إبراهيم محمود في خياناته للنص

إبراهيم اليوسف

ينظر إلى النص /المدون، على أنه جملة من  عناصر، تشكل المفردة قوامها، وإن كانت هذه العناصر-في الأصل- ترتكز على الأداة اللغوية، التي يتم التفاوت في الاعتماد على معجميتها، عبر أساليب، وأشكال، متعددة، تتناسب مع قابلية المفردة الدلالية، بحيث أنها لا تتوقف عند حدود معينة، مادامت هناك سمة الانزياح، التي لا تتشكل من خلال المعنى المعجمي للمفردة، إنما من خلال توظيفها، في السياق، لاسيما عندما تتوافر درجة عالية من المهارة الكتابية، لدى الناص.

وإذا كان من صفات السرد، غير الأدبي، عادة، الوضوح، فإن هناك من يستطيع الاستفادة من إمكان منح المفردة دلالات خارج ما هو مألوف فيه، واعتماد أساليب كتابية – في المقابل- تجازف بالنص إلى درجة الإشكال، أو اللبس، بعيداً عن وظيفته الآلية، وإن كنا أمام مستويين، من هذه النصوص،
 لاسيما إذا أدخلنا المقال الأدبي، في مختبر التحليل، لنكون أمام حالة تؤول إلى  الاستعصاء، بدلاً عن الانفتاح، إذا ابتعد عن الكتابة، المتآكلة، بما يفترق مع نوع النص العلمي، الذي يتقبل التقعيد، والاستنتاج الصارمين، في ظل وطأة العوامل النفسية: العاطفة، بأبعادها: الحب، الكره، بل والانفعال، وغيره، ضمنياً، ما يتيح للكاتب أن يكون أمام كتابة لا تمنح مفاتيحها، لأول وهلة، وهي الكتابة الإشكالية، التي تأتي، في مستويات عدة، ونحتاج إلى أكثر من قراءة لها- أحياناً- بما لا يتواءم مع الحالة القرائية،الجديدة، باعتبار القارئ يعاني، ليس من تخمة من المدونات المقترحة، بل من حالة إغراق، لم تشهدها عملية القراءة عبر التاريخ، وحتى في ذروة فترة الطباعة الحداثية، على اعتبارها تشكل مرحلة ما بعد حداثيتها.

والنص الإشكالي، يتأسس، من خلال الحنكة، والمغامرة، وخدعة القارىء، بل وخيانة عقد التلقي التقليدي، من خلال إرساء شبكة علاقات مراوغة، يحاول الناص الإيقاع، بمتلقيه، بوساطتها، لأنه نص مارق، خارج عن أعراف المدونة، اليومية”وإن كانت له توائمه التاريخية والمعاصرة في مدونات الشعوب” لا يفتأ يقدم غواياته، ويجند سلسلة تكتيكاته، متربصاً بالقارئ، بل وبالرقيب-أحياناً- إما ليقدم رؤى احتمالية، متعددة الوجوه، أو بغرض خلق عنصري الإمتاع، والدهشة، بما يتشابك مع أدبية المدون، أومن أجل تحدي طرف معلوم، أو مجهول، لاستبيان ما استهدفه من وراءه، دلالياً، أو تقنياً.
وقد أثار المقال الذي كتبه الباحث إبراهيم محمود بعنوان “أكاذيب إبراهيم يوسف”* في موقع ولاتي مه 10-5-2014 والذي حاول كتابته بطريقة مختلفة، لاسيما أن هناك من وجد فيه انقلاباً على ما بيننا من علاقة، رغم أن أية علاقة شخصية بين كاتبين، في حل من الرأي الثقافي لكل منهما حول كتابات الآخر، حيث ثمة ما لا أريد لإبراهيم محمود أن يكتبه، وثمة ما أراه جد مهم في مايكتبه بعيداً عن تقويم سواه، ولعل سر غبطة بعضهم كمنت في أن ما يمكن وسمه بثنائية “الإبراهيمين” وهي التي أطلقها الصديق خليل مصطفى في مقالاته التي كان يكتبها -آنذاك- باسم “كوني سبي” وكررها كثيرون، فيما بعد ومنهم ” الصديق المشترك والكاتب حسن دريعي تحدث عن ذلك في ندوة حوارية عن أحدكتبه “،  قد تقوض، وهي الثنائية التي برزت في الكتابات الآذارية، حيث كنت في لجة تدوين ما هو خبري، بينما كان إبراهيم يتناول ذلك من منظور فكري، هذا المنظور الذي يجعل بعضهم يسمي الآن-ياسين الحاج صالح- منظِّر الثورة السورية، رغم أن مئات الكتاب كتبوا مثله، كيفاً، أوكماً، في هذا المجال، بيد أن توافر المنبر الإعلامي، والانطلاق من المرجعية الرؤيوية التي غدت الرحم لمدونات هذا الأخير، كانت مدخله إلى مثل هذه الكتابة، وهي نقطة أولى تسجل للإعلام السوري، بل ولمتابعي شؤون الثورة ممن راحوا يصنفون أحد كتابهم، في هذا المقام، بينما نجد أن كاتباً كردياً هو صلاح بدرالدين، كتب أكثر–  وبغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا معه- من أي كاتب سوري في شؤون الثورة، مضافاً إليها خصوصية السؤال الكردي، وهانحن نتجاهله، ولعل مرد ذلك، هو أن الحاضنة الكردية، المتناسفة، لا تتأسس على تكريس أسماء من هم بارزون فيها، وإنما هي منبنية -للأسف- على عكس ذلك على التلاغي الذي يمكننا الآن قراءة، سبب ما ألنا إليه، من خلاله، لاسيما فيما إذا عرفنا أن هناك مؤسسة كردية، وراعياً إعلامياًذا خلفية سياسية تخندقية- قد درب أبعاض أنفاره على أداء ثلاث مهمات، وهي إبداء”الإعجاب” بأسماء معينة، حتى وإن كانت منتنة، مادامت وفق هواها، والهوى-هنا- وطأة العاطفة، ومجاراة الأنموذج مستحوذ السطوة، ناهيك عن مهمتي:تشويه المتناقض، مع هذه الرؤية، أو تلك، أو تلميع المتوائم، وهو من بين مفردات الأنموذج الأول، وهذا ما يشكل العلامة الفارقة لاستفادتنا الكردية من شبكات التواصل الاجتماعي، بعد هيمنة”عصمنلية” الإعلام،الكارثية، المدمرة، بعكس ما تم في الثورة المصرية2011 والتي استطاعت تحقيق ما تريد، في خطوتها الأولى، وكان أمامنا كمٌ ممن طالتهم أدوات التشويه، ونالت منهم، بكل أساليب العنف، في الحقلين السياسي، والثقافي، ما ينم عن جوانية الاستعداء للرأي الحر، ومحاولة قمع الرأي الآخر، لاسيما أن الحزب السياسي الذي يعمل”ولم أقل: يفكر- كتشخيص في حدود التخصيص لا التعميم-  بنسخة ميكافيلية”معنفة” أشد بؤساً- وهو الموجه هنا-يضع أولوياته الحزبية، بما في ذلك صورة قائده، على حساب القضية كلها، بعد ممارسة الخدر القائم على أساس”أهل الجنة، وأهل النار، بما يشكل استعادة رمزية لأسطورة سفينة نوح، وإن كنا هنا إزاء مركبة، مخترقة، في طوفان دموي يهددنا جميعاً، في آخر المطاف، ولا بد من استخلاص العظة من الواقع، وليس من بندقية المقاتل،لاسيما في لحظة صدقه مع قضيته، وما يملى عليه من أوامر واردة.
اللجوء إلى التوثيق، من قبلي، أمر كرست له جزءاً من حياتي، حيث كانت أولى خطوة قمت بها قبل اثنين وعشرين سنة-وهو توقيت أولى مدونة  لي، في هذا السياق، عن تجربة منتدى الثلاثاء ، وبشكل إشاري، عابر،نشرتها في جريدة الحياة وكررت نشرها في أحد أعداد مجلة مواسم 1992، بالتساوق مع خطوة أخرى، تمت من لدني، إذعملت على استفزاز ذاكرات قدامى الحزب الشيوعي السوري، بعد إحساس بعمق مقولة ذلك الإفريقي الذي رأى أن موت كل عجوز يعني ضياع  مكتبة كاملة، عوتجلى ذلك في دعوة المجلة ذاتها إلى تكريم هؤلاء، وتكلف في هيئة التحرير عدد من الزملاء وقام بعضهم بتسجيلات صوتية للبارزين منهم لما تفرغ محتوياتها ولا أعلم مصيرها لأنني لم أتابع هذا المشروع فيما بعد- بينما نشرت جزءاَ ضئيلاً من هذه الحوارات في المجلة نفسها، في ظل الممكن، داخل لجة الصراع الخفي، أثناء مقاربة هذه الأسماء، حيث إرادة محوها، ليعمم التكريم، خارج إطار الحزب، ويتم تبنيه من قبل جهات وأطراف أخرى. ولقد كان المعوق الرئيس أمامي**، في كل مرة، ذلك الشحّ في الإمكانات، والوقت المهدور للشأن السياسي، والخدمي، على حساب البيت، حيث كانت أسرتي تعيش في غرفتين، إحداهما للضيوف، والأخرى لنا جميعاً، وكان المطبخ أو بيت الجد مكاني دراسة طالب الشهادة في أسرتي،أنى وصل أحدهم إلى هذه المراحل.
 وغير بعيد، عن المجرى، الهامشي، فإنه ولمرات عدة، واجهتني سهام ضارية، من أسماء مجهولة معلومة، ضمن موجات، بل عواصف هائجة، على ضوء أية نقلة عندي، من قبيل: تلبية دعوة في الإقليم، أو المشاركة في مؤتمر في أوربا، أو حتى في غمرة مواجهة النظام بما لدي من أدوات ثقافية إعلامية حقوقية – لاسيما بعد انتفاضة آذار2004- حيث كانت هستريا بعضهم تصل إلى ما وراء حدها الأعظمي، ما يجعلهم يرمونني بألسنة نيران ألهبتهم، لاسيما وأن ثورة الإنترنت وفرت لأمثال هؤلاء الذين كانوا نتيجة “جبنهم” ينفذون أعمالهم -الإرهابية- ملثمين، مقنعين، وها قد هيأت الثورة لبعضهم أسباب الكشف عن الأقنعة، وكانت تعيقني عن توثيق ما تم، من خلال الخوض في معارك جانبية، هدفها نسيان الجوهر، وهو أمر كان في عرف المتابع الحصيف، محسوباً، لأن لسان حال هذا الأخير، كان آنذاك: وأين قلمك، أيها المتطاول؟، وهو ما يقفز فوقه من يريد الإجهاز على الآخر، وإعدامه، مادام أنه لم يكن من قام بأداء الواجب القومي -وأقول القومي- والإنساني، والأخلاقي. ولعل المأخذ-هنا-هوأين ذلك الذي تضع”روحك على كفك-من أجله، وأنت تواجه آلة الاستبداد، بيد أن لاشيء لديه سوى التربيت على كتفيك، في مجلس عام، أو خاص، وهو-أصلاً-ساقط من حساباتك، عندما يكون قبالة كفة الميزان، الأخرى، حيث ذلك الشهم الذي يرافع عن صاحب القلم الذي لم ينس قومه في أصعب الأوقات.
لقد كانت مفاجأتنا – كمتابعين-  ضمن فضاء الثورة السورية، وهنا نقلة لسياق الحديث بلغة الجمع، تكمن في صدمتنا بسقوط الكثير من القيم، وظهورالنفوس المريضة، عارية، من مكياجاتها، وأوراق توتها، وهو أمر تسنه الحرب، عادة، بيد أن هناك من وثب إلى هذه المرحلة، وجسد أخلاقياتها، قبل أن تقع في الكثير من عناويننا، وهنا الطامة الكبرى، حيث وجدنا أن هناك من بات “يأكل لحم أخيه حياً وميتاً في آن”، “نيئاً ومتفحماً”، يسرق ماله، يدون بيته، وسيارته، باسمه، ولا يكتفي بذلك، بل راح يصنع إرثاً مزيفاً، من خلال نسبة تراث الأغيار لذاته، بعد أن بات يشعر بضآلة تراثه، وهو تجاوز لخصيصة عدم الاعتراف بجهد الآخر، وكده، وعرقه،عندما كان كل ذلك ذا كلفة عالية، من مواجهة آلة الاستبداد، لاسيما عندما يكون التراث نتاج دفع لأوراق الروزنامة، إلى رماد المحرقة، بأكداس زمنية عقدية، وهو ما نستشعره أمام غارات ثأرية، كيدية، بل وكان الأكثر غرابة تنطع من لا أثر له في هذا المقام، ليؤدي ما رسم له من دور كومبارسي، يحترق فيه، قبل أن يحرق سواه.
وأنا هنا، أناقش ظلال النقاط التي تناولها إبراهيم محمود، في مقاله الأول، وهو معد بأعلى قدراً، من “ديناميت” الاستفزاز، لي- من جهة ألا يفهمه القارئ- وللقارئ، وهو نوعان، أحدهما متابع كل دريئة استهدفها القصف، واعتلاه الدخان – دخان لا يعرف الإقامة- بيد أنه يسهل للمتربص أن يمرر ما يريد، يقف في صف دون آخر، بل ليقف آخرون مذهولين،لا يعرفون ما يتم، بيد أنه -في النهاية- كرنفال مستنسخ من العدوى الباطشة، الفتاكة، لحالة الحرب – وأعرف أن لإبراهيم محمود فيه اليد الطولى، في عدد من مقالاته، منها مقاله عن د. نورالدين ظاظا الذي شرح لي ولآخرين رؤيته له، قبل قذفه إلى الفضاء الإلكتروني، ليكون هدف قذف وقصف وعصف، ما كان يخفف علي هذا الدخان الذي أصاب عيني، لاسيما أني عارف أني لم أكن في صدد المتناول، السجالي، إلا بما يذكر، بمن يقدم اسمه، وطوله، ولون عينيه، ووزنه، من المسلمات التي لا تناقش، مادام أن الشهود هم مدينة، وأهلون، متناثرون في المكان، أو خرائط العالم، بما يجعل ناكر المسمى، في موقع لا يحسد عليه، من تقويم أخلاقي، ضميري، بل عقلي.
 العلاقات النصية ضمن شبكة الأدوات التي استخدمها إبراهيم محمود في مقاله الأول، وهي نفسها التي استخدمها في مقاله الثاني “كذبات ليست كذبات” كانت من النوع الذي يدعو إلى الالتباس، ليس على صعيد مضامينهما، إذ أن الكاتب -أياً كان- بحاجة- إلى من يسلط بجكتورات النقد على ما يكتب، شريطة أن يكون “نقداً” لا يلغي سواده بياضه، ولا يقوض معتمه مضاءه، بل على صعيد استدراج المتلقي، لصدمته، وهو ينطلق مما هو متاح، أولي، ليتم أكثر من تصنيف، بحسب الموقف الناشئ، والتضاد الناشب، وهنا، ثمة من يميط عن كره ما، أو ضغينة ما، لاسيما أن من يقع بين يديه، وهو إزاء معلومات لا يستسيغها، لعدم تطابقها مع افتراضاته، بعدأن يموضع نفسه، في موقع، لا تبقي المعلومة، الموثقة، له من أثر – وهنا لست بصدد أحد في حدود التوصيف- يجدنفسه أمام حالة ضرورة رفض الآخر، لأنه موجود، لاسيما حين لاتتماس معلومات النص، من حيث قطبي: التصديق، أو التكذيب، مع حالته، أوطريقة استقباله لها، مادامت قد تحسبت لنفسها، وانطلقت من تدوين ما هو عياني، بل أن المدون في حدود “العبارة” كان مجرد ملخص، مصفَّى، جاحد لإيجابيات سارده، في ما هو أكثر، ما دعا للنظر إليها من زاوية “وأين أنا إذاً؟” السؤال الذي ينطلق من خواء من لدن بعضهم، وهو مصحوب بكم من الشعور بالخيبة، بل هو ينطلق من شعور آخر، هو عدم قبول امتياز الآخر، ولو في حدود ضئيلة من كده،  من قبل بعضهم الآخر، وإن كان هذا ما ينطبق على حالة قلة من المخاطبين، في مختبر التلقي، حيث هناك من هو شاهد عيان على المجرى، المتناول، أو هو ناظر بعين الود، أو الحياد، خلال تقبله للوثيقة التاريخية التي تحيل إلى ما هو قريب، مستعص على التزوير، قد لاترضي رغبات المتلقي.
إزالة الالتباس، في النقلة الثانية، من الشبكة المتناصفة، بين الصدمة، الاختبارية، جاءت صدمة أخرى، وإن كان النصان متداخلين، بما يجعل كاتبهما، إزاء خيانة كبرى، للأداة، المفردة، وصياغة الجملة، والإحالة إلى المعنى، لاسيما أنه في حالة الحرب، يبدو كل منا مطلوباً، للمتضادات الهائلة، بحيث أن من يستقل سيارته ويذهب من”عين ديوار إلى نوى”،أو العكس، على إيقاع هدير الدبابات، وأصوات الرشاشات، وخشخشة السكاكين الناحرة، وشخب الدم، الجاري، لابد وأن يكون مطلوباً من قبل مئات الجهات، التي أظهرت أن لا علاقة لها بالمكان، وأهله، وثقافته،  وهو ما ينعكس -بالصورة ذاتها- في حقل المقروء، للأسف، وإن كان من اللزام الإصغاء إلى الكاتب، ممتلك الأدوات، وراسخ التجربة، الرؤيوية، قبل التقنية، دون تسفيه “المختلف” وتأثيمه، وطلب رأسه، كما كان الحال مع مثال قريب هو مشعل التمو، في حدود ما يجري، أو الشهيد محمد معشوق الخزنوي، خارج هذه الحدود، وهما ضحيتا رأي، ولابدَّ من محاكمة من دفع باتجاه مصيريهما، من بيننا، كتابياً، وإعلامياً، أو شفاهياً، وهو المهم، عند زوال أثر الدخان، وتحت أشعة الشمس الأكثر سطوعاً، وها عشرات كتابنا يفرون برؤوسهم، وأرواحهم، ليس خوفاً من التبعات التي تفرضها آلة الحرب التي تتطلب منا جميعاً، تحمل واجبهم إزاءها، بل لما لدفع التحريض البيني الأخوي، نتيجة الموقف من الرأي الآخر، وتضخم الأنا المهجنة، والمؤدلجة، والمسيسة، والممسوسة، وتحريض بيادق التواصل الاجتماعي ضدهم، من دور في تشتيت صفوفهم، ليكون المكان خلواً إلا لاثنين: الرأي المتناسخ، من جهة، ببعده، الأحادي. أومن يؤجل أداء ملكة وظيفته إلى وقت ثان، من جهة أخرى، وهو ما وجدناه، من قبل في محطات، استفاد بعضهم منها، ولما يستفد بعضهم منها، رغم مرور ثلاث سنوات ونيف على نقطة البدء الآذارية، لما كان ثورة سورية كبرى.
لا يفتأ المتابع -المتعمق- يجد ذلك الناص الذي يدفع بسواه، على إلحاق الأذى بغيره، وهو شعور يتناقض مع صدق روحية الكاتب، رغم أننا نجد أن هناك من يحرف مسيرة الكتابة ويفهمها امتداداً لغزوة القبيلة، أو طعان فرسانها للأغيار، رغم أن بعض هذا النموذج يقود الوسيلة الإعلامية -وهنا مكمن الكارثية- وإن قدم نفسه مرتدياً القفازات النظيفة، فلا يظهر تعاريج كفيه، أو خطوط إبهامه، أو بقية أصابعه، ليتولى المهمة، في حدودها القصوى أمام أي نزال ولو موهوم، لدائرة أنانيته. وهي الصفة التي يختلف معها إبراهيم محمود، حيث يواجه سواه، بما يريده، بعيداً عن المواربة، من خلال لغات متعددة المستويات، سواء اتفقت معه، أو اختلفت، جزئياً، أو كلياً، ما يشكل سمة لكتاباته. حيث يظل النص الذي يقف هذا الكاتب على عتباته، بل ويغو ص فيه، من دون أن يبتل، بحاجة إلى إعمال النقد فيه،إضافة، أو حذفاً، أو حواراً، وهو ما قام به، من خلال طريقته، المختلفة، مع مدونتي التوثيقية -وهوالشاهدالأقرب- لولا اختلافه معي على بعض من الأسماء المتناولة التي لاأستطيع عبر البحث التاريخي المنصف إلغاءها، هذه المدونة التي  قد يراها من هو دون حضور في حدودها، نقيصة، بل يستشعر بعضهم بعقدة تجاه خطوطها البيانية، مادام أنه ليس في موقع المركز منها. 
أجل، صحيح أنني لست من غواة، الكتابة الاستدراجية، فلا أريد أن أكون “بطلها” ولا “ضحيتها”، ولكنها بدت في المقام ضرورية، لتفقد من بدوا وكأن الأمر أسقط  بين أيديهم،  وبات بعضهم يألف ما هو فيه، إلى الدرجة التي بات يحكم على سواه، من خلال “عالمه” أو “ما هو مرسوم له” وقد يكون الأكثر نبلاً، بيد أنه يسجل عليك كآخر” لاتناسخك مع القائم”، و”نقدك” له، بيد أن إبراهيم محمود –وأنا في موقع الشهادة له- يمتلك من رباطة الجأش، في مقاربة ما هو استفزازي، أفتقد أدواته -في الحالة الطبيعية- ولاتهابه مدونتي، لاسيما أنها لا تنطلق إلا من دعامات تستند إلى إرث محدد، لا يخشى عليه.
 والطبيعة الخاصة لدي -كناص- و-منصوص- في نص لسواي، تجلت في ابتعادي- قدر الإمكان، عن الاستجابة لمنازلات من يشهرون سيوف حروبهم على سواهم، ورغم أني خضت -مكرهاً- سجالات ثقافية عديدة، مع من اختلفت معهم، ومنهم من عدنا وتواءمنا – وهو ما أفعله بروح التسامح مع أكثر من ألحقوا الضرر بي مستثنياً من انزلق للاستعانة بهذه السلطة أو تلك في سعيه المدنس ضدي أوسواي- إلا أنني أزعم – بل في صيغة التحدي- أني لم أكن ولو لمرة واحدة، البادئ بالرد أو السجال، وإنما أكون في موقع المرافع عن الحقيقة، وبقدر عال من صوفية الرؤية إلى ما هو موثق، أو موثوق به، كرد على التزوير، وما أكثر ما تعرضت له، على أيدي أبعاضهم، وهو لا يمنع فرحتي بالنقد الموضوعي الذي يبين ما للنص وما عليه، دون التطرق إلى الناص، حيث يلجأ بعضهم إلى ذلك، ويدعو للخروج على ما تم انتهاجه، من لدني، وبكل تواضع.
* كتب أحمد حيدر في الموقع نفسه “أنا أكره إبراهيم اليوسف”  أكرهك “1-8-2011 وتالياً ” أنا أكره إبراهيم محمود أيضاً” 17-8-2011

**” وقد استعنت بفريق من الرفاق الأكثر حماساً مني حقاً”

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…