لقمان يوسف
في كتابه بعنوان الشخصية الكردية وهي دراسة سوسيولوجية عن دار موكرياني للبحوث والنشرسنة 2013
يقوم المؤلف بهذه الدراسة عبرالعصور الماضية والعصر الحديث من خلال المراجع ودراسات الباحثين ذات الصلة بالتاريخ الكوردي.
يقول المؤلف:لو أخذنا مثالاُ من الواقع وليكن حول العرب والكورد,فهما شعبان مختلفان من حيث عناصر التكوين الاولى(اثنيا,بيئياُ,وميثولوجياً).فالعرب ينتمون الى السلالة السامية والكورد الى الآرية وبيئة التكوين الاولى للعرب هي الصحراء وبيئة الكورد هي الجبال ,وتتمحور الميثولوجيا العربية في الغالب حول القمر والكوردية على الغالب حول الشمس.
وهكذا فالاختلاف واضح بين الكورد والعرب من حيث العناصرالاساسية في تكوين شخصية كل من هذين الشعبين وتظهر تجليات ذلك الاختلاف في الاشكال والمزاج والذهنية والتراث الشعبي وخاصةً الموسيقا والغناء.
ان الصحراء حاجز طبيعي هائل يفرض العزلة على من يعيش فيها وهي البيئة التي تشكل خصائص سيكولوجية معينة مثل الاعتزازالمفرط بالنفس ورفض الخضوع لأية سلطة خارجية والسلطة الوحيدة التي يعترف بها البدوي هي سلطة القبيلة,باعتبارها رابطاً اثنياً في الدرجة الأولى.فالبدوي سعيد رغم قسوة البيئة وشدة الحر وشظف العيش,لأنه يعيش عزيز النفس لا سلطة لأحد عليه وهذا من اهم اسباب عدم قيام سلطة مركزية في قلب شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام.وهو السبب الرئيسي الذي أدى بالعرب الى مقاومة الدعوة الاسلامية لأنها تحمل في طياتها بذور سلطة مركزية.ولولا السيف لما دان العرب بالاسلام,وذلك لنفورهم من الخضوع لسلطة مركزية خارجية غيرسلطة القبيلة.
أما بالنسبة للكورد,فالجبال حاجز طبيعي هائل تنمَي في ساكنيها خصائص سيكولوجية معينة منها الروح الفردية والاعتزاز المفرط بالنفس وتقبل قسوة البيئة وشظف العيش.والكوردي المتحصن بالجبال يكتفي في خيمة من الشعر او كهف او في بيت متواضع.معتمداً في رزقه على الحيوانات الأليفة والاعشاب والثمار,وشبيه من حيث بعض خصائصه السيكولوجية بذلك البدوي المتحصن في اعماق البادية مكتفياً ببعض النوق والتمر.
ومن اسباب صعوبة قيام دولة مركزية في كوردستان هي سيكولوجيا الجبال.وحتى بعض الدول التي قامت فيها قبل الميلاد كانت ذات طابع لامركزي بالدرجة الأولى وبصيغة اتحاد قبائل وأبرزمثال هو الدولة الميدية.
-توحدت الصيغ المتعددة لاسم اسلاف الكوردفي صيغة(كورد) وشاعت في النصف الاخير من العصر البارثي 250ق م ثم انتقلت الى العصر الساساني226-651ق م وفي العصر الاسلامي عربت الصيغة الى صيغة الجمع(اكراد) على وزن اعراب.
-اكدت الدراسات المتعلقةبالانثروبولوجيا الكوردية غلبة نمطين سلاليين على التكوين الكوردي:الاول هو النمط الاسمر المتوسط المستدير الراس والعريض الوجه وتؤكد ان كورد العصر الحديث هم احفاد انقياء لأسلافهم القدماء,الفرع الزاغروسي الاصيل.
اما النمط الثاني(الاشقر الاقرب الى الطويل,البيضوي الوجه)يعود الى كاني,مانيي,خالدي,ميدي,وذلك على الاساس الانثروبولوجي في الشخصية الكوردية.
-من خلال تأملاتي في الشخصية الكوردية انه حيثما يكون الكوردي يكون الجبل معه,انه موجود في شكله ومزاجه,في عقيدته وتفكيره,في ازيائه واغانيه وموسيقاه,في نظامه الاجتماعي وفي ثوراته وانكساراته.هذه ليست عبارة شاعرية بل ثمة ادلة على كل كلمة نقولها.
-عن تأثير الجبل في الشخصية يقول الفيلسوف اليوناني هيبوقراط:ان سكان الجبال المعرضة للأمطار والرياح العاتية هم طوال القامة وفيهم دماثة وفي الوقت نفسه شجعان.
– ان البيئة الجبلية تساعد في تكوين شخصية تنزع الى التمرد والثورة اكثر من نزوعها الى الخضوع والخنوع وقد تصل في حالات الهياج والثورات الى مرحلة التدمير(تدمير الاخر او تدمير الذات).
-انبل المعارك التي تخوضها الامم اربع:
الاولى:دفاعاً عن الجغرافية اذ لا كرامة من دون جغرافيا
الثانية:دفاعا عن التاريخ اذ لا مستقبل من غير تاريخ
الثالثة:دفاعاً عن اللغة اذ لا هوية من دون لغة
الرابعة:دفاعاً عن القيم فلا امجاد ولا اصالة من غير قيم
-حسب الباحث الارمني آب وفيان :ان فروسية الكورد تتجسد استعدادهم الدائم للقتال وعشقهم الدائم للحرية وتشبثهم الدائم بالكرامة ورفضهم الدائم لجميع اشكال الخنوع والمذلة,كما ان الكورد يتميزون في الثبات على المبدأ والصلابة في الموقف والترفع عن اساليب الحقد والخدعة,فيحترمون ذاتهم وذوات الاخرين كذلك احترامهم لا محدود للنساء.
-الكوردي غير مبال الى التنميط والقولبة في الامور جميعها بما فيها المظاهر والطقوس الدينية الشكلانية.
ان الكوردي المتدين يحمل في اعماقه تقوى أخلاقية صامتة,انه ليس من نمط المتدين الصاخب ,ذلك الذي ينادي على نفسه كأنه في مزاد.!
ان الكوردي لا ينزع الى النفاق وقلما يجامل في امور الدين ,فهو صريح في موقفه الديني,انه اما متدين بما يقتضيه التدين واما متوسط التدين او غير متدين (علماني) وهو في جميع الاحوال يجل المتدينين ويحترم رجال الدين وكأنه يطبق شعار (الدين لله والعالم للجميع).
-السمة العامة للشخصية الكوردية هو الهدوء والرزانة ,والكوردي صبور على الاذى ويتألم في صمت ,ولكن عندما تصبح الكرامة في الميزان فعندئذٍ تنقلب الامور رأساً على عقب.
– ما يربحه الكوردي في ميادين القتال يخسره كلياً او جزئياً في دهاليز السياسة !.
– ان حزم وصرامته من جانب ولطف الام وقربها النفسي من الاولاد يخلق مناخاً نفسياً واجتماعياً متوازناً داخل الاسرة ويجنب الاولاد-ذكوراً واناثاً-كثيراً من العقد النفسية والمشكلات الاجتماعية.
– كثير من النساء الكرديات قائدات ممتازات ضمن اسرهن ,ليس بشكل فاقع وعلى حساب تقزيم شخصية الرجل وانما بسكل لطيف ومرن وغير مباشر.وعدا مجال الاسرة فان في تاريخ الكورد نساء قمن بدور القيادة حتى على صعيد قيادة الجند.
– حول الغناء والأدب الشعبي يقول مينورسكي: الأدب الشعبي غني جداً عند الكورد,فيه حكايات غزيرة من التقاليد القومية وفي الاغاني والملاحم.
– الحقيقة التي اجدها في الشعر الشعبي الكوردي ولا اجد لها مثيلاً في الشعر العربي القديم هي ان الرجل لا ينفرد بدور البطل وانما تشاركه المرأة في ذلك الدور, ولهذه الظاهرة علاقة وثيقة بموقع المرأة في المجتمع الكوردي.
– التراث الموسيقي الكوردي عريق عراقة الكورد في غرب آسيا والدليل على ذلك ان مقامين بارزين من مقامات الموسيقى الشرقية كرديان وهما مقام كورد ومقام نهاوند. كما ان في تاريخ غرب آسيا بعض كبار الموسيقيين الكورد مثل ابراهيم الموصلي وابنه اسحاق وزرياب (علي بن نافع).
– على الصعيد الثقافي فقد اثرت النرجسية سلبياً في الحركة الثقافية الكوردية بدرجات خضيرة جداً, وابرز دليل على ذلك عجز الكورد الى الآن عن دمج اللهجات المختلفة في لغة واحدة مشتركة, بها يتفاهمون جميعاً.هذا مع العلم ان اللغة هي الميدان الأمثل لصناعة التجانس الحقيقي داخل المجتمع وهي التي تعصم الامم من التشرزم.
– من الظاهرات المثيرة أن عدداً غير قليل من النخب الكوردية – مثقفين وساسة- داروا وما زالوا يدورون في فلك الاممية السريالية ,اما انهم اسلاميون اكثر من اللازم (اقصد الاسلام السياسي الصريح أو المموه) او انهم شيوعيون اكثر من اللازم, وقد اثبتت الاحداث ان هؤلاء واولئك كانو على استعداد لأن يديرو ظهورهم الى قضايا الوجود والهوية بل ان بعضهم تبرأ من بني قومه,والا فما معنى أن يمتطي احد كبارالاسلاميين الكورد صهوة المنبر منذ بضع سنوات ويضع نسبه الكوردي تحت قدمه؟!.
اخيراً ان المجتمع الكوردي عامة-والشخصية الكوردية ضمناً-يقف على مفترق طرق شديد الخطورةولذا اصبحت أعباء النخب الاصيلة- مثقفين و ساسة –أشد وطاةً ,انهم مطالبون بالكفاح الواعي والجاد والارثقاء بسلوكياتهم وتطوير أنفسهم باكتساب المزيد من المعرفة وتعميم المعرفة على الجماهير وتهديم اركان التخلف فالمسألة اولاً واخيراً مسألة وعي ولا وعي من غير معرفة,وبها تتأسس الشخصية المنتمية الى ذاتها والمنسجمة مع العالم.
لقمان يوسف L.a.yusif1965@hotmail.com