وأنا أوباما أيضاً، لكن ..

 ابراهيم محمود

 

” في ضوء  كتاب الرئيس الأميركي أوباما: أحلام من أبي

 

تنبيه: 
هذا الكتاب لا يُقرَأ
باعتباره أميركي ” الولادة” استناداً إلى المجتمع المتعدد الأعراق الذي
ألهم كاتبه، الرئيس الأميركي حالياً” باراك أوباما، تولد 1961 “، إذ من
خلال هذا التحديد يمكن معرفة أوباما الكيني الأصل من جهة الأب ، والأميركي الأم، والأميركي
الجنسية طبعاً قائماً، ويمكن أن يقرَأ أوربياً بأكثر من معنى في ضوء قانون الجنسية
وصلة المتجنس بمجتمعه، ويقرَأ عربياً، دون نسيان الفارق بين واقعتين جنسيتين
وثقافتين، كما أنه يمكن أن يقرَأ كردياً بسهولة، إنما” إنما، للتشديد !
” دون التغافل عمن يكون أوباما، وما يمكن أن يكونه الكردي وهو في موقع وظيفي
كردي، أو يبحث عن موقع وظيفي والحدود التي يجب عليه التوقف عندها لأسباب مفروضة
اجتماعياً، وفي المكوّن القبلي أو العشائري والمستحدث في جهاته الأربع . 
البدء تالياً:

كتاب باراك أوباما :
أحلام من أبي ” قصة عرق وغرث “،
ترجمة: هبة نجيب السيد مغربي- إيمان عبدالغني نجم- مراجعة: مجدي عبدالواحد عنبه،
مركز كلمة، أبو ظبي، ط1، 2009 . في 500ص ونيف، قطع وسط:

يضعك في مواجهة أكثر من اعتبار: 
من ذلك هو أنه كتاب شخص يبحث عن ذاته في
مجتمم لا يخفي سلبياته لكنه في الآن عينه يتيح لك إمكان بناء الشخصية إلى درجة بلوغ
الحد الأقصى مما يمكن للفرد بلوغه: رئاسة الدولة، دون نسيان من تكون أولاً، إنما
دون نسيان وجوب تميزك بالقدرة على الدمج بين نسبك ومجتمعك. 
ومن ذلك هو أنه كتاب يعلّمك فن تعلم العيش،
والقدرة على التحدي على قدر ما تستطيعه إرادتك، بصفتك المغامر ضمن الحدود التي تتواجه
فيها أحلامك ورغباتك ومصاعب الواقع وكيفية تذليلها، والتمتع بالحياة. 
ومن ذلك، أنه كتاب لا يضعك خارج ذاتك إنما
داخلها، لا يضعك خارج مجتمعك إنما داخله، لا يدعك تسترسل في الحياة دون أن تعرف من
تكون، إذا أردت لحياتك معنى وارتقاء بها في المجتمع. 
ومن ذلك أنه يسمّي لك طرق الطموح وأساليب
التحكم في الذات، والثقة بها أبعد مما تراه في مرآتك: صورة وجهك، قامتك، نسَبك
الشخصي، لأن المجتمع يطالبك بما يتجاوز كل ذلك، كما هو حال السيد الرئيس أوباما. 
الكتاب ألّف قبل أن يكون رئيساً، وهو في
قراءته يجمع بين خاصية السيرة الذاتية وتلك الطريقة الشيقة من السرد الأدبي وبلغة
نثرية لا تفوّت عليك فرصة الاستمتاع بمعطياتها: اعترافات ومفاجآت ومجابهات.. 
اللافت، لمن يهمه أمر الاعتراف بالجنس،
والنسَب وما هو ذاتي جداً، سوى أنه يلهِم ويفهِم عميق المعنى والفاعل في ذات من
يريد تجاوز العوائق، اللافت، هو ذلك الانفتاح على الذات ومكاشفة قارئها. 
أوباما الجامع بين الديني والواقعي، بين
الفردي والمجتمعي، يريد التحليق باسمه الذي ينتظره: رئيساً. 
إن الاستشهاد بآية من ” العهد القديم
” يفصح عن ذلك، عما هو أميركي كألفة ثقافية دينية بخلفيتها كثيراً، ومن
” أخبار الأيام الأول” وذلك في الاستهلال: : لأننا نحن غرباء أمامك،
ونزلاء مثل كل آبائنا ، 29:15. 
هذا التقريب والتوضيب بين خاصية الغربة
والتوق إلى الانخراط في المجتمع يفعّل الشخصية لأن تكون أبعد من كونها غريبة أمام
المخاطَب الإلهي، أبعد من وصفها نزيلة موقع غريب عليها، طالما أنها تضع عليها
بصمتها. 
لا ينسى أوباما – ربما- ذلك التقليد
الأميركي، الأوربي في تعيين المجتمعي بداية دون مفارقة من يكون، وهو يسمي انتماءه
الحزبي في التقديم” كونه من الحزب الديمقراطي. ص 8 “، ومن خلاله طبعاً
كان ارتقاؤه في سلَّم السياسة حتى تسنمه كرسي الرئاسة، وما آلمه جرّاء انهيار
البرجين العالميين ” ص 10 ” . 
وتالياً ما يقرّبه من حدود البيت، العائلة،
كما في فقده لأمه قبل نشر الكتاب ” ص 11-“،  لا ينسى أن يقدّم وميض معلومات لها قيمتها
كخلفية، كجرعة معنوية في التحرك ( كانت قد قضت السنوات العشر السابقة تفعل ما تحب،
فكانت تجوب العالم تعمل في القرى النائية في آسيا وأفريقيا تساعد النساء على شراء
ماكينات خياطة أو بقرات حلوب أو الحصول على فرصة للتعليم قد تمنحنهن موطىء قدم في
اقتصاد العالم. ص 12.) . 
لا ينسى أوباما الجمع بين خاصية السرد
الأدبية وتلك القيمة الاعتبارية للمعلومة القادرة على الاستقطاب أو الإثارة، لحظة
التوقف عما هو عائلي( ولنأخذ قصة زواج والديّ القصير- رجل أسود وسيدة بيضاء،
أفريقي وأمريكية- دليلاً على ذلك، ونتيجة لذلك الاقتران يجد بعض الناس صعوبة في
تقبلي، فعندما يكتشف البعض ممن لا يعرفونني معرفة وثيقة- البيض أو السود على حد
سواء- قصة عائلتي” وعادة ما يكون هذا اكتشافاً بحق إذ إنني توقفت عن إعلان
عرق أمي وأنا في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من عمري عندما بدأت أشك أن في هذا
تودد وتملق للبيض”، أرى التغيير الذي يستغرق جزءاً من الثانية الذي عليهم أن
يقوموا به..ص 15.) . 
لا ينسى أن يقول عما يجب قوله، وأن يفصح عن
شخصية الناقد التي يتمثلها تعبيراً عن ثقافة ضامنة لنجاح أدبي، وشخصية اجتماعية في
آن ( فالسيرة الذاتية تعد بالحديث عن إنجازات جديرة بأن تسجل، وأحاديث مع مشاهير،
ودور محوري في أحداث مهمة، ولا يوجد شيء من هذا في الكتاب..ص 16 .). 
لا ينسى أن يشير إلى أهم ما يمكن التفوه به،
وهو نسبية ما انطلق منه وتوقف عنده، إنما تكون هذه النسبية فاعلة في إحداث الأثر،
وفتح مجال أمام القارىء ليتعرف عليه عن قرب ( ومهما كان الوصف الذي سيلتصق بهذا
الكتاب، سيرة ذاتية أم مذكرات أم تاريخ أسرة أم شيئاً آخر، فإن ما حاولت أن أفعله
هو كتابة سرد صادق لجزء محدد من حياتي.ص17 .). 
وتأكيداً على تقليد ملهم آخر، جهة التذكير
بفضل من يسهمون في إثراء حياتنا، وبداية تكون الزوجة، ومن باب اللزوم أحياناً، وهو
يشكر زوجته الرائعة ميشيل” ص17 “. إن الروعة تتمثل في بعد التفاني هنا
خصوصاً. 
أوباما يدرك مفارقات السرد السيَري وكيفية
تسمية نقاط معينة من باب الإثارة، عندما يتحدث عن أبيه الغائب، حيث تخبره عمته جين
من كينيا بموت والده .”ص 23 ” . 
لكن التالي يفصح عن أن المتحصل لديه من
المعلومات، قد أعقب تلك المغامرة التي قام بها إلى بلده الأصل: كينيا، وتعقب خطى
أبيه أو تبعه إلى مسقط رأسه، كحال أليكس هالي من خلال بطله في روايته السيرية ذات
الصيت ” الجذور . ص 354″ وهو نفسه يشير إلى ذلك، باعتباره نظيره
الأفريقي، مع فارق خاصية السيرة والمتضمَّن الاجتماعي وحتى السياسي في الكتابة
طبعاً ( لم يكن أبي عندما توفي إنساناً عادياً من وجهة نظري، بل كان أسطورة. ترك
أبي هاواي عام 1963م حينها لم أكن قد تجاوزت  الثانية من عمري. ص 23 .). 
ومن ثم ما يضيء هوية الأب (علمت أن أبي كان
أفريقيا، كينياً من قبيلة” لوو” ولد على شواطىء بحيرة فيكتوريا، في قرية
يطلق عليها ” أليجو”. كانت القرية فقيرة، لكن والده- جدي الآخر حسين
أونيجانجو أوباما- كان مزارعاً بارزاً وأحد كبار القبيلة، وكان طبيباً يمتلك قوى
شافية..ص 27 .) . 
وفيما بعد ليتداخل السرد السيري مع أسلوب
الكتابة تقديماً وتأخيراً، وإنشاء أدبياً، وتطعيماً فلسفياً أو حكَمياً أو
وجدانياً (عام 1959 وصل أبي إلى جامعة هاواي وهو في الثالثة والعشرين من عمره،
ليكون أول طالب أفريقي في تلك الجامعة، ودرس الاقتصاد القياسي واجتهد في دراسته
بتركيز ليس له نظير، وتخرج بعد ثلاث سنوات أول دفعته.ص 28). 
ولنا في المفارقة اللونية التي ياتي أوباما
على ذكرها ما يستوقفنا على أكثر من صعيد، إذ إنها مفارقة تتجاوز حدود اللون، وترسي
في السياسي والاجتماعي، بقدر ما تكشف عن مأثور اللون وأبعاده التاريخية (وحقيقة أن
أبي لم يكن يبدو مثل أي شخص ممن حولي، أنه كالفحم وأمي بيضاء كاللبن، لم تعلق
بذهني . ص 28 )، وهو المأثور الذي يثيره بقدر ما ينير عليه وفيه أفكاره والعالم
الذي أراده لنفسه، وما يكون عليه موقفاً في مجتمع لا يخفي خاصية المغامرة في بناء
الشخصية، كما هو مغزى البراغماتيكية (” اختلاط الأجناس ” مصطلح يبدو
قميئاً مشوهاً ينذر بنتيجة بشعة، بالضبط مثل عبارة ” ما قبل الحرب الأهلية
الأمريكية ” أو وصف شخص بأن ثُمن أسلافه من الزنوج، إنها تستدعي صوراً من عصر
آخر، عالم بعيد من السياط والنيران، ونباتات المغنولية الميتة وأروقة المعابد
المتداعية.ص31 .). وما يكون عليه تأريخ لحظة القران بين والدين وقنبلية المعاش، إن
جاز التعبير (أما عام 1960، العام الذي تزوج فيه والداي، فكان اختلاط الأجناس
لا يزال يوصف بأنه جريمة عظمى في أكثر من نصف ولايات الاتحاد، وفي أجزاء عديدة من
الجنوب كان من الممكن أن يعلَّق أبي على شجرة لمجرد أنه ينظر إلى أمي نظرة غير
لائقة
…وكان من الممكن اعتبار مجرد صورتهما معاً مسألة فظيعة وشاذة، بمنزلة
رد فعال على القلة من المتحررين الأغبياء الذين يدعمون أجندة الحقوق المدنية. ص 30
.). 
إنها لحظة بطولية، بقدر ما تكون بمضمونها
الاجتماعي تحدياً اثنينياً من قبل الزوجين. 
لا يخفي أوباما في الجانب الآخر مدى اهتمام
جده، جهة الأم به في هاواي ( في نظر جدي” جهة الأم ” لم يعد العرق شيئاً
يستحق أن يقلق المرء بشأنه، فإذا كان الجهل لا يزال باقياً في أماكن بعينها،
فسيكون من الباعث على الطمأنينة أن تفترض أن باقي العالم سرعان ما سيلحق بركب
الحضارة والتقدم . ص 45 .). 
إنه اعتراف وإنصاف لتاريخ عائلي ومديح مطلوب
لهذا الذي ساند الأم وابنها، وفي مجتمع لم يكن يخفي حساسيته في تجلياتها العرقية:
في اللون. 
وفي الجانب الآخر، حيث التاريخ لا يخفي آلام
الذاكرة الجمعية ونزيف القارة السوداء ( لم يوافق جد أوباما” جهة الأب ”
على زواجه من بيضاء: ثم كتب والد باراك، جدك حسين، لوالدي ذلك الخطاب الطويل السيء
يقول فيه إنه لم يوافق على الزواج، وأنه لم يرد أن يتلوث دم عائلة أوباما بدماء
امرأة بيضاء. ص 150 ). 
أوباما دقيق في التقاط المشاهد وطريقة الربط
بها في نسيج أدبي يبقي وجهه في الواجهة، وفي الوقت ذاته يوسّع دائرة النظر
باعتباره ابن مجتمع، وأن ما يقوم به يعنيه ويرتد عليه باسمه، لحظة الحديث عن
المؤثرات الكيميائية في الهيئة مع صديقته روبي أم كايل ورده عليها( منذ اكتشافي
الأول المخيف لكريمات تفتيح البشرة في مجلة لايف أصبحت معتاداً على مجموعة من
مفردات الوعي باللون داخل مجتمع السود، مثل: الشعر الجميل أو الشعر الرديء،
والشفاه الغليظة أو الشفاه النحيفة. وإن كنت من ذوي البشرة البيضاء فأنت من
السعداء، أما إن كنت من ذوي البشرة السوداء فترجع للوراء . ص 230 .) . 
تلك علامات، شهادات، مرايا مركّبة لتعكس ما
يجري وتثبيت الملتقَط في الزمن من قبل شاهد عيان فاعل. 
وأوباما يودِع المشاهد الملتقطة ما يتجاوز
حدود العائلة دون أن ينحّيها جانباً، وهو في قلب المجتمع، في أصل الذات التي تمثّل
ركيزته وقاعدته في التكوين الشخصي ( فكرت بيني وبين نفسي أن عدد السود الفقراء
يمكن أن يتناقص عن طريق التحلي بالمزيد من الاعتداد بالنفس، غير أن الشكوك لم
تساورني في أن الفقر لم يؤثر على اعتدادنا بأنفسنا. ص 231 .) . 
وأوباما على قدر تألمه بمفارقات الواقع:
المجتمع، يشحن إرادته بتلك القوة موسّعاً عالمها، ولا بد أن وضعاً قائماً ييسر له
هذا التعاطي الحدثي، هذا التفعيل الثقافي واللوني والإجتماعي والنفسي بالتأكيد ( إذا
كانت لغة عوام الناس ومزاحهم وقصصهم أشياء اعتمدت عليها العائلات والمجتمعات
والاقتصاديات في بنائها، إذن فإنني لم أستطع فصل تلك القوة عن الجرح والتشوهات
التي استمرت داخلنا.ص 232 .) . 
وأوباما في البحث عن أصول أبيه ربط بين تاريخ
قائم وآخر لما يزل يؤثر، أيام سلب القارة السوداء والاتجار بالعبيد، إنما كذلك،
وتالياً، ما يمنح القارة خصوصيتها، ويترك لها أثراً في العالم اللاجديد طبعاً، وهو
يتحدث عن أبيه إذ يواجه محسوبيات مجتمعه الكيني، كما لو أن اعتداد أبيه بنفسه منحه
طاقة مضاعفة لأن يصمد هو، وهو يتحدث ، كما ذكرت ، عن وضع أبيه السيء في كينيا جراء
المحسوبيات وتعيين غير الأكفاء  عبر”
النظام القبلي ” وتحجيمه. وخاصة بعد أن أعلَم أحد الوزراء بمحدودية معلوماته
وكونه هو من يعلّمه بأصول المهنة.” ص 255-256″ . 
إنما الأكثر إثارة واحتفاء بالقيمة
الأخلاقية، هو ما أراده أوباما وربما ما أوصل أوباما إلى كرسي الرئاسة في التوازن
بين الألوان” ألوان البشرة “، وفي تجاوز الحدود المكهربة والملغومة
والمصطنعة لما هو لوني، أي في تركيزه على ما هو سلبي في المجتمع ، في كيفية تعليم
الطفل، أو التلميذ تاريخاً ليس له، والأسود نموذج حي(  لكن فيما يتعلق بأي طفل أسود فإن كل الموازين
تتغير ومن يومه الأول في المدرسة، ماذا يتعلم ؟ تاريخ غير تاريخه وثقافة غير
ثقافته، ليس ذلك فقط بل إن الثقافة التي من المفترض أن يتعلمها هي الثقافة نفسها
التي رفضته- بكل ما في الكلمة من معنى- وأنكرت إنسانيته . ص306 .) . 
ذلك ما يفيد ويصدم المجتمعات التي لما تزل
تفرّق بين الأفراد في انتماءاتهم الاثنية، كما هو حال الكردي حيث يعيش
ويعاني” أذكّر في السياق ، مثالاً، بكتاب غنثر دشنر: الكرد شعب بدون دولة:
تاريخ وأمل- الترجمة العربية، بيروت، 2014، فهي ثري جداً في هذا المضمار”. 
ولعل وجود أوباما في بلد أبيه، وتعرفه إلى
أهله هنا، وتعرفه ولو المحدود على جغرافية كينيا بلد الأم، ترجمة لماحة ومؤثرة تخص
ذاكرة أوباما وارتباطه بتاريخ لا يجب عليه أن ينساه، تاريخ أمم وشعوب وقارة
وعلاقات ومآس، لا بد أنها تعلّم وتفهِم بما يجب الحفاظ عليه ، وفي صفحات تترى
” ص:372-411- 483- وما يخص حياة أبيه، صص 453-485 ..”، وتلك اللوحة
السيرية التي تخص جده جهة الأب، ومن خلال القبيلة التي ينتمي إليها ” لوو
” واعتداده بنفسه هو الآخر، انطلاقاً من سرد مباشر من ناحية الجدة، كما لو
أنها تلقنه الدرس الذي لا يجب أن يُنسى (إن ما كان جدك يحترمه هو القوة والنظام،
وهذا سبب تمسكه الشديد بتقاليد قبيلة لوو مع أنه تعلم الكثير من سلوكيات البيض،
هذا إلى جانب احترام شيوخ القبيلة واحترام السلطة والنظام والأعراف في كل شئونه.
ص467 .) . 
وليكون لأوباما أكثر من وقفة مع جوانب حياتية
تتجاوز حدود النظر، إذ يكون الأثر النفسي ملحوظاً (سأل أوباما صديقة والده
الدكتورة رقية: عن سبب اعتقادها أن الأمريكيين السود عرضة للشعور بالإحباط عند
زيارتهم لأفريقيا، فهزت رأسها وابتسمت قائلة: لأنهم يأتون إلى هنا باحثين عن الأصل
وهذا سبب مؤكد للشعور بالإحباط..ص495 .) . 
وليست النهاية التي يعلَمنا بها أوباما
بمغلقة، إنما تنفتح على أكثر من مدى، ومن خلال عرس أخيه، حيث الجمع بين أخوة
ينتمون إلى أكثر من أم ” إذ تزوج أبوه امرأتين “، إنما هو ” الزواج
الرمزي”، الزواج القاري، اللوني، أو ما يسمى بالتطعيم” الهجنة”،
وقدرة أو قابلية أوباما على صهر هذه العلاقات والمختلفات في بنيته الذاتية، من
خلال فرحه في الحفل مع أخيه روي” آبونجو”، وهم يتبادلان الأنخاب وقول
أخيه: 
(نخب من هم ليسوا معنا  ” من عندي: موت أبيهما، إلى رحيل أم
أوباما ” . 
وقلت: نخب نهاية سعيدة. 
سكبنا ما في كأسينا ببطء على الأرضية المكسوة
ببلاط على هيئة مربعات، وفي هذه اللحظة شعرت بأنني أكثر الرجال حظاً على وجه
البسيطة . ص 505 .) . 
هذا الحظ المسمى ليس حظاً عن قرب، إنما هو
انبناء ذات، هو المتحصَّل من خلال رحلة قارية واجتماعية ونفسية وتاريخية، هو ما
جعل من أوباما الذي ينتمي إلى لونين وثقافتين، والذي رحل أبوه دون أن يراه، وتابع
أباه ليكتشف في نفسه صورة لم تكن راسخة فترسخت، ليعلِم من يريد أن يعلَم ما معنى
أن يكون المرء شخصيته، وأن يسمّي من هم حوله وضمناً محيطه، ويكون لاسمه الشخصي
العلامة الفارقة وليس نسَب الأهل أو القبيلة أو العشيرة، لأن أوباما الذي صار رئيس
أقوى وأشهر دولة في العالم هو هجين، ولو أنه ولِد في مكان آخر في العالم لما
تعرَّف إليه أحد،أي في أمكنة كثيرة منه، كما في محيطنا، أو وسطنا الكردي بالذات. 
حيث يخفي الكثير أصولهم، أو يمكن التعرف إلى
نسبة ملحوظة ممن يتسترون على أصولهم لدواعي اجتماعي ومرام لها صلة بمواقع يتربعون
عليها، وأبعاد هذا التستر. 
أقول ذلك وأنا أستدعي إلى الذاكرة ما قرأته
في كتاب السويسري- الفرنسي جان جاك روسو” 1712- 1778″، في كتابه ذي
الصيت “خطاب في أصل التفاوت وفي أسسه بين البشر: الترجمة العربية، بيروت،
2009 “: 
(من فرط تفاوت الأوضاع والحظوظ، ومن اختلاف
الأهواء والمواهب، ومن الفنون غير المجدية، ومن الفنون الفاسدة، ومن العلوم
الطائشة، ستتولد طائفة من الأحكام المسبقة، تضاد العقل والسعادة والفضيلة على حد
سواء …الخ. ص 153) . 
هذا يذكّر عن قرب ما أثاره الكواكبي، الكردي
الأصل في ” طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” كما لو أنه تقمص روسو في
الكثير مما تنبه إليه في أثره هذا. 
لعلي هنا وتجنباً للاستطراد، أكتفي بالقول:
أنا أوباما أيضاً، ولكن لست أوباما، ولن أكون أوباما، ليس لأن أوباما أفضل من
ابراهيم محمود، أعنيني هنا، بلونه وجنسه المختلط، ولا أكثر فهماً منه، سوى أنه كان
محظوظاً لأن يولد في مجتمع هيأه لأن يكون الرئيس الأميركي قبلة الملايين من البشر،
وربما لن يكون في وسع ابراهيم محمود المولود من أبوين عاديين جداً جداً، حيث لم
يكتسب أبوه مثلاً لقب باشا من سلطان عثماني على سبيل المثال على خدماته”
استزلامياته تحديداً”، لن يكون في وسعه أن يكون، مهما توافرت له الظروف،
وساعدته فهلوته أكثر من متحرك في ظل متحزب، أو بوقاً لهذا الطرف الكردي أو ذاك، أو
ينظّر، أو يفكّر بينه وبين نفسه فيما يمكنه فعله في حدود، وما أكثرها من حدود،
تضيق عليه الخناق، وعليها أكثر من إشارة من نوع: حذار من هذا وذاك، من هذه وتلك،
وتحديداً حين يحاول تشخيص ما هو مرَضي في وسطه الكردي وما أعداه وأثراه… وعليه
أن يشرب نخب مأساة كرديته فقط..؟! 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…