القرية….!

  إبراهيم اليوسف

ليس من نبأ غيره….!
ليس من سبيل إلى مبعث الأزيز
ورعدة الوقت
ليس من سدرة نحو الأهلين
ليس من خلاص من خيوط الوثاق
ليس من ذبذبات بين الأصابع المنفردة

قرب آلة الطنبور المرتمية
ليس من أذان هذا الصباح
في ثوب الغرباء
شرر من كل جهة
ودم
حساسين ذاهلة
على مقربة من الأجساد
هامدة
والبيوت مهدمة
كأسطورة لا تصدق
اطلعي يا شجرة من جلد الاخضرار
وتوضئي بصيف ليس على مايرام
قناديل الأمس لاتزال في حداد الضوء
لم يطفئها العابر
يسرق الرّغيف من اصفرار البيدر
صوت الحاصدة
تترك خلفها
اللعاب
والدم
والدخان
افتح الحدقة على أوسع أفق
افتح الصورة الإلكترونية
على أوسع بلل وشهقات متيبسة
هضبة قرب حقل الرمي
أطفال في حقائب نهاية العام الدراسي
هاتف ترد عليه أنامل خشنة
وصوت مسعور
نساء في سمت الوأد
كهول وشيوخ
يتيبس عليهم السائل القرمزي
مشكولاً بروائح أصابع كريهة
سكاكين فولاذية
تتعلق بها الشهادة الأخيرة
والأغنيات
والحلم متردداً
بين الحقل وزرقة  السماء الناقصة
هكذا يمر عسكر دجال
هكذا يسيرون نهاية العرض المسرحي
لا يتركون علواً لقامة أو مقبرة
هكذا يعبر زناة الرسالة التليدة
في صور سوداء
شهادة سوداء
مكائد سوداء
هم أنفسهم
تتقطر من فؤوسهم
ألوان الكعبة
وهي تتبعثر إثر عبورهم
الأخير
يحرقون كتب الرب
ويرتمون في الرماد
دون طيور أبابيل
دون حجارة من سجيل
لا شيء يضيع من شاشة التلفزيون
يتلمظ الصور لعاب بلغات لانهاية لها
ليس من نبأ غيره
تلال تتتلل..:
تليلية وتل عرن وتل حاصل
جهات الخريطة
في جرحها
العميق.. العميق….
ثغاء دون راع
ملاعب دون عطور العشاق
كتب متبقعة بالأحلام والكريات
ظلال لا تقيسها خطوات المارة
قل ما شئت في حضرة الخرافة
خارجة عن جلد الوقت
 ليس لك إلا أن تحصي مداخلها ومخارجها
من الجهات الست
حيث تستبد بهم في آخر اللعبة
جهة واحدة
وجهة واحدة
لا تدلق  دمك عارياً
في هذا الصراط السوري
دون دوي
لا تدلق روحك
قبل أن يلتئم اسمك
كأنك جئت مبكراً
كأنك عدت متأخراً
في “سري كانيي” تطلع الينابيع
مرة أخرى
فيها العويل
وسيل الدم المطواع
تستطلع ما بعد ميناء ساعة البيت
تغوص عقاربها في الدبق
والخبر الأول في “نشرة الأخبار”
ليس من صوت يلتئم الآن
ليس من حكمة تترصع
بنزيف قوس قزح
وشمس الصباح
مطعونة بالموسيقا الميتة
ما دمت تظهر
شاحب الخطوات
مثقل الشكوى
لا تترجمها رياح الصيف
عصف الأكذوبة الماجدة
مادام لا يبقى
سوى بيوت من طين
لا يبقى من القرية
إلا خطوط بيوت
وبنات آوى
وبئر لا يطمر الصورة المتبقية
عويلك يرتفع…………
عويلك يختنق………….
عويلك ينزل درجات البئر
نحو الماء في لونه الجديد
نحو الماء في سورة جديدة
لم يبق لك
غير بندقية أبيك
ترفع عنها الغبار
كلما عاينت الأفق
تستدرج الجبال إلى محطات السهول
تقرأ رنين الصوت في جرحه
تداري الهواء
في هبوب مترقب
وطن قريب
وبوصلات تحرك عقاربها الرائحة المنتشرة
هو دمك
يهدر على عادته
هو دمك يحجل على عادتك
هو دمك بن أبي
ليس من نبأ غيره
في هذه القرية
الهامدة……..!!

إيسن

29-5-2014

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…