أحدّثكم عن زوجتي حكمية محمد صالح عثمان

 ابراهيم محمود

أحدثكم عن حكمية محمد صالح عثمان ” عتمان ” بالتصريف الكردي، تمييزاً عن ” اوصمان ” سميّه في القرية ” قريتي العارضة ” منعاً للالتباس، وهي زوجتي، وأنا زوجها، وصفة الزوجية ترتد إلى 20 تموز 1979 تماماً، لعله حديث من باب الرد النسْبي لدَينها علي على مدى خمسة وثلاثين عاماً، ونحن في ليلة 21 آذار2014: الكردي قومية وانتماءاً وانقلاباً ربيعياً وتحولاً نحو فصل جديد، رغم تنامي الألم الجغرافي والتاريخي والمحيطي والأهلي، وهو تذكير بإلهة الخصب: الأم الكبرى، والحياة مفهوم خصبي، والربيع انبعاث حياة، أكتب في غفلة منها، أو عنها، لأتمكن من نثر كلمات على بياض الكتروني يليق ببعض من مناقبها أو فضائلها، كما نثرت سنوات عمرها ونحن في عهدة الزوجية منذ خمسة وثلاثين عاماً، دون طلب تقاعد، فالحب وحده لا يعرف النوم أو الراحة أو إجازة عطلة، وخصوصاً لمن يتقدم بهم العمر، وهأنذا أشعر أن كلمة أسطّرها تكون بحافز من هذا الحب المخضرم.
الحب في زمن ” الحب ” الحب زمن في الحب معكوساً، وليس سواه، وماذا يكون بديلاً عنه تعليلاً لروح لا تكف عن المكابدة والمجاهدة الحياتيتين.
لقد كتبت عن الراحلة أمي في أكثر من مقال، وحين أخصص هذا المقال باسم حكمية محمد صالح عتمان، فلأنها أم أيضاً، ولأن ثمة ضرورة لهذا الحديث وإشهار بحب ووفاء، وهي باسمها التقليدي إلى جانب الأسماء التالية، إنما المهم ليس الرهان على الكأس بل مشروبها، ما يوضع فيها، ولا أظنني كنت فيما أنا عليه لو لم تكن هي ما هي عليه .
كان ذلك منذ عدة عقود زمنية، دون أن أذكر الزمان والمكان، تحدَّث كبير الشعر والقلب محمد مهدي الجواهري عن زوجته، وقال عن أنه كتب قصيدة في حبه لها بادئاً بـ” جرّبيني.. “، ليعلّق عن أنه كان من المشين حينها أن يتحدث الرجل عن زوجته، فكيف وهو يبتدئ قصيدته بالكلمة تلك ؟ بالتأكيد، لا بد أن الشاعر كان يشير إلى المجتمع الذكوري، وحيازة الرجل للمرأة، لا بل وأكثر من ذلك، عن اعتبارها ما دون السلعة القابلة للتسمية أما تلك فلا، ومن هناك كان اسمها الأكثر أهلية للتداول مقبولية ” الحُرْ مة ” أو ” مرَا “، أم ” الذكر ” فهو زلمة أو رجل دون تغيير.
ما يهم هو مضمون الفعل وليس بريق الاسم، رغم أن الاسم يشكّل في الاعتبار الآخر: القومي، وخصوصاً راهناً شاهداً حياً على مدى الارتباط بالهوية، وإن كان ذلك لا يشكل العلامة الفارقة، وهذا لا يحتاج تفسيراً، إذ كم من اسم كان مغدوراً بصاحبه ومهدوراً من خلاله مسلكياً .
ما يحفّزني على الكتابة عن زوجتي حكمية محمد صالح عتمان، هو هذا الاغتراب المزدوج والمتشارك، هذا الغياب غير الممدوح، والجرح الذي ينزف ظلال أمكنة ووجوه أهل وأحبة ومعارف، هو هذا النزوح الذي يرقق الروح ذاتها، ويلهب الأصغرين معاً، مهما كان الحديث عن ركن آخر من الوطن الموسوم حاراً ومؤاسياً، ولأشعرني ببعض عافية تبتغيها حياتنا .
لعلي في كتابتي وأنا أجدني أقل اغتراباً مذ وعيت على نفسي وهي وأنا في هذا الطريق المتعرج، الطيني، الترابي، الناتىء، المصدوع، أعاين روحها في روحي وروحي في روحها، وأنا المعتبَر كاتباً هنا وهناك، وهي في كل عبارة تهبط بظل أو نفس متوترة على القرطاس أو تهبط اضطراراً في نقطة دون أخرى لاعتبارات تخص متغيرات المناخ النفسي، ولكن السلامة التي تنشّط على الاستمرار وسلوك الطريق دون النظر في النهاية، والاستعداد لمحطة تلو أخرى حياتياً، هي الأبقى، ولا أظنها سلامة نابعة من ذاتي أنا وحدي إطلاقاً، إنما من ذاتها، وهي بصمتها الكثيف، بسكينتها المعادلة لطبيعة كاملة، دون أن أشك وحدها أنها في الوسع أن تهدر وتصخب، ولكنها، حتى الآن لم تشأ إلا أن تكون كما هو اسمها دون ترجمة إنما تفاعل .
إن أكثر ما كان يخيفني وكلما تقدم بي العمر أكثر فأكثر، هو حين أراها تشكو وجعاً أو ألماً ما، ومن خلال التجارب، إذ حينها أجدني على فراق مع الكتابة والتفكير فيها، كما لو أنها تعلِمني في كل مرة أنها الحياة في الكتابة والكتابة في الحياة من خلال ما كتبت وأثرت حتى الآن، وأنا أشعرني أكثر تماسكاً بها، وإن كنت البعيد عنها أحياناً، سوى أن حضورها في الطرف الآخر، وهي تحيا تشكل دعماً لي، ولما أتهيأ له في كل مرة، كما لو أنها آذان مواقيت الكتابة والعافية.
لحكمية محمد صالح عتمان فضل لا يقاس أو يعايَن بالكلمات، حسبي أن أقول وأقر بمدى عنفي أو طغياني أو تعدياتي المستمرة عليها، حين أجدني مع الكتابة، وهي تستمر في صمتها أو عملها البيتي كما لو أنها منذورة لكل ذلك، وكأنني أستهلك فيها ما فوق طاقتها. يا لطاقتها !
حسبي أن أقول أن الستة العوالم، الستة الوجوه المختلفة والمتكاملة من ثمار أرواحنا، هم شهود على هذا الإرث الروحي، إرثها وإرثي: مالين34عاماً، مهيار33 عاماً، أوليس 29 عاماً، هرمان 28 عاماً، هابيل 27 عاماً وسولين21 عاماً، أخوة خمسة وأخت واحدة هي التي كانت وراء هذا الكم اللافت عائلياً، ولكنه الكم الذي يشكل هرمونيا لا يعاش بدونها راهناً .
ربما نشكو اثنينا من ذات الأوجاع أو بنوع من التعادل حتى الآن، وجسد كل منا يعيش وجدانياً جسد الآخر، وكأن الحياة استقرت فيهما معاً، وتنبض بذات الإيقاع فيهما معاً. تلك أوجاع آلام وعلَل ومخاوف
آلامنا وعللنا متقاربة ومتساوية، هي في معايشتها لأوجاع المفاصل وألم الأعصاب ووجع الرأس الدوري والدوخة الدورية والضغط والسكّري الخفيف حتى الآن، وأنا بمعايشتي لأوجاع المفاصل والتحسس الربوي وألم الكولون الدوري والحرقة البطنية وأخيراً منغصات العصب الخامس. أرأيتم أي شراكة دائية تقاسمتنا ؟
يتملكني الظن المقلق أحياناً: ماذا لو فقدتها على حين غرَّة ؟ ترتعد أوصالي . ليس سراً إن قلت، وهي تراني أعاني من آلام العصب الخامس وصداع الرأس المرافق أحياناً، وهي تبوح بما يقلق أكثر: ليتني كنت قبلك .
أذكّر هنا أنني وفي 28شباط 2011، إن لم تخنّي الذاكرة كنت ضيفاً في قناة ” الحرّة ” الأميركية في بيروت، في برنامج ” قريب جداً ” وتعلَّق الحديث في النهاية عن علاقتنا الزوجية : حكمية وأنا، فقلت لمعد البرنامج الإعلامي والشاعر جوزيف عيساوي: لعلمك، لولاها لما كانت هذه الكتب، وليكن في معلوماتك أكثر، أنها بالكاد تفك الحرف، وهذا ليس شماتة بمن يفككن لغات ، إنما هو التركيز على المعطى الروحي في مجتمع له تاريخه، تكون المرأة بأمس الحاجة إلى أكثر من نصب ” الجندية المجهولة ” جندية الحياة وحياة الجندية التي لا تسريح فيها، لأن مجرد التفكير في التسريح يعني نهاية الحياة، وأعتقد أن القيامة ليست أكثر من قهر للنساء وغياب لهن، فالحياة امرأة، والمرأة حياة، وما على الرجل إلا أن يعيش هذا الانفتاح على الحياة، وأن يتبصر قيمومة المرأة العامرة في كامل خلاياه وسجاياه ومراياه ومزاياه..
تالله وبالله ووالله، أي حياة تعاش دون امرأة؟ أي سر ” مركوب ” في روحها وهي في افتدائها المستمر قبل أي فاد ٍ ؟
لا أجد هنا أكثر من قول: كل سنة وأنت يا حكمية محمد صالح عتمان بحياة، كل سنة ودائماً نوروز كل النساء بحياة.
وكل عام وأنا بك موجود يا ” hevjîn “: الزوجة التي تُلفَظ هنا في دهوك، وتعني حرفياً: شريكة الحياة، أي العيش أو الحياة معاً، والحرّية خاصية من خاصيات الـ ” معيَّة ” طبعاً !

دهوك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…