أتعمد كل الليل برائحتك التي تشبه دمشق ..
وقبل خروجي من الكلمات بلحظة ..
أنفض عن قلبي الياسمين والشوارع والذكريات ..
أنفض الحريق والغابات المستسلمة..
أنفض أبي و أمي وكل الجيران..
أرجم كل من أحببتهم يوماً ..
اعض على كفك …
أنفخ فيها نفس الشعر الأخير ..
أضمك كي أنام.

…………..

لو كنت أملك عصا موسى ..
لشققت بدل البحر صدرك …
لمسكت قلبك بقبضة راحتي الصغيرة …
لقبلته طويلا ثم خرجت.

…………..

لست جبانة أيها الوجع الممدد كالسياط …
لست حزينة أيتها الأسلاك العالية كالبكاء..
هي روحي المعاقة..
روحي المعاقة بالحب ..
لا تحتمل المشي فوق جنازة .

…………..

أشلاء الملائكة …
الحدود البعيدة ..
اللافتات النائمة ..
الملاعق الملقاة على جسدي …
حمامة تنزف …
بنادق متعبة ..
سرير الدم ..
غرف الإنعاش بكامل أناقتها …
أيها الوطن الذي اشترى سكين وباع ياسمينة ..
اذبحني الأن .

…………..

كخنجر للتو خرج من القلب …
أدوخ ..
ارتعش ..
لا احد يستطيع أن يوقف نزفي ..
لا احد يستطيع أن يلغي تفتتي في حلق هذه النص الطويل..
أحبك ..
أمازلت تعد الجراح …
أحبك …
أمازلت تحدق بعيون تلك الشجرة الحزينة..
أحبك …
أمازلت حائراً لمن تمد يدك أولا ً..
للخمر ..
للشعر ..
للأغاني ..
أم للسكاكين..
أحبك …
أمازلت تحتفظ بثوب القمر تحت سريرك ..
و ترسم دوائر وجهي على صدرك..
أحبك …
ليس بالبكاء ..
صدقني ليس كالبكاء ..
ببعض شجن العشاق.

…………..

أفين إبراهيم
هيوستن-أمريكا

182014

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

ولد الكاتب والصحفي والمناضل الكوردي موسى عنتر، المعروف بلقب “آبي موسى” (Apê Musa)، عام 1918 في قرية “ستليلي” الواقعة قرب الحدود السورية، والتابعة لمدينة نصيبين في شمال كوردستان. ترعرع يتيماً بعد أن فقد والده في صغره، فحمل في قلبه وجع الفقد مبكراً، تماماً كما حمل لاحقاً وجع أمّته.

بدأ دراسته في مدارس ماردين، ثم انتقل…

أسدل يوم أمس عن مسيرتي في مجلة “شرمولا” الأدبية الثقافية كمدير ورئيس للتحرير منذ تأسيسها في أيلول 2018، لتبدأ مسيرة جديدة وسط تغييرات وأحداث كبرى في كُردستان وسوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط.

إن التغييرات الجارية تستدعي فتح آفاق جديدة في خوض غمار العمل الفكري والأدبي والإعلامي، وهي مهمة استثنائية وشاقة بكل الأحوال.

 

دلشاد مراد

قامشلو- سوريا

19 أيلول 2025م

الشيخ نابو

في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات وترفع فيه الشعارات البراقة، بات لزاما علينا أن ندقق في النوايا قبل أن نصفق للنتائج.

ما جرى في مؤتمر هانوفر لا يمكن اعتباره حدثاً عابراً أو مجرد تجمع للنقاش، بل هو محاولة منظمة لإعادة صياغة الهوية الإيزيدية وفق أجندات حزبية وسياسية، تُخفي تحت عباءة “الحوار” مشاريع تحريف وتفكيك.

نحن لا نرفض…

نجاح هيفو

تاريخ المرأة الكوردية زاخر بالمآثر والمواقف المشرفة. فمنذ القدم، لم تكن المرأة الكوردية مجرّد تابع، بل كانت شريكة في بناء المجتمع، وحارسة للقيم، ومضرب مثل في الشجاعة والكرم. عُرفت بقدرتها على استقبال الضيوف بوجه مبتسم ويد كريمة، وبحضورها الفعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. لقد جسّدت المرأة الكوردية معنى الحرية، فلم تتوانَ يومًا عن…