ـــ أمـي ـــ

صالح برو

آن لي أن أترجل
من حافلة الكلمات
فعمري حقيبة للذكريات
وكأني أداة…
منذ أن نبت اليأس في ذقن أملي
ومنذ انعكاف ظهر القصيدة فيّ
 ومنذ استأجرني الخوف سكناً
وسط شارع شهير

 يدعى…
ومنذ أن ضاق الكلام
 في معصم صوتي
 وقتها يا أمي
حملت ذاكرتي سحابة فوقي
 تفيأت من وهج يأس
 أحرق خدود قصائدي
وتشبثت عالياً تحتي
 فداويت انقراص أيامك الآتية
أمي
أنا الذي فقدت علاقتي بعمري
 المقدد في إناء الأيام
وفككت أسر الحدود فيّ
 إذ اخترت قدري
 كبطاقة يانصيب
مقابل ثمن جمعته
في مطمورة عمري.
يقيلني الموت عربة
 يقاسمني من جيب الأيام
فأُلبي طاعة الطريق
وكأني قنُصلٌ لروحي
 أمي
 كم مرة جمعت
 فصاحة صمتي
وركاكة ارتباكي
على مسند ورقة حامل
تهمس في أذني قلم
إياك أن تستضيف
 في سكني ممحاة.
أمي
 ليس بيني وبين الكتابة
 قرابة سوى مصادفة مفخخة
رتبتها الصفحات لكلينا
في موقف يائس
فكان للصمت طرفٌ في حبنا
وللخيال وسيط
فها أنا ذا استقل قلماً
إلى مدينة مملحة بالكلمات
أمي
 أذكر أني بدأت مشواري مرتين
كدت أختصر مسافة الغربة
لولا ثقب شاسع في عجلة الأيام
التي حملتني إليك
أمي
لا شيء يجمعني بلوحتي سواي
وحملة قصائدي
 ليست سوى
حصيلة أيامي المتعبة.
لم أنسَ يوماً أني انتظرني
 ريثما تجملني مساحيق الغياب
وتعيب عليّ رتوش الحنين.
أمي
لن أنسى أني
 أكتب بلغة أخرى
 تعبيراً عن لغتي المدمنة عليّ
 لا..لن أنسى يا أمي
 أنني هو…
هو الذي هو ولا سواه.
أمي
أنفقت ثلث خيالي
ولم أجن …
سوى رطلٍ من قمح البكاء.
أدركت أني
 أتحايل على الحقيقة
وبمحض الأمل دوماً
تطليني خيبة الاحتمالات…
فأستضيف ذاكرتي
 نيابة عنك
أمي
من نوافذ التراب
 أمام أَسرة عشرين عام
فككت قميص الغياب
عساه نسخة عني
فكان نسخة مني
 أمي
 أذكر أني اختلفت مع حلمي
ذات مساء
 وشاكلت ظلي ذات صباح
أذكر أني لم أعد أذكر شيئاً
سوى شيء
 يدعو لشيء.
ولا شيء يدعو لمصالحة
 الماضي من جديد
أمي
في السجن الذي يدثرني
رسمت مفتاحاً للظلام
على مقاسي
 حيث هناك
على بعد شارعين
 من ذاكرتي
وبالقرب
من كوخ الأشواق
لافتة تبيعني بالتقسيط. …………………………………..
 من مجموعة عتال الصمت

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

“إن لم تجدني بداخلك، فإنك لن تجدني أبداً”
قول قاله جلال الدين الرومي، تذكرته وأنا أطوف بين أعمال التشكيلي رشيد حسو، بل أحسست أن أعماله تلك تخاطبني بهذه الجملة، وكأنها تقول لي: التفت إلى دواخلك فأنا هناك، وإذا أردت أن تقرأني جيداً اقرأ ما في…

فراس حج محمد| فلسطين

تعالَيْ
متّعي كُلّي بأعضائكْ
من أسفل الرأس حتّى رَفعة القدمينْ
تعالَيْ
واكتبي سطرينِ في جسدي
لأقرأ في كتابكِ روعة الفنَّيْنْ
تعالَيْ
واشعلي حطبي على شمع تلألأ
في أعالي “الوهدتين”
تعالَيْ
يا ملاكاً صافياً صُبّ في كأس امتلاء “الرعشتينْ”
تعالَيْ
كي أؤلّف أغنياتي منهجاً لكلّ مَنْ عزف الهدايةَ

في نضوج “الزهرتينْ”
تعالَيْ

كيْ أقول لكلّ خلق اللهْ:
“هذا ابتداع الخلقِ ما أحلاهْ!
في انتشائك شهوة في موجتينْ”
تعالَيْ
مُهْرة مجنونة الإيقاعِ
هادئة عند…

“في الطريق إلى نفسي” هو عنوان الديوان الثالث عشر للشاعر الكردي السوري لقمان محمود، وقد صدر حديثًا عن دار 49 بوكس في السويد. في هذا الديوان يكتب الشاعر قصائده بخبرة شعرية واضحة المعالم، بما تملكه من حساسية الرؤية وخصوصية الالتقاط والتصوير والتعبير. فالشاعر شغوف منذ ديوانه الأول “أفراح حزينة” عام 1990، بشدة التكثيف اللغوي وحِدَّة…

خالد جميل محمد

في وظيفة اللغة والكلام

لا تخلو أيُّ لغةٍ إنسانيةٍ من خاصّيةِ المرونةِ التي تجعلها قابلةً للاستخدام ضمن جماعةٍ لغوية كبيرة أو صغيرة، وهي خاصيّة تعكِس طواعيةَ اللغةِ، وقدرتَها على التفاعل مع المستجدات، بصورة تؤهّلها لأن تُستخدم في عملية إنتاج الكلام بيسر وسهولة، متوسِّلةً عدداً من الطرائق التي تَـزيدُ اللغة غِنىً وثراءً، ويمكن أن تتمثل…