بابا نويل يزور سوريا ويعود حزيناً !

ماريا عباس

يختار بابا نويل في نهاية كل عام بلداً من بلدان العالم لكي يكون محطة لزيارته ، قرر أن تكون زيارته في هذا العام “سوريا”! لعله بذلك يمنح بعضاً من البهجة لنفوس الأطفال المتشوقة للفرح جراء كل ما يحدثُ من قتلٍ وجوعٍ ونزوح، جاب الأسواق بلهفته المعهودة، وملأ كيسه بالهدايا القيمة من كل البلدان التي زارها، و ركب عربته وشدَّ الرحِالَ إلى سوريا ليصل قبل حلولِ رأس السنة الجديدة ، وما أن وصل إلى الحدود الشمالية لسوريا أوقفته إحدى الجماعات وكانت تحمل أسلحة أرعبته، قال لهم بابا نويل : لماذا تستوقفونني أنا بابا نويل … أنا معروف ولا أحمل جواز السفر أبداً لأنه لا حدود في الدنيا تمنعني من أن أجتازها بحرية، ومسموح لي بالذهاب أينما أريد.
لكنهم أصروا على الرفض، إلا إذا دفع مبلغاً من المال لقاء دخوله ، وطلبوا منه أيضاً أن يرفع رايةً على عربته قدموها له ، وأمام إصرارهم وافق البابا نويل ودفع المال سعياً منه في الوصول بالوقت المناسب ، ودخل الأراضي السورية وكانت البداية من قامشلو تحديداً ، وصل مع حلول الظلام ، وفي الشارع ارتطمت عربته بأكياس القمامة المتراكمة التي لم يراها نظراً لانقطاع الكهرباء ، وتفاجأ بابا نويل بذلك لأنه كان معتقداً إنَّ الشوارع ستُزين احتفالاً بقدومه وحلول رأس السنة الجديدة  أكمل بابا نويل مسيرته بعد أن اشترى مصباحاً لينير به دربه وسار في طريقه منهكاً من التعب، وبعد المسافة التي قطعها رغب في استراحةٍ قصيرة ولم يجد إلا عربته مكاناً للراحة، استلقى فيها لينال غفوةً قصيرة ! وحين استفاق ذُهِل وغضِبَ كثيراً لأنهُ وجد بعضاً منْ حمولته قد سُرِقت وعُبِثَ بأغراضه حزِن بابا نويل لأنه كان يتمنى أن يُهدي تلك الهدايا للأطفال ليسعدهم ، ولكن ما باليد حيلة ويجب إكمال الرحلة حتى النهاية ، وبالفعل سار في طريقه ولكنه شعر ببعض الجوع وتذكر بأنه لم يتناول الطعام منذ يومين ولم يعد في حمولته إلا بعضاً من الحلوى التي كان قد حملها معهُ للأطفال ، لفحت رائحة الخبز الحار انفه فعرف إنه قريب من فرن ما، فما كان من بابا نويل إلا أن وقف أمام الفرن الآلي واستغرب من الحشود الكثيرة المجتمعة هناك واستغرب أكثر عندما طلبوا منه الوقوف في دوره للحصول على الخبز، فقال لهم : ولكن أنا بابا نويل ووقتي ليس ملكاً لي.
قالوا له : لا مجال فالنظام نظام وليس لدينا لا بابا نويل ولا ماما نويل .
انسحب البابا نويل المسكين جائعاً خوفاً من أن يدركه الوقت ولا يصل في الوقت المناسب، وقرر أن يجتمع ببعض الأطفال في إحدى المدارس القريبة في مدينة قامشلو، وصل إليهم وتناسى التعب بمجرد رؤيته الأطفال الذين هرعوا فرحين بقدومه، سأل بابا نويل بعض الأطفال عن أمنياتهم في العام الجديد، أجاب أحد التلاميذ: أرجوك بابا نويل نريد أن تنير لنا بيوتنا لنتمكن من مشاهدة أفلام الكرتون.
وطلب تلميذٌ آخر: أمنيتي أن تهدأ الأوضاع لكي أعود لمدينتي في حلب الجميلة فقد اشتقت لمنزلنا هناك .
وطفلٌ آخر قال باكياً بحسرة : أريد أن يعود أبي أنا مشتاقٌ لرؤيته فمنذ عام مضى وأمي تقول إنه مسافر لمكانٍ بعيد .
حزِن بابا نويل وشعر بالألم واندهش لرغباتهم وأمنياتهم ، وكان يعتقد بأنهم سيطلبون منه الهدايا كباقي الأطفال، أنزل قبعته من على رأسه وانحنى معتذراً للأطفال الصغار وهو يُخفي الغصة التي علقت في حلقه قائلا لهم : اعذروني يا أحبتي فهذه الأماني أكبر من قدرتي ولا أستطيع أن أحققها لكم ومسح دموعه رافعاً رأسه بالدعاء يا رب من أجل هؤلاء فلتنتهي الحرب وليحل السلام يا رب آميين.
ركب عربته عائداً مروراً بحلب ودمشق وحمص وقد شاهد بعينيهِ ما حلَّ من خراب ودمار وقال في نفسه : هل هذه بلاد السلام التي سمعنا عنها! بلاد المسيح رسول المحبة للجميع ، مهد الحضارات والديانات ، أسفي على هذا البلد وشعبه  .
و في أثناء رحلته وبحمص تحديداً وقعت قذيفةٌ بالقربِ منهُ وأصابت إحدى الغزلان الكبيرة التي كانت تجر عربته فسقط ميتاً على الأرض ، واجتاح بابا نويل حزنٌ كبير بالكاد استطاع العودة إلى الجبال التي كانت له الملاذ الآمن طوال حياته ، وتأخر في العودة كثيراً لسوء الأوضاع وبكى بحسرةٍ ولوعة لأنه لم يستطيع تحقيق أية أمنية لأي طفلٍ سوري في عيد رأس السنة الجديدة، وهم يعانون من العنف بكل أشكاله، جلسَ أمام منزله الجبلي رافعاً رأسه إلى السماء متوسلاً إلى الله بالدعاء : ” يا الله ما إلهم غيرك يا الله ” الظلم كبير ولكنك أكبر فارحمهم يا الله.
مع تمنياتي بالحرية والسلام لسوريا بالعام الجديد ” بابا نويل”

31/12/2013

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…