ابراهيم محمود
اثنان لا يشبهان إلا نفسيهما
اثنان لا يشكلان عملية حسابية
الواحد غير الواحد هندسياً طبعاً
لا شيء يجمع بينهما سوى أنهما نهريان
وأحياناً ينبوعيان
وربما يغذّيان البحر بالأمواج
وربما يطارد ظلاهما فراشات لا تكف عن ملاعبتهما
صحبة التركيب الضوئي
اثنان يفترشان ممرات المكان بيقين مزهر
يستضيفان أقواس قزح على مدار الوقت
المسرح لا يكف عن رفعهما إلى مصاف القمم
لينعما بدقائق العالم
نوزت وكفال ” Keval”، كفال ونوزت
لكل منهما كرسيه المشبع بالضوء
يتجاور الكرسيان حيث فضاء المكتبة سعيد بهما
مسرحيان وليسا بمسرحيين فلديهما ما يجعل المسرح مفتاحاً
لفتح مغاليق آفاق مسرَّحة بالرؤى تليق بهما
كفال تمد يديها إلى النجوم في عز النهار
ونوزت يرمي ببصره إلى بحر يروّضه حلمه الدائم
نوزت لديه رأس يدير محمية للوعول
يحتضن نموراً بأنامله لإقامة صداقات مع الوعول
لديه ليله المعنون بصباحه الخاص
وسط عائلة تقدّر شئون محميته ودقات ساعة المفاجآت فيها
محميته مفتوحة للنجوم دون أن يخدشها نمر بابتسامة وثابة
دون أن يعترض وعل ما على ارتيادها محميتها
كفال تقدّر أمر المحميات من هذا النوع
وتبحث عن محمية مرسومة في ظل وجهها الجامع بين الفصول الأربعة
إنها ربيبة المسرح الذي تنطبخ فيه كل العصور
ذلك دأبها في تسلق الأزمنة
وإيقاظ أسماء ترطن بلغات
في وطنها المسرح المأهول بتحليقات متشابكة
تفوح روائح أعين لرجال ونساء وافدة من كل الجهات
في التعريف الكردي بالشخصيات تشهق طرق
تتحرك متاريس متثائبة ومدرِكة لمهام إرادتها المجنحة
اثنان يتحكمان بعالم على أهبة الصعود بهما عالياً
مع كامل الاعتبار لمنغصات الضغط الهوائي
لكم رأيت منصات مسرح تنعجن في ظل كفال
فثمة خميرة نور تنشط الدورة الدموية لشمس تهلل لها
ذلك ما تقول نظرتها المتجاوزة لحاسة الإبصار
فقوامها بحد ذاته أعين تتحرك برشاقة
نوزت يشد في أزر أدوار كفال بتواقيت هندسية
وهما في مصعدان مزنران بخطى تشد إليها الجهات
ولكل منهما ما يبقيهما في طرق متباعدة جداً
ويسهل رؤيتهما في الآن عينه
اثنان كرديان على غاية من الاختلاف
لهذا تأتي إليهما طرق وضفاف وممرات صوب فضاء ذي أنغام
على امتداد الدوام المزركش بالأصدقاء ورواد القلوب العطشى للهواء المفلتر
أنسج مكاناً لي بينهما
أرتّب هواء لروحي بالقرب من زاويتيّ نظرهما المشدودين إلى ساعات منتظرة
أصوغ خطى قلبي في كل لقاء على إيقاع تحية صباحية تؤانس صمت المكتبة
للبسكويت المقدَّم من كفال طعم السلام المهدّىء للأنفاس
للشاي المميّز من يدي نوزت بخار محبة مقاوم لوحشة اللحظة
أسمعها شهادة الكتب المرصوفة بعائلتها الضخمة ذات اللغات المتجاورة
كما هي جيرة نوزت وكفال
مرتادو المكتبة يحملون رغبات دورية لتعلم فن الإصغاء إلى الأعالي
لا محل هنا لقلب ينشغل فقط بدقات ساعته
القلوب المرئية على الطاولتين المتجاورتين وحولهما تمارس أدوارها الفعلية
هنا يكون المسرح الفعلي الجامع بين القمم والأبواب المتفهمة لمفاتيحها
اثنان كما هو اسماها في غاية الاختلاف
في مصعد مفتوح على حياة تعاش بالحواس الخمس والخطط المنداة
لديهما وفرة لافتة من الأصدقاء الذين يرفلون بظلال شخصيات لا تحصى
نوزت دقيق، رغم ألمه اليومي، إزاء حساب الجهات التي تصعد بروحه
مع اعتبار خاص لنزوات مجهولة تعكّر عليه صفو محميته
وكفال تطلق حمامة ابتسامتها المعهودة باستمرار
تحسباً لطوفان يتجاهله كثيرون من حولها
وهي في عقد مع أكثر من بَرٍّ
إنها مواعيد كردية لها طقوسها في جغرافيا تقاوم حدودها
كما هي لقاءاتي المنعشة بهما دون ميعاد
التوقيتات منزاحة خارج المكان المفتوح
كما هو التعريف الفعلي بالأدب والفن بساعتهما الخاصة
أكثر من اثنتي عشر ساعة
أكثر من أربع وعشرين ساعة لليوم الواحد
أكثر من اثني عشر شهراً للسنة الواحدة
أكثر من معيار السنوات العمرية للجسد القائم في الحياة
تواقيت استلهمت منها إشراقات لعزلتي المهاجرة
أنا ابراهيم محمود الستيني طوع انتكاسات وشيكة
أنشحن روحياً بصداقة الوعل والنمر في محمية نوزت
وبالنسيم العذب المواصفات لروح كفال
أنا الكردي الذي يعيش صحبة حقائب مثقَلة بعبوس أرصفة شاردة
الكردي الذي يستل من بوصلة طاولتين صاعدتين في الضوء
ما يقيني، ولو قليلاً، من طيش طرق تطلِق علي كارثة إنهائي من الوجود
وأنا المجرَّد من مصعد يسند عكازة روحي الشائخة قبل الأوان
دهوك- في 7-12/2014
ملاحظة: نوزت وكفال، كرديان، يفيضان شباباً وامتلاء بالحياة، يديران مكتبة قسم المسرح في جامعة دهوك، حيث لقائي الدوري بهما دون ميعاد، حيث كنت أجاورهما في مركز الأبحاث العلمية والدراسات الكردية- جامعة دهوك، وما كتبته تعبير عن تقدير لهما وروحهما المضيافة، وذكرى لحظات لا تمحى من القلب.