«حكماء» عيد المرأة، والكردية ضمناً

 إبراهيم محمود

” ربما تحت وطأة المزعوم بـ : عيد المرأة “

أجزِم أو أكاد أجزِم في القول: إن أغلب الذين يعتبرون المرأة شرفهم” عِرضهم، ناموسهم ” في منطقتنا المتعددة الأقاليم والألسن والمذاهب والقوميات والكرد ضمناً، يفتقرون إلى الحد الأدنى من الشرف، وإذا أردتها دون رتوش: من دون شرف ” أو عرض، أو ناموس “، إذ كيف يكون الحديث عن الشرف، والمرأة في المرأة جسد تصريف شهوات الرجل، أو متهمة مسبقاً، أو محل شكه، وصورة عصا غليظة مسننة في ذهنه، وأكثر من صورة عنها باعتبارها الجديرة بالتأديب والعقاب والتوبيخ، ولزوم عدم ” إعطائها : وشًّاً “؟
تصدّق المرأة ما يجب عليها تصديقه لأن الرجل وهبها حريتها، استقلالها، كينونتها، فكان الإعلان عن عيدها عقداً أبدياً مبرماً لتصدق أنها أصبحت معبّرة عن شخصيتها، حتى لو أن ” ولي أمرها: الأب، الزوج، الأخ، رجل الشارع “، يصعب عليه التفكير فيها دون تمثل ” تفاحة حواء ” الشائنة، وهو خارج من بيته وعائد إليه، وهو ينظر فيها أو يسمعها وفي وجل، وهو ينام وكله فضول استنفاري لمعرفة ما تحلم به، أو تغمض عينها وآخر صورة ماثلة أمام ناظريها.
حكماء المرأة الكرد بجدارة” وهذا ما يعنينا أكثر هنا، ونحن جزء من هذا العالم المحلي ، الإقليمي ..الخ “، يصرّون هنا وهناك ” وبدءاً من القيّمين على الشرع “، أن المرأة معطاة كاملة حقوقها، بينما نسمع بين الحين والآخر، وكثيراً، أن ثمة من قتِلت ” وهذا ما نسمع، وثمة ما لا نسمع لأكثر من سبب واضح “، لأنها أخلَّت بقاعدة الشرف الذكورية، وليته قتل عادي، إنما عبر التمثيل والتنكيل والغدر، والقتل يا حكماء ويا متابعي الحكماء الكرد، ليس أن تقتل بأداة، وإنما هو استمرار القتل اليومي بصيغ شتى: بدءاً من التلفظ الكلامي وهو درجات، وليس مروراً بالنظرة المهدّدة والمتوعدة فقط، وليس انتهاء فقط بإشارة ما من اليد لها دلالتها، أو حركة رأسية وغيرها، أو طريقة الجلوس والسير والحركة والوقوف..الخ.
أنَّى تلفت واقعاً في المحيط الكردي وواعيته وجغرافيته النفسية فثمة ضحايا الكردي من النساء: بكافة درجاتهن العمرية ومواقعهن، لا فرق بين كبيرة أو صغيرة، بين متعلمة أو أمّية، بين طاعنة في السن ورضيع إلا بنسبة الجرم، لأن ثمة علامة الأنوثة كافية، وبالاسم المعدَّل والدال كوشم يغطي كامل الجسم، لأن تبقيها منذورة للضرب أو التأديب أو التقريع أو المساءلة، ودائماً من قبل الحكماء الذكور: بدءاً من البيت وليس انتهاء بالمشرعين ؟
هكذا يتواصل سيناريو المتابعة والمكاشفة من خلال تسقُّط الأخبار بتغطية عابرة، سرعان ما تُنسى كمكانتها، لـ” أنثى ” مهدور دمها مسبقاً، أو تتعرض للضرب، أو تقتّل، أو تهان، أو يتم خطفها، ويستساغ الحديث في عملية الخطف وما حصل حرفياً في عملية الخطف، وبالصورة والصوت، لتكون الإدانة هنا وهناك، وعقد الندوات هنا وهناك، وكيل المديح للذين أسهموا ويسهمون في إبراز مكانة المرأة ” نصف المجتمع، بالتمام والكمال، بالمفهوم الحسابي “، وليس هناك من لا يكف عن إدانة المخالف أو الساعي إلى إلحاق الأذى بالمرأة، كما لو أن الذي تتعرض له ليس امرأة، ولها أهل قرباً وبعداً، وأن الذين آذوها أو يؤذونها لا ينتمون إلى مجتمع بشري، أو كردي، ولينفتح محضر ضبط في الأخلاق وسواها، وتقيَّد الجريمة ضد مجهول .
معقول ؟ لماذا ليس معقولاً، و” الأنثى ” على يقين، وعليها أن تكون عليه، في أنها طالما تخرج من بيتها، وتأكل في مطعم، وتتزين، أو تتحجب باعتبارها ” حرة ” وتذهب إلى الجامعة، أو تكون في الوظيفة، وتكون في سلك أمني أو وظيفة عسكرية ..الخ، ليكون كل ذلك من إنجازات ” من ؟” الرجل! , و” لِسَّا “، تعبيراً عن أن الرجل فيما يعتمده سيصل به الحال إلى درجة أن تكون عصمته في يد المرأة، وأن يكون هو ” شرفها، عرضها، ناموسها “. يا للتغريبة الكردية إزاء الحاصل والواصل والفاصل كردياً في التجنيس الكردي، والتأنيث الكردي، وعلامة كل من ” تاء التأنيث – نون النسوة “، إن طبّقت قواعدياً في المضمار اللغوي الكردي .
ذلك ما يتبع الكثير من المستجدات التي يعوَّل عليها، وبناء عليها يصار إلى الإعلاء من صرح الثقافة الكردية ورموزها وعتادها وحكمائها الجنسانيين: من يفصّلون بين الذكر والأنثى، ونصيب كل منهما في الحياة والموت، في الطعام والشراب، في شهوة النكاح والجماع، في الظهور والخفاء، في الضحك والصمت، في المعارضة والمساومة، في اقتسام الفراش ومن يجب أن ينام أولاً ويفيق أولاً، ويبدأ بالأكل أولاً، ويتقدم على الآخر أولاً، وحكمة كل خطوة أو إجراء..الخ !، والإيحاء” أم الإيهام والاستيهام ” إلى أننا نمشي في الطريق ” الصح “، وفي نفوس الغالبية الساحقة من الكرد غزوات قائمة خفية ومتخيلة وعلنية بصيغ شتى من الفحولة الذكورية تكون المرأة هدفاً مرصوداً لها.
وفي هذا الصخب الكبير من مشهديات الصور والحركة والبث التلفزيوني  والإذاعي خاصة راهناً، حيث المرأة فحواها: مبتداها ومنتهاها، لقمتها السائغة في المتن، في المعمعان الآذاري، أرى أن المرأة المعتبرة كردية تعيش أكثر حالاتها بؤساً واستباحة، وهي في فخ القول الذكوري المستحدث، والمعايشة الذكورية المعصرنة، والإغواء الأدبي والفني والثقافي المسينم ، مقارنة بما يجري ويشاع عما تقدَّم.
البقية في حياتك الباقية للرجل المستبقي لحياتك أيها المرأة الكردية .

دهوك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…