الازدواجية في العمل السياسي

عيسى ميراني 

يُعَدّ المجتمع السوري بكل مكوناته، من المجتمعات التي تأثرت بكل  مفاصل حياتها السياسية والاقتصادية والتربوية والنفسية بالازدواجية والنفاق بمختلف أشكاله ومظاهره، وعلى وجه الخصوص النفاق السياسي، بسبب الاستلاب الثقافي القسري الذي فُرضِ عليها من قبل الأنظمة الشوفينية المستبدة، التي تناوبت على الحكم في سوريا  فكان معظم الطبقة السياسية والبعض من مثقفي البَلاط السياسي الفئة الأكثر ترويضاً وترويجاً لهذه الثقافة، وأصبحت بؤرةً لتفريخ المنافقين والمتسلقين، أولئك الذين ساعدتهم الظروف بأن يصبحوا ناطقين باسم الشعب دون تكليفٍ أو تفويض منه، وبدا ذلك جليّا في التناقض بين أقوال وأفعال تلك الطبقة السياسية والثقافية
لذلك فقد شكّل هؤلاء المنافقون السياسيون وأدواتهم -مثقفي البلاط- على الدوام أحد أهم العناصر المكونة للمنظومة المعادية للشعب والوطن، والتي تحولت فيما بعد إلى مرضٍ ينخر في جسد الأمة، وتكاملت أعمالهم ومساعيهم مع الأهداف التدميرية للعدو، لكن نشاطهم كان وسيظل أشد خطراً من غيرهم من الأعداء الذين كشفوا اللثام عن وجوههم نظراً لقدرتهم الكبيرة على التشويش، وقلب الحقائق، وتمتعهم بقدرات وإمكانات ووسائل غير محدودة، وغير مرئية، لصناعة الأزمات والإشكالات والذوبان داخل وسطهم الاجتماعي والسياسي والديني فأمام هؤلاء المنافقين الذين تكاثرت أعدادهم وتأثيرهم في هذه المرحلة الحساسة وهذه الظروف الاستثنائية المعقدة التي يمر بها شعبنا، الذي أصبح الضحية الأولى لهذه الآفة المستفحلة وضعيفاً أمام ما يبثه هؤلاء المنافقون من أكاذيب وإشاعات لتزييف الحقائق، والترويج لثقافة الحقد والكراهية والتكتل وبث روح اليأس وثقافة الهزيمة، وممارسة مختلف أشكال الوقيعة والدس الرخيص، بهدف ضرب عوامل الثقة والوحدة بين أفراد المجتمع وتسميم الأجواء وإثارة النعرات والفتن والصراعات الداخلية وخاصة أنها تأتي من أناس تشبعوا بثقافة الجُبن والكذب والنفاق. وحده المواطن المغلوب على أمره يدفع ثمن هذه الثقافة المنافقة.
فلا بد من محاربة هذه الثقافة، لأنها ثقافة تدميرية تمس المجتمع في الصميم،  نابعة من هشاشة البنية الثقافية والتربوية للمنظومة السياسية بما تحوي من سياسيين ومثقفين فاسدين إذ تأتي من تلك الفئات التي يفترض أن تكون إلى جانب المجتمع لا عالة عليه، تلك التي دفعت بهم للوصول إلى ما وصلوا إليه، من خلال تمويل طرق ووسائل وصولهم إلى المواقع التي احتلوها، وإذا كان هناك من تبرير لأي نظام سياسي في سعيه لحشد المناصرين والمؤيدين، فليس للسياسي أوالمثقف أيّ مبرّر أن يتبع ثقافة النفاق والفساد، لأنها ثقافة لا تصلح لبناء الأمم وتقدم الشعوب. لأنها حتى في المواقع السياسية والثقافية التي تحتلها غير قادرة على أداء دورها الفعلي وخاصة في هذه الظروف الحساسة التي يمر بها شعبنا من إثباتٍ للذات وتثبيتٍ للحقوق المشروعة. 
فشعبنا في هذه المرحلة أحوج ما يكون إلى ثقافة الصدق والالتزام بالأخلاق والمبادئ، لا بثقافة المصالح الفردية والأنانية على حساب المصلحة العامة، ولا بد أن يكون الجميع  في مستوى صناعة هذه الحياة لأن الجميع مدعوون لصنع البسمة والحياة على وجه هذه البسيطة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

أحمد الصوفي ابن حمص يلخص في تجربته الفنية الخصبة مقولة ‘الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح’، وهو كثير الإنتماء إلى الضوء الذي يحافظ على الحركات الملونة ليزرع اسئلة محاطة بمحاولات إعادة نفسه من جديد.

يقول أحمد الصوفي (حمص 1969) في إحدى مقابلاته : “الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح”، وهذا القول يكاد ينبض في…

عبد الستار نورعلي

في الليلْ

حينَ يداهمُ رأسَك صراعُ الذِّكرياتْ

على فراشٍ مارجٍ مِنْ قلق

تُلقي رحالَكَ

في ميدانِ صراعِ الأضداد

حيث السَّاحةُ حُبلى

بالمعاركِ الدُّونكيشوتيةِ المطبوخة

على نارٍ هادئة

في طواحينِ الهواء التي تدور

بالمقلوبِ (المطلوبِ إثباتُه)

فيومَ قامَ الرَّفيقُ ماوتسي تونغ

بثورةِ الألفِ ميل

كانتِ الإمبرياليةُ نمراً..

(مِنْ ورق)

بأسنانٍ مِنَ القنابلِ الذَّرية

ومخالبَ مِنَ الاستراتيجياتِ الدِّيناميتية

المدروسةِ بعنايةٍ مُركَّزَة،

وليستْ بالعنايةِ المُركَّزة

كما اليوم،

على طاولته (الرفيق ماو) اليوم

يلعبُ بنا الشّطرنج

فوق ذرى…

حاوره: إدريس سالم

إن رواية «هروب نحو القمّة»، إذا قُرِأت بعمق، كشفت أن هذا الهروب ليس مجرّد حركة جسدية، بل هو رحلة وعي. كلّ خطوة في الطريق هي اختبار للذات، تكشف قوّتها وهشاشتها في آنٍ واحد.

 

ليس الحوار مع أحمد الزاويتي وقوفاً عند حدود رواية «هروب نحو القمّة» فحسب، بل هو انفتاح على أسئلة الوجود ذاتها. إذ…

رضوان شيخو
وهذا الوقت يمضي مثل برق
ونحن في ثناياه شظايا
ونسرع كل ناحية خفافا
تلاقينا المصائب والمنايا
أتلعب، يا زمان بنا جميعا
وترمينا بأحضان الزوايا؟
وتجرح، ثم تشفي كل جرح،
تداوينا بمعيار النوايا ؟
وتشعل، ثم تطفئ كل تار
تثار ضمن قلبي والحشايا؟
وهذا من صنيعك، يا زمان:
لقد شيبت شعري والخلايا
فليت العمر كان بلا زمان
وليت العيش كان بلا…