سقى الله أيّام الجامعة

نارين عمر 

كانت لنا زميلة وصديقة بالجامعة تقول دوماً:حقّاً “الجامعة جامِعَة” نعم, لأنّها جمعتنا على الصّداقة والألفةِ والزّمالة وكلّ منّا قد أتى من مكان ما بدءاً من ديركا حمكو ومروراً بـ كركي لكي, تربه سبي, قامشلو, ثمّ عامودا بافي محمد, دربيسيه, سري كانيه, ووصولاً إلى كوباني وعفرين وانتهاء بمناطق أخرى من سوريا, وحتّى من خارج سوريا كذلك. 
 لولاها لما كنّا سنجتمع, ونتصادق, ونتآلف. على الرّغم من توجّهاتنا واتجاهاتنا المتباينة والمختلفة إلا أنّنا في النّهاية كنّا “نتفق على أن نتفق” لأنّنا كنّا نشعر –نحن الطّلاب الكرد- بأنّ هناك روابط تجمعنا أكبر من كلّ توجّهاتنا, روابط تذكّرنا بانتمائنا إلى وجودٍ نحاول أن نثبت فيه وجودنا.

كنّا نحاول قدر الإمكان التّعرّف بكينونتنا وخصوصيّتنا إلى الآخر غير الكرديّ, التقينا بشباب عرب ومن غير عرب, مرّة التقينا بشابين من الصّين كانا يدرسان معنا الّلغة العربيّة, وقد فوجئنا بأحدهما يقول:
هذه هي المرّة الأولى التي أسمع فيها باسم شعبٍ اسمه “الشّعب الكرديّ”, بدأنا نعرّفه بنا وبخصوصيّتنا, ولكنّ المفاجأة التي كانت كالصّدمة لنا حين كنّا ندرس في مكتبة كليّة الآداب” كنّا مجموعة من شباب وصبايا الكرد” ومجموعة من الشّباب والصّبايا في الجهة المقابلة إلينا ينظرون إلينا وهم يبتسمون ويضحكون, وعندما سألناهم عن سبب ذلك, أجابوا:-لهجتكم غريبة علينا, فقلنا لهم:
نحن نتكلّم بلغتنا, لا بلهجة, وبعد أن تأكّدوا أنّنا ننتمي إلى الشّعب الكرديّ, وأنّنا من الجزيرة السّوريّة, لفّتهم الدّهشة, وأصابهم الذّهول, وقالوا:
– لكنّنا نسمع  عن سكّان الجزيرة وخاصة الكرد منهم أنّهم شعب متوحّش ومتخلّف, فقلنا: وهل ترون فينا الآن ما يثير فيكم الخوف أو الفزع؟الشّباب والصّبايا كانوا من السّاحل والدّاخل ومن منطقة الحوران. تأسّفنا حقّاً للكلام الذي سمعناه, وبدأنا نعرّفهم بشعبنا وقضيّتنا, ويبدو أنّ العديد منهم سرّ للأمر حيث صرنا أصحاباً فيما بعد.
جمعتنا في تلك الأيّام زمالة تحوّلت إلى صداقة مفعمة بالودّ والتّآلف والتّفاهم, كانت كافية لتنسينا هموم الحياة وتقلّبات الدّهر ومفاجآت الزّمان, وتجعلنا نعيش السّعادة على أصولها, والتّفاؤل بأبهى صوره واالحبّ بكلّ تجلّيّاته.
أنهينا دراستنا الجامعيّة, وعاد كلّ منّا إلى داره ومحيطه وبيئته, ولكنّ صور تلك الأيّام, تحوّلت إلى لوحاتٍ خالدة, تزركش مفكّرة القلب والخاطر بما طاب لها ولذّ من الذّكريات والمذكّرات, لذلك كلّما ألتقي بأحدهم يقول: أحلى أيّام عمرنا هي “أيام الجامعة” “سقى الله أيام الجامعة”.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…

إبراهيم سمو

عالية بيازيد وشهود القصيدة: مرافعةٌ في هشاشة الشاعر:

تُقدِّم الكاتبة والباحثة عالية بيازيد، في تصديرها لأعمال زوجها الشاعر سعيد تحسين، شهادةً تتجاوز البُعد العاطفي أو التوثيقي، لتتحوّل إلى مدخل تأويلي عميق لفهم تجربة شاعر طالما كانت قصائده مرآةً لحياته الداخلية.
لا تظهر بيازيد في هذه الشهادة كامرأة تشاركه الحياة فحسب، بل كـ”صندوق أسود” يحتفظ…